لاتزال الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة… دليل آخر على أن الدنيا بخير في الشرق والغرب معا.. قمنا في وقت سابق بإجراء استطلاع عن تجربة تتخذ من الخيل ركابا للمضي نحو التخفيف من معاناة المعاقين ومرضى السرطان والأمراض الفادحة الأخرى كمرض الإيدز. تلك كانت تجربة مؤسسة “خيول السعادة” في بلجيكا. أما في فرنسا فقد رصدنا تجربة أخرى لا تقل أهمية، ويتعلق الأمر بجمعية “خيول القلب” التي أسسها إيمانويل واران الذي سابقت مشاعره الخيرة نحو مد يد العون للأطفال المرضى من خلال فكرة رائدة عنوانها روح المبادرة ومضمونها رسالة إنسانية تجعل من مجتمع الخيل شريكا اجتماعيا مسؤولا..
إذا كان للخيل قلب ، فإن الذين يحبونها يبدو انهم يملكون أكثر من قلب، أو لنقل قلبا كبيرا يجد كل الذين عصفت بهم برودة الأسى، مكانا دافئا في مملكته.
إيمانيول الذي عاش خمسون عاما من الحب مع الخيل كان سعيدا بامتلاكها والإعتناء بها خلال 20 عاما في إسطبل بيير فيركرويس المتسابق المشهور في عالم سباقات خيول العربة، مثلما كان سعيدا عندما كان يتردد على إسطبلات جروزبوا حيث يجد سعادة غامرة وهو يتحدث إلى الخيل، أراد وبواسطة الخيل أن يعيد هذا الحب إلى وجهته الصحيحة، من خلال مفهوم غير مسبوق نبت في ذهنه وهو إنشاء إسطبل للسباق حيث تفوز الخيل بالمال لأجل سبب وجيه.
بداية قصة “خيول القلب” نحو نبلها
بحكم عمل زوجته في القطاع الصحي، كان إيمانويل الذي يعمل مسؤول خدمة العملاء بشركة للتأمين، والذي وجد نفسه مهووسا بحب الخيل طيلة حياته، كان كثيرا مايصادف، خلال زيارته لزوجته في مكان عملها، حالات مرضية صعبة لدى العديد من الأطفال، وهو ما أثر فيه كثيرا. وحيث إن إيمانيول لم تكن حياته سهلة فهو يدرك مدى أهمية الوقوف بجانب المرضى والمعوزين ومد اليد إليهم لمساعدتهم على تجاوز بعض الصعوبات والتخفيف من آلامهم ومشاطرتهم بعض الفرح.
بدأت المغامرة مع فرانس جالوب التي قبلت إطلاق القبعة السوداء المتوجة بقلب أحمر. وبدأت أولى خطوات المشروع بحصان إسمه مونستراك (Moonstruck) تم جلبه بعدما ابتعد عنه صاحبه. مونستراك كان مصابا ورغم معالجته إلا أن الظن كان يغلب أنه لامستقبل له في السباقات. إيمانويل واران كان يأمل أن يعطيه حياة ثانية عندما كلفه بمهمة في جمعية للأطفال المعاقين. هذه الهدية مكنت من جلب السعادة، والهدوء والصداقة. هنا كان لسان حال واران يقول: لماذا لا نجعل عالم الخيل حليفا لقضية إنسانية؟ ولم لاتركض الخيل من أجل الأطفال المرضى حيث الحياة ليست دائما سهلة؟
دفء خيول القلب يمحو برودة معاناة الأطفال
فانطلاقا من عاطفته ومن الحاجة إلى تقاسمها قام إيمانويل واران بتأسيس خيول القلب. دعوته قامت على تجميع الأموال من خلال الفوز في السباق من أجل دعم جمعيات تشترك في العناية بالأطفال المرضى. ذلك كان بالنسبة له سببا وجيها لتأسيس جمعية “خيول القلب” وجعل الخيل تركض لصالح أربع جمعيات تعنى بالأطفال المرضى؛ جمعية “لوريت فوجان” التي تعمل على علاج مرضى سرطان الدم وحالات اليأس من الحياة، وجمعية “قلوب في المشهد” وهي تعنى بمساعدة الأطفال المرضى وعائلاتهم بمختلف الوسائل، وجمعية “اللوحات الساحرة” التي كان لها الفضل في إدخال السينما للمستشفيات، وجمعية الطفل و المستشفى (L enfant@L hopital ) التي تعنى بإعادة التأهيل التربوي للأطفال المرضى.
وكما لو أن الأمر يتعلق بوجبة فريدة، فقد اختصر إيمانويل واران مكوناتها في أن يخصص ملاك الخيل نسبة 10% على الأقل كأسهم من الحصان ومن قميص فريقه لصالح “خيول القلب” التي تخصص منها 80% لصالح الجمعيات الشريكة بالتساوي بعد فوز الحصان في سباقات السرعة أو سباقات خيول العربات أو سباقات قفز الحواجز. بينما تخصص 20% من المبلغ المحصل من السباقات لدفع المعاشات التقاعدية وربما لتأميل مستقبل الخيل والإستمرار في قيام خيول القلب في تأدية رسالتها وتطوير أدائها.
