يستمتع العربي وينشرح صدره عندما يصف الحصان عضواً عضواً، بدون توقف أو تلعثم، بمصطلحات نقلها إليه أجداده، فحفظها وفهمها، حتى أصبح هذا الوصف في يومنا هذا علماً يسمى بالتحكيم، يعود الفضل فيه بعد الله جل في علاه؛ إلى ذاك العربي الذي يقف معتزاً بعلمه الذي طوره، وعمله الذي أتقنه، بجانبه جوادٍ شامخٍ أصيلٍ، ذي رأس صغير وعينين واسعتين … وكثير جداً من جميل الصفات.
هناك بعض المصطلحات العربية لابد من تعريفها حتى تعيننا على الولوج إلى عالم التحكيم، فقد جاء في كتاب عقد الأجياد في صفات الجياد للجزائري أن الخيل على أربعة أقسام: عربي وعجمي ومقرف وبرذون. فالعربي فرس أمه وأبوه متساويان في الأصل، ويسمى العتيق، لعتقه من العيوب، وسلامته من الطعن فيه، والغالب أن يكون متوسط القد، متناسب الأعضاء يعجب كل من يراه. وللجواد العربي الأصيل تعريفات أخرى منها العتيق: وهو الكريم الأصل، الرائع الخلقة، الشديد العدو. والطرف: الفرس الذي يتساوى فيه الكرم وحسن المنظر. ثم الجواد: وهو الفرس الذي يشتمل على كل المواصفات الجيدة.
أما الفرس الهجين فهو الذي أبوه أشرف ” أي أكثر أصالة” من أمه، وجاءت التسمية من الهجنة وهي العيب. وهو أفضل من المقرف. يليه الفرس المقرف: هو الذي أمه أشرف من أبيه، والقرف هو القرب وجاءت التسمية لقربه من الهجين. وأخيراً البرذون وهو الذي استوى أبوه وأمه في الخسة، وهو عظيم الأعضاء بخلاف العربي الذي هو أضمر وأرق أعضاء. ويوصف البرذون بغلظ الرقبة، وكثرة الجلبة. إن أرسلته قال أمسكني، وإن أمسكته قال أرسلني!.
الخيل سميت خيلاً لأنها تختال في مشيتها. أما الحصان فهو الفحل من الخيل، وسمى حصاناً لأنه بمثابة الحصن لفارسه، وربما لأنه يحصن ماء ولا ينزو إلا على كريمه من الخيل. والفرس: واحد الخيل والجمع أفراس، والذكر والأنثى سواء، والأصل التأنيث، وفي رواية أبي داوود والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمى الأنثى من الخيل فرساً.
مراحل عمر الخيل معروفة، ولكن لعموم الفائدة نوردها باختصار: يسمى مهراً عندما تلده الفرس، ثم يصبح فلواً بعد ذلك، وحولياً عندما يتم من عمره سنة، والجذع في الثانية، والثني في الثالثة، ورباع في الرابعة، وقارع في الخامسة حتى نهاية العمر، وقد يشيع اليوم تسمية الفرس بالمهر عندما يكون عمره أقل من ثلاث سنوات.
من مهارة العرب في عرف الخيل أن عروة بن زيد الخيل وفد علي عبدالملك بن مروان وقاد إليه خمساً وعشرون فرساً، ونسب كل واحدة منهن إلى آبائها وأمهاتها، وحلف على كل فرس يميناً غير اليمن التي حلفها على غيرها، فقال عبد الملك: عجبي من اختلاف أيمانه أشد من عجبي من معرفته بأنساب الخيل. المشهورون بمعرفة أنساب الخيول ووصفها في ديار العرب كثر جداً، كذلك الفرسان في ركوب الخيل وقيادتها، لكن من أشهرهم في الفروسية قبل الإسلام عتبة بن الحارث فارس من بني تميم، وهو سم الفرسان، وصياد الفوارس. بالإضافة إلى عامر بن مالك فارس قبيلة قيس، وهو الملقب بملاعب الأسنة.
وعامر بن الطفيل، فقد قالوا في الأمثال أفرس من عامر. ثم يأتي عمروبن معد كرب الزبيدي ” فارس ولا عمرو”. ثم بسطام بن قيس فارس قبيلة بكر.
لعل من أشهر الكفاءات العربية في معرفة الخيل هو الأمير عبدالقادر الجزائري، الذي كان منفياً في دمشق في القرن التاسع عشر، حيث التقى به كثير من الرحالة الغربيين الذين دونوا تراث الخيل العربية من خبرته وكتبه مثل: المواصفات، والسلالات، ومبادئ الفروسية العربية. كما التقى الرحالة بكبار شيوخ القبائل الذين كانوا على دراية بالخيل أمثال: سليمان ابن مرشد شيخ السبعة من عنزة، وأحمد بك شيخ قبيلة الموالي، وابن سمير شيخ ولد علي من عنزة، وابن شعلان شيخ قبيلة الرولة. ولهذا فإن مواصفات ومصطلحات الجواد العربي في كتب التراث العربي، والمواصفات والسلالات التي نقلها الرحالة عن شيوخ البدو العرب هي في الحقيقة الأساس الذي اشتقت منه مبادئ التحكيم المعاصرة.