وَرَدَ ذِكْرُ الخيْل في القرآن الكريم، في سِياق الحديث عن قصة نبي الله سليمان عليه السلام، وقصة حُبِّه للخيْل حُبَّاً ناشئاً عن أمر ربِّه، قال تعالى في سورة ص: »وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ* إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ* فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ* رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ«.
أحوال الخيل
قال الفخر الرّازي رحمه الله: »إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيْل، وأمر بإجرائها، وذكر أنه لا يحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما يحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه، وهو المراد من قوله: »عَنْ ذِكْرِ رَبِّي«، ثم إنه عليه السلام أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب، أي غابت عن بصره، ثم أمر الرائضين بأن يردّوا تلك الخيل إليه، فلما عادت إليه طَفِقَ يمسح سُوقها وأعناقها.
والغرض من ذلك المسح أمور، الأول: تشريفاً لها وإبانةً لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو، والثاني: أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتواضع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه، والثالث: أنه كان أعلم بأحوال الخيْل وأمراضها وعيوبها، فكان يمتحنها ويمسح سُوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض.
وكان عَرْضُ الخيْل على سليمان عليه السلام بالعشي، وهو من حين العصر إلى آخر النهار، لينظر إليها ويقف على كيفية أحوالها، وقد وُصِفَتِ الخيْل بالفضيلة والكمال في حالتي وقوفها وحركتها، أما حال وقوفها فوصفها بالصفون، وأما حال حركتها فوصفها بالجودة، يعني أنها إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها على أحسن الأشكال، فإذا جَرَتْ كانت سراعاً في جريها، فإذا طَلَبَتْ لَحِقت، وإذا طُلِبت لم تلحق.
القسَم بالخيل
أما في الموضع الثاني فأقسم الله تعالى بالخيْل في سورة العاديات تشريفاً لها، ورفعاً لِذِكْرِها، ووصف حركاتها واحدة واحدة منذ أن تبدأ عَدْوها وجَرْيها، ضابحةً بأصواتها المعروفة حين تجري، قارعة للصخر بحوافرها حتى تُورِي الشرر منها، مغيرةً في الصباح الباكر لمفاجأة العدو، مثيرةً للنَّقْع والغبار، غبار المعركة على غير انتظار، وهي تتوسط صفوف الأعداء على غِرَّة فتُوقِع بينهم الفوضى والاضطراب، قال تعالى: »وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا* فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا* فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا* فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا* إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ«.
قال في محاسن التأويل: أقسم تعالى بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها، آتية بالأعمال التي سردها، لينوه بشأنها، ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد، ليُعنو بقنيتها وتدريبها على الكر والفر، وليحملهم أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل والإغارة بها، ليكون كل واحد منهم مستعداً في أي وقت كان، لأن يكون جزءاً من قوة الأمة إذا اضطرت إلى صد عدو، أو بعثها باعث على كسر شوكته، وكان في هذه الآيات القارعات، وفي تخصيص الخيل بالذكر في قوله:
»وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ«، وفيما ورد من الأحاديث التي لا تكاد تحصر، ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون في مقدمة فرسان الأرض مهارة في ركوب الخيل، ويبعث القادرين منهم على قنية الخيل على التنافس في عقائلها، وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقاناً، أفليس من أعجب العجب أن ترى أمماً هذا كتابها قد أهملت شأن الخيل والفروسية.. وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أخرى!
كما وَرَدَ ذِكْرُ الْخيل في القرآن الكريم في سِياق الحديث عن كل ما يَلزم إعداده للجهاد من أدوات، قال تعالى في الآية الستين من سورة الأنفال: »وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ* وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ«.
رِباطُ الخيل: الخيلُ المربوط في سبيل الله، ولا شك أن ربط الخيل من أقوى آلات الجهاد، رُوي أن رجلاً قال لابن سيرين: إن فلاناً أوصى بثلث ماله للحصون، فقال ابن سيرين: يشتري به الخيل فتربط في سبيل الله ويغزى عليها، فقال الرجل: إنما أوصى للحصون، فقال: هي الخيل.
ورباط الخيل فضل عظيم ومنزلة شريفة، فإن من أهم القُوى الحربية مرابطة الفرسان في ثغور البلاد، وقد خَصَّه الله بالذِّكر للحاجة إليه وعدم الاستغناء عنه، حتى في هذا العصر الذي تطورت فيه آلات الحرب ومراكب النقل، قال صلى الله عليه وسلم: »الخيْل معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة، وأهلُها مُعانونَ عليها، والمنفقُ عليها كالباسط يده بالصدقة« حديث صحيح، رواه الطبراني وابن حِبَّان والحاكم.
فرباط الخيل أقوى القوة، وأشد العُدَّة، وحُصون الفرسان، وبها يُجال في الميدان.
وقد استدل بعض العلماء بهذا الآية على جواز وقْف الخيْل والسلاح، واتخاذ الخزائن والخزّان لها عُدَّةً للأعداء.