لقد احتاج إيمانويل واران ثمانية عشر شهرا من أجل الوصول إلى إقناع العالم بأهمية مفهوم جديد غير معهود لدعم الأطفال المرضى، لكنه عندما استوعبت الجهات المختصة فكرته ووافقت عليها، احتاج إيمانويل إلى دقائق معدودة لتحقيق المفهوم في الواقع بواسطة أول من تجاوب مع الفكرة من عامة الناس. لقد كانت مساعدة المحامية بلانش دو جرانفيليي أول المساهمين في تحقيق حلم إيمانويل عندما وقفت إلى جانبه مؤمنة بنبل الفكرة ومضحية بوقت طويل لاتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بانطلاق مشروع للمشروع. ثم توالى إقبال أصحاب القلوب الخيرة واجتمع العديد منهم على قلب رجل واحد ومهجة حصان واحد، اجتمع المختص في القانون مع المختص في البيطرة مع الإعلامي والمصور الفوتوغرافي إلى جانب المالك والمدرب والفارس ليسطروا جميعا حروف النبل في قصة نسجتها عاطفة الخيل والإنسان لتهب الدفء للأطفال المرضى الذين طالتهم برودة المعاناة.
لكل الناس قلب وكلهم معنيون بالخير
وبما أن الفكرة تتخذ من الخيل وسيلة لتنفيذ الفكرة، فإن المعني طبعا سيكون أحد ملاك الخيل. وقبل ذلك كان على إيمانويل أن يعطي البرهان على دعوته الخيرية بداية من نفسه. يقول إيمانويل واران:”عندما أدركت أن “خيول القلب” ستظل هي نفسها معرضة للصعوبات وفي حاجة إلى دعم ميزانيتها، أردت أن أحمل أو أضع لبنة صغيرة في بنائها بأن وهبت حصانا جيدا تعود مكاسبه للجمعية وهي تحث الملاك على المشاركة في تعزيز رصيدها المالي لأهداف خيرية”. واليوم فإن الجمعية تفتح أبوابها أيضا أمام المبتدئين من الراغبين في ممارسة الفروسية واكتشاف أجواء السعادة التي تمنحها تجربة التدريب أو تنظيف الحصان وجاذبية حصص التأهيل، وكل ذلك يعزز الملاءة المالية للجمعية ويساعدها على القيام بدورها الإنساني ومساعدة المرضى وعائلاتهم.
وبإمكان الجميع أن يشارك إيمانويل واران رسالته السامية، فالجميع معنيون بهذا الهدف النبيل؛ الملاك والمربون والمدربون وكذا الأفراد والمؤسسات والمهن الحرة. الذين يهبون بعض مكاسبهم لفئات تستحق عاطفة الخيل والإنسان عندما تنبع من مشكاة واحدة عنوانها الخير. الخير الذي يحتاجه المرضى أكثر مما يحتاجه الفقراء الأصحاء. لكن الجميع في مجتمع الخيل وفي كل مجتمع، معني بالخير لأن للجميع قلب في النهاية.
هناك من يفاوض الناس بقلبه
لكن جمعية خيول القلب كانت في حاجة إلى فارس يحقق الفوز في ميدان السباق وفارس يحقق الفوز في ميادين الإقناع، فقد وجدت الجمعية صدى لها في قلوب ملاك وفرسان مشهورين مثل بيير فيركروسي. كما وجدت لها صدى واسعا في قلب اليد اليمنى لإيمانويل واران، إنها فيرونيك فيرفا عرابة “خيول القلب” والجوهرة النادرة.
عندما قام إيمانويل واران في البداية بإطلاق عملية ترويجية ل”خيول القلب” مستعملا نداء دومينيك دو بيلليج رئيس شركة الحصان الفرنسي وهي الشركة الأم للسباق عندما قال:” أتمنى أن يجد إسطبل خيول القلب دعما وهو يشارك في السباقات بقميص مميز، قميص وقبعة سوداوان مع قلب كبير أحمر “. لقد وجد النداء صداه في قلب فيرونيك فيرفا التي سيؤول إليها أمر جلب الرعاة والداعمين بروح فروسية متميزة تستوعب لماذا على الناس أن يدعموا مثل هذه الجمعية.
يقول إيمانويل أن مايميز فيرونيك هو ثلاثة عناصر هي الجاذبية والموهبة والكرم الذي يعد أهم مايميزها. أما هي فتتساءل:” لماذا لانتقاسم المال إذا كان ذلك لسبب وجيه؟ الخيول مرت من عدة مراحل عاطفية. والأطفال في حاجة إليها. الفوز هو أحد العناصر الكبرى لعلاج الأطفال”.
وتؤكد فيرونيك أنها كبرت في كل المضامير المستوية، الحواجز وغيرها. ولذلك أصبح من السهل بالنسبة لها التوجه نحو الناس وحثهم على المساهمة في مشروع خيري. تقول:” أنا لم أسع لهذا، لقد وجدتني في الميدان، أتفاوض مع الناس من كل قلبي”.
الأفكار النبيلة تحتاج أفضل مانملك
على الرغم من تقدم مشروع “خيول القلب” نحو أهدافه النبيلة دون توقف، وبعد أن تحول نجاح فكرة إنسانية عظيمة إلى بحث مستمر عن الأطفال المرضى في المستشفيات، وتنظيم سباقات ومناسبات لأجلهم، وتقاسم الحب والمال بالخيل والخير لمساعدتهم ومساعدة عائلاتهم، فإن مايمكن ملاحظته أخيرا هو أن المشاريع الخيرية تحتاج إلى قلوب خيرة باستمرار. وعندما يتعلق الأمر بضرورة الفوز لأجل الحصول على المال لدعم المرضى أو ماشابه ذلك، فإن الاحتمالات الدائمة للفوز تتعزز مع مساهمة الملاك بأفضل الخيول.
سعيد سامي – مجلة المضمار