(الخيل) من شبه الجزيرة العربية إلى رويال آسكوت
يقام في بريطانيا معرض رائع يتتبع تاريخ الخيل العربي منذ القدم، وقد قامت المملكة العربية السعودية بتنظيم المعرض في أروقة المتحف البريطاني كمجاملة من البلاد الحاضنة للحصان العربي الرائع الجمال والمحبوب عالميا، يستكشف معرض “الخيل: من شبه الجزيرة العربية إلى رويال آسكوت” دور الخيول في منطقة الشرق الأوسط منذ بدأ ترويضها قبل نحو 3500 عام قبل الميلاد وحتى يومنا هذا، إذ يرتبط تاريخ الخيول بتاريخ الحضارات الإنسانية ارتباطاً وثيقاً، حيث كان لترويض هذه الحيوانات أثر ثوري على حضارات العالم القديم.
يقول صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم ورئيس صندوق الفروسية السعودي الذي نظم تمويل المعرض كهدية ليوبيل جلالة الملكة اليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة: “… إن تاريخ الخيل هو تاريخ الحضارة نفسها، والحصان العربي كان ولا يزال رمزاً للنبل والجمال والكبرياء. مما مكنه من كسب إعجاب العالم”.
وقال الأمير فيصل بن عبدالله: “إن تراثنا الثقافي يميزنا عن بعضنا لكن هناك قواسم مشتركة تجمع الثقافات العالمية، ومنها حبنا للخيول كمثال”.
واضاف سمو رئيس صندوق الفروسية السعودي “نحن نشترك مع الشعب البريطاني في شغفنا بالخيول، ومما يسعدنا أن تكون هذه المناسبة التي ننظمها في المتحف البريطاني تترافق مع احتفال الملكة البريطانية اليزابيث الثانية بيوبيلها الألماسي، وإنه لشرف كبير لنا أن تكون الملكة اليزابيث الثانية الراعي للمعرض بما عرف عنها من حب عريق للخيول، والإهتمام بسلالاتها”.
من شبه الجزيرة العربية إلى رويال إسكوت
يفتتح المعرض في ٢٤ مايو، وسيتضمن تتبعاً لتأثير الخيل على الحضارات القديمة، وسيستعرض مساهمتها في تاريخ الشرق الأوسط منذ 3500 سنة قبل الميلاد حتى الوقت الراهن. ويسلط المعرض الضوء على تقاليد الفروسية العريقة في المملكة المتحدة بدءاً من إدخال الخيول العربية الأصيلة إليها في القرن الثامن عشر ووصولاً إلى المنافسات الرياضية في عصرنا الحالي مثل مهرجان “رويال آسكوت” والألعاب الأولمبية. سيهتم المعرض بتتبع علاقات وروابط الفروسية بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية في مجال الفحول العربية وسفرثلاثة فحول من الخيل العربية من الجزيرة العربية الى بريطانيا في القرن التاسع عشر، حيث إنحدر 95٪ من الخيول العربية التي تعيش الآن في بريطانيا من هذه الخيول الثلاثة.
تاريخ الخيل
لقد أدى تدجين الخيول قبل ما يزيد على 5000 عام إلى تغيير جذري في تاريخ البشرية. ويعتقد بأن ذلك حدث للمرة الأولى في سهوب جنوب روسيا، ومن ثم تم استقدام الخيول إلى الشرق الأوسط قرابة عام 2300 قبل الميلاد. وقبل ذلك كان يتم استخدام الحمير للنقل، ولاسيما في جر عربات خشبية بطيئة ولكنها تعتبر متقدمة بالنسبة لزمنها، وهو ما يمكن رؤية دليل عليه في المدفن الملكي لمدينة أور جنوب العراق. وتبوأت الخيول بالتدريج مكانة مهمة كوسيلة نقل أسرع في هذه المجتمعات الناشئة. ويقدم المعرض واحدة من أقدم القطع الأثرية المعروفة التي تصوّر شخصاً يمتطي صهوة جواد، وهي عبارة عن رقيم طيني تم العثور عليه في العراق ويعود تاريخه إلى نحو 2000-1800 قبل الميلاد، ومع مرور الوقت، أصبحت الخيول عنصراً مهماً في أنشطة الصيد والحروب كما يتبين من الأعمال الفنية للحضارة الآشورية القديمة التي شهدت ابتكار الكثير من التزيينات والمعدات الخاصة بالخيول، مما يعكس الدور المهم للحصان والعربات التي يجرها، والمكانة الاجتماعية المرموقة للفرسان. وفي الحقبة الأخمينية (القرنان 4 و5 قبل الميلاد)، أصبح ركوب الخيل جزءاً مهماً من الحياة الاجتماعية، ويظهر ختم أسطواني من عهد داريوس يعود تاريخه إلى 522-486 قبل الميلاد صورة للملك وهو يصطاد أسداً من على متن عربته. كما ازدهر في تلك الحقبة استخدام الخيول كوسيلة لنقل الرسائل على الطريق الملكي، وأشاد المؤرخون الرومانيون بمهارة فرسان الامبراطورية البارثية (من القرن 3 قبل الميلاد إلى القرن 3 بعد الميلاد) الذين كانوا يجيدون رمي السهام إلى الوراء وهم ممتطين صهوة خيولهم. ويمكن رؤية صور عن مهارة هؤلاء الفرسان البارثيين على رقم طينية ومشابك أحزمة برونزية تتضمنها تشكيلة المتحف البريطاني.
محتوايات المعرض
وسيحوي المعرض قطعا أثرية لا تقدر بثمن، منها قطعا من المجموعة الخاصة للملكة اليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة، وهذه القطع لم تعرض للعموم من قبل. وتشمل المجموعة منحوتة فايبرج الفضية للحصان بيرسيمون. وصورا لسباق الخيل في ديربي إبسوم عام 1896 كان يملكها جدالملكة إدوارد السابع الذي فاز بذلك السباق بحصانه بيرسيمون وأصبح نجما دوليا في عالم الخيل. كما سيتضمن المعرض لوحة قام برسمها الفنان العالمي جورج ستوبس بأسم ” لايتيتا ” زوجة السيرجون ليد مدير السباق الخاص لأميرويلز الذي رعى اللوحة. وكلا التحفتان كانتا ضمن المعروض في غرف الملكة الخاصة بها في قصرها في وندسور. كما ستعرض مشغولات خاصة بالملكة تتمتع بألوان زاهية من الحرير القرمزي والإرجواني والمذهب وقبعة مخملية سوداء مع تطريز مذهب.
كما لعبت الخيول دوراً لا يقل أهمية في العالم الإسلامي، وينعكس ذلك على المنمنمات والخزفيات والمخطوطات العربية والفارسية والتركية والمغولية من القرن السابع للميلاد؛ حيث تظهر منمنمات مغولية صوراً لأمراء يمتطون خيولهم العربية الأصيلة التي كانت تشتهر بسرعتها وقدراتها الجبارة.
كنوز سعودية
ويحظى المعرض الذي سيقام في المتحف البريطاني بتحف وكنوز سعودية لها من العمرآلاف السنين، وعبر شاشات عرض متقدمة سيعرض مشاهد صخور قديمة قدم التاريخ ومنذ آلاف السنين تتضمن فنون صخرية يظهر فيها الحصان وتثير جدلا حول دقة توقيت العلماء لتاريخ تدجين الحصان في الحضارة الإنسانية. وسيتمكن زوارالمعرض من استعمال عدسات تلسكوبية لدراسة الرسوم الصخرية المعروضة.
وتشارك مكتبة الملك عبد العزيز العامة في المعرض المنظم في المتحف البريطاني في لندن، وأعارت المكتبة السعودية المعرض مخطوطة بخط اليد لعباس باشا، وتعتبر المخطوطة أقدم ما كتب عن أنساب الخيول العربية في القرن التاسع عشر في أنحاء الشرق الأوسط من قبل والي مصر انذاك.
سلالة “ثوروبريد”
وسيتم تعريف حضور المعرض كذلك بقصة الشاعر ويلفريد سكاومان بلونت (1840-1922) والليدي آن بلونت (1837-1917) جدة اللورد بايرون، واللذين جالا أصقاع الشرق الأوسط وأسسا اسطبلاً مرموقاً للخيول العربية الأصيلة ساهم في الحفاظ على هذا السلالة في حديقة “كرابيت بارك” بمدينة ساسيكس الإنجليزية, واسطبلاً آخر بالقرب من العاصمة المصرية القاهرة. وكان البريطانيون في السابق يستوردون الخيول من منطقة الشرق الأوسط، غير أنهم زاوجوا في القرن ال 17 للميلاد ثلاثة فحول عربية مع الأفراس المحلية، مما أنتج سلالة “ثوروبريد” الهجينة التي تعد الأقوى حضوراً في السباقات الحديثة، والتي يعود أصل 95% منها إلى هذه الجياد العربية الثلاثة. وتعكس الرسومات والأعمال الفنية والميداليات النجاح الذي حققته هذه السلالة الهجينة، وتأثيرها الكبير في شتى الميادين الاجتماعية والرياضية بدءاً من أقدم السباقات ووصولاً إلى فعاليات الفروسية الحديثة.
الفروسية فن
يعد الحصان الأكثر نبلاً على مدى التاريخ “هذا ما يؤكده الأمير فيصل بن عبدالله، وتابع سموه “لهذا السبب تحرص المملكة العربية السعودية على تعزيز العلاقة بين الفروسية والرجل، رغم الحياة الآلية الحديثة، إلا أن السند الروحي بين الإنسان والحصان إستمر، والعلاقة بينهما تنبع من أصالة الصحراء، وقيمة الحصان في حياتها”.
وأضاف الأمير فيصل بن عبدالله “كان الحصان العربي هدية ثمينة بين الملوك، والملكات، والرؤساء، والسلاطين، والباشوات والشيوخ على مرالأجيال، الجمال، والنعمة، والإعجاب، والإحترام لهذه الحيوانات تتحدث عن نفسها للروح البشرية. إعجابنا المشترك واحترامنا للخيول يعكس علاقتنا الطويلة بين المملكتين مملكة بريطانيا الكبرى والعربية السعودية.
الدخول للمعرض مجانا
ويدعم المعرض مجلس أمناء الصندوق السعودي للفروسية، ومجمع ليان الثقافي، ومزارع جودمنتي، كما يتعاون في تنظيم المعرض الهيئة العامة للسياحة والآثار، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض.. وسيكون دخول المعرض متاحا مجانا لكافة الزوار والمهتمين وكل من يرغب مشاهدة محتويات المعرض.