سلسلة دروس شرح كتاب: (قانون صفات الخيل العربية) للأستاذ: عبد العزيز القرشي – رقم الدرس: 1
لقد وُلد هذا الكتاب من رحم الضعف العلمي العربي المعاصر, في ميدان علم صفات الخيل العربية, ومن رحم الغموض والضبابية والجدل العقيم؛ الذي سيطر على منتديات ومجالس عشاق الخيل العربية ومربيها سنين عددا, حيث تدور فيها المهاترات غير العلمية, وتُتناقل من خلالها الشائعات غير الممحصة, وينقسم الناس إلى طرفين, كل طرف يتمترس خلف آرائه ورغباته, والحجة والبرهان والعلم هي الضحية بين الفريقين.
لقد عشنا -وما نزال- تبعا للغرب في هذا الميدان, نستقبل ما يقولون دون تمييز, ودون مشاركة علمية حقيقة, وكثيرا ما تتحول انطباعاتهم عن الخيل العربية -وأحيانا- أوهامهم إلى حقائق نقتتل عليها, ونتقاطع ونتدابر من أجلها, دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن مصداقيتها. وأنا هنا لا ألوم الغرب كل اللوم, بل إنني أحفظ لهم سابقتهم, وفضلهم الكبير في المحفاظة على الخيل العربية, فلولا جهودهم المشكورة -أيّاً كان دافعها- لم نقف بصور الخيل العربية منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا, ولولا إسهاماتهم العلمية لم نتعرّف على صفات الخيل العربية في القرنين: الثامن والتاسع عشر, لا سيما في العراق والشام وأطراف البادية العربية عند قبائل شمر وعِنزة وما جاورها.
غير أن الاعتراف بهذا الفضل لا يمنعني من الاعتراف بتبعيتنا لهم اليوم, والاعتراف بأننا ما نزال عاجزين عن المشاركة العلمية في هذا الميدان, وعاجزين عن إخراج حكامٍ, ومربين, وعارضين, وبياطرة, وأطباء, من أبناء العرب, ولا يحتاج النهار إلى دليل, فشمس هؤلاء الحكام, والمربين, والعارضين, والبياطرة, والأطباء الأجانب, قد تخللت مرابطنا اليوم, وأصبحنا ننفق على أفكارهم دون أن نسمح لعقولنا بالمشاركة والمزاحمة, حتى أصبحت (عقدة الأجنبي) كما يقال, من العقد المستعصية على الحل.
لقد حان لنا أن نتجاوز هذا التاريخ, فنخرج من ضعفنا العلمي, وجدلنا العقيم القديم الجديد, ونُخرج معنا هذه الأجيال الصاعدة, المحبة بفطرتها النقية للخيل العربية, ونجنبها تلك السنين العجاف من الاصطراع الباهت, وندخلهم إلى سعة العلم ورحمته, ونتحاور وإيّاهم على مائدة المعرفة, التي سيدها البحث العلمي, والدليل, والمنطق, والقول الحسن. نخرجهم من ضيق الخلاف العقيم الذي عشناه بعيدا عن روح العلم, إلى سعة الخلاف العلمي, الذي أخرج للأمة مالك بن أنس, وأبا حنيفة, والشافعي, وأحمد بن حنبل, ذلك الخلاف الفطري الذي أراده الله سنة في عبادة الأولين والآخرين -(ولا يزالون مختلفين)- ليحيا به العلم وتنعم به البشرية. لكنّ الخلاف لا يصبح نعمة إلا إذا استنار بنور الحجة والبرهان, وكان متجردا في طلب الحق من الهوى وأدواء النفوس, وإلا فهو -دون ذلك- جحيم تصلى البشرية ناره.
فمن رحم هذا المخاض -كما أسلفت- