ما زلنا مع ألوان واحد من أجمل الكائنات، بتفصيلاتها، وأبيات الشعر التي تناولتها. بدأنا بالأشقر ثم الأحمر، وها نحن ذا بين يدي أدهم الجمال. للأدهم خمسة أنواع: أدهم حالك وأحوى وأحم وأصدى وأخضر. فالأدهم الحالك أشد هذه الأنواع سواداً وأصفاها. والأحوى ما علا سواده حمرة. والأحم ما شابه الأحوى، إلا أنه أقل حمرة، والأصدى ما خالط سواده شقرة، والأخضر ما خالط سواده غبرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” خير الخيل الأدهم، الأقرح، الأرثم، ثمَّ الأقرح المحجل طلق اليمين، فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية. وقال صلى الله عليه وسلم: “تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى اللَّه: عبد اللَّه، وعبد الرحمن، وارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها، وأكفالها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار، وعليكم بكل كميت أغر محجل، أو أشقر أغر محجل، أو أدهم أغر محجل”.
وحكى ابن بسام في الذخيرة: كان للمتوكل ابن الأفطس الأندلسي فرس أدهم محجل، على كفله ست نقط بيض، فندب الشعراء لوصفه فقال أبو الوليد البجلي ارتجالاً:
ركب البدر جواداً سابحاً … تقف الريح لأدنى مهله
لبس الليل قميصاً سابغاً … والثريا نقط في كفله
وغدير الصبح قد خيض به … فبدا تحجيله من بلله
كل مطلوب وإن طالت به … رجله من أجله في أجله
وقال ابن اللبانة فيه:
لله طرف جال يا ابن محمد … فجنت به حوباؤه التأميلا
لما رأى أن الظلام أديمه … أهدى لأربعه الهدى تحجيلا
وكأنما في الردف منه مباسم … تبغي هناك لرجله تقبيلا
وقال ابن نباتة:
وأدهم اللون حندسي … في جريه للورى عجائب
تقصر سعي الرياح عنه … فكلها خلفه جنائب
وقال غيره:
قد سابق الطرف بطرف سابق … كأنه يريد إدراك القدر
دهمته تبدي سواداً حالكاً … كأنها ليل إذا الليل اعتكر
صهيله يطرب من يسمعه … كأنه رعد إذا الرعد زجر
أو سابق الريح جرى من قبلها … والبرق لا يسبقه إذا ظهر
وهذا صفي الدين الحلي ينشد في فرسه ذي اللون الادهم قائلا:
ولقد أروح إلى القنيص وأغتدي … في متن أدهم كالظلام محجل
رام الصباح من الدجى استنقاذه … حسداً فلم يظفر بغير الأرجل
فكأنه صبغ الشباب إهابه … وخط المشيب فجاءه من أسفل
وقال ابن خفاجة الأندلسي ممتدحا فرسا ادهما:
وأدهم آل الوجيه ولاحق … له الليل لون والصباح حجول
ترقرق ماء الحسن فوق أديمه … فلولا التهاب الخصر ظل يسيل
كأن هلال الفطر لاح بوجهه … فأعيننا شوقاً إليه تميل
كأن الرياح العاصفات تقله … إذا ابتل منه مخرم وتليل
إذا عابد الرحمن في متنه علا … بدا الزهو في العطفين منه يجول
فمن رام تشبيهاً له قال موجزاً … وإن كان وصف الحسن منه يطول
هو الفلك الدوار في صهواته … لبدر الدياجي مطلع وأفول
وقال ايضا:
تقبل المهر من أخي ثقة … أرسل ريحاً به إلى المطر
مشتملاً بالظلام من شية … لم يشتمل ليلها على سحر
منتسباً لونه وغرته … إلى سواد الفؤاد والبصر
تحسبه من علاك مسترقاً … بهجة مرأى وحسن مختبر
حن إلى راحة تفيض ندى … فمال ظل به على نهر
ترى به والنشاط يلهبه … ما شئت من فحمة ومن شرر
لو حمل الليل حسن دهمته … أمتع طرف المحب بالسهر
أحمى من النجم يوم معركة … ظهراً وأجرى به من القدر
اسود وابيض فعله كرماً … فالتفت الحسن فيه عن حور
كأنه والنفوس تعشقه … مركب من محاسن الصور
فازدد سنا بهجة بدهمته … فالليل أذكى لغرة القمر
ومثل شكري على تقبله … بجمع بين النسيم والزهر
وهذا أبو دلف العجلي يصف فرسا ادهما أصيب بجراح في إحدى المعارك:
كم ذا تجرعه المنون ويسلم … لو يستطيع شكا إليك الأدهم
في كل منبت شعرة من جلده … خط ينمقه الحسام المخدم
وكأنما عقد النجوم بطرفه … وكأنما هو بالمجرة ملجم
وكأنه بين البوارق لقوةٌ … شفواء كاسرة طوت ما تطعم
لا تدرك الأرياح أدنى شأوه … لا بل يفوت الريح فهو مقدم
رجعته أطراف الأسنة أشقراً … واللون أدهم حين ضرجه الدم