ورث العرب علم التحيكم من أجدادهم الذين برعوا فيه، بحكم مصاحبهتم الدائمة لخيولهم، فقد كانوا لا يفارقونها في حلهم وترحالهم. عرفوها كأبنائهم، واكتسبوا الخبرة في هذا المجال، حتى أضحى هذا العلم كتاباً مفتوحاً بين أيديهم، أعدوا لأي سؤال جوابه .. امتدحوا الجميل، وبينوا العيوب، ووثقوا للتاريخ. لذلك؛ فالإهتمام بالخيل العربية يعني الاهتمام بالتاريخ والتراث والأصالة، فالخيل والفروسية أصبحت علماً قائماً بذاته، وما يزال هذا العلم يتطور ويأتي بالجديد، وقد قيل: ” الخيل بحر عباب كم ألف فيه كتاب”.
والجديد المعاصر في علم الفروسية هو نظام التحكيم في عروض ومسابقات جمال الخيل العربية، فهذا النظام يهدف لتكون الخيل العربية جميلة ورائعة. والتحكيم في معناه المجرد هو أن تكون رأياً حول موضوع ما بدقة وعناية، أما في ما يخص الخيل؛ فهو أن يكون الحكم رأياً أو تقديراً حول فرس أو مهر أو حصان يرد منفرداً، أو ضمن مجموعة من الخيل في ميدان العرض.
لا يزال الحصان العربي يشكل وحدة متكاملة من حيث الشكل والجمال، والطاعة وسهولة الأداء، والسلوك النبيل، فهو المفضل في كثير من بلدان العالم، لكن اسهمه اليوم باتت تقل شيئاً فشيئاً، لأن الخيول المولدة الهجينة مثل سلالة الثروبريد البريطانية وغيرها أخذت تزاحمه في السباقات القصيرة، وقفز الحواجز، وبقي دوره المميز في مسابقات الجمال، ومسابقات القدرة والتحمل. ومن هنا جاءت أهمية التحكيم كعلم خاص، وبالتالي الضرورة لوجود المحكمين ومبادئ التحكيم، سواءً جاء التحكيم للحصول على خيول جميل رائعة، أو من أجل توافر خيول عربية عالية الجودة، خالية من العيوب.
يجب أن يتحلى محكم الخيل بثلاث مواصفات: أولها أن يكون على دراية مباشرة بشؤون الخيل، ثانيها أن يكون ملماً بالمعايير الأساسية للتحكيم، وآخرها أن تكون لديه القدرة على تمييز العيوب واكتشافها في الخيل بسرعة. وقد وجد في تاريخ العرب من يفعل ذلك؛ لأن العرب بالأساس هم من أهل البوادي، ومعروف عن أهل البادية أنهم على صلة مباشرة بالحيوان، والحيوان البري بصورة خاصة. قال عمر بن الخطاب لعمر بن معد كرب: كيف معرفتك بالخيل العراب يا عمرو؟ فقال عمرو: معرفة الإنسان بنفسه وأهله وولده.
والعرب تعتمد الحصان العربي النقي الأصل والسلالة، الرائع الجمال، وكذلك الإبل وتقول في الإنسان “عرب وأعراب” وفي الخيل والإبل “عراب” وهي بخلاف البراذين والبخاتي. والمعرب من الخيل الذي ليس في عرقه هجين.
إن العرف بالخيل أو ما يعرف اليوم “بالتحكيم” إرث عربي قديم، نجد أخباره في كتب الأدب والتراث العلمي، فقد ذكر الأصمعي أن ثلاثة من العرب لا يقاربهم أحد في وصف الخيل: أبو داؤود والطفيل والجعدي، فأما أبو داؤود فكان على خيل النعمان بن المنذر، والطفيل كان يركبها وهو أعزل إلى أن كبر، والجعدي سمع أوصافها من أشعار أهلها فأخذها عنهم، وقال أبوعبيدة: إن أبار داؤود أوصف الناس للفرس في الجاهلية والإسلام، وبعده يأتي طفيل الغنوي، والنابغة الجعدي. وقال عمر بن شيبة: ما التقي فرسان في جاهلية ولا إسلام إلا عرفتهما وعرفت فارسيهما. ودراية العرب بالخيل تتعدى حدود الوصف، بل جعلوا في الخيل مفردات ومسميات تتعدى مجال التعداد.
وقد ورد في كتاب عقد الأجياد للجزائري: قال الأصمعي: حضرت أنا وأبوعبيدة عند الرشيد، فقال لي: كم كتابك في الخيل؟ فقلت مجلد واحد، فسأل أبا عبيدة عن كتابه فقال خمسون مجلداً، فقال له الرشيد: قم إلى هذا الفرس وامسك عضواً عضواً منه وسمه، فقال: قم يا أصمعي وافعل ذلك فقمت، وأمسكت ناصيته، وجعلت أذكر عضواً عضواً، وأضع يدي عليه، وأنشد ما قالت العرب فيه إلى حافره، فقال خذه فأخذته.
أما في الإسلام فالمشهور بمعرفة الخيل سلمان بن ربيعة الباهي، في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و”أقيص” في زمان معاوية، ومطر بن دراح في زمان المنصور، عليهم كانت تعرض الخيل وهم من كانوا يعرفونها أو يهجنونها بين أيديهم. ففي بعض الروايات أن سلمان بن ربيعة جاءه عمر بن معدي كرب بفرس كميت فهجنه، فاستعدى عمر وشكاه إليه، فقال سلمان أدع بإناء رحراح قصير الجدر، فدعا به، فصب فيه ماء، ثم أتى بفرس عتيق فمد عنقه وشرب، ثم أتى بفرس عمرو الذي هجن فمد عنقه كما فعل العتيق ثم أثنى أحد السنبكين قليلاً فشرب، فلما رأى ذلك عمر رضي الله عنه قال أنت سلمان الخيل. وسأل معاوية بن أبي سفيان مطر بن دراح فقال له: ” أخبرني أي الخيل أفضل وأوجز. فقال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استدبرته قلت زاخر، وإذا استعرضته قلت زافر، سوطه عنانه، وهواه إمامه”.
مصدر: كتاب “تحكيم الجواد العربي بين الأصالة والجمال” لنضال خضر معيوف
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الأول)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الثاني)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الثالث)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الرابع)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الخامس)
ماشاءالله الله موضوع قيم لكن اي هو هذا العلم اﻵن يعني كيف يستطيع شخص هاوي الدخول والتعلم في مجال التحكيم واين الجامعات العربية من تدريس هذا العلم يوجد في جامعاتنا العربية نخصصات متعلقة بالتربية البدنية ولكن اين هي الجامعة التي تدرس هذا العلم في عالمنا العربي اتمنى من القائمين لى هذه الرياضة ان يسعو ﻻدراج هذا العلم في الجامعات
مرحبا بك دائماً اخي فادي، وحسب علمي؛ فالحكم الذي يعده المجلس الأوربي لمنظمات الخيول العربية أو الإيكاهو ECAHO يعتبر حكماً دولياً بعد أن تتم تزكيته من جمعية الخيول العربية الأصيلة في بلده الأصلي، فبالخبرة والجد والمثابرة ينال كل أحد مراده. وعلى الرغم من أن تحكيم جمال الخيل المعاصر يأتي امتداداً للتحكيم في التراث العلمي عند العرب، إلا أن مشاركة العرب في هذا المجال لا تزال متواضعة جداً، فمن بين المئات من الحكام الدوليين لا نجد سوى القليل من الحكام العرب. واتمنى كما تمنيت؛ أن يتم تدريس هذا العلم في جامعاتنا العربية.
ولك شكري
لا استغرب تقدم الغرب في خيلنا العربيه كما الحال في كل المجالات
واشكر صاحب المقال والمعلقين عليه
المقال جميل ورائع وفتح جروحا لنا يعانيه أهل الخيل والمهتمين بها في اقطارنا العربية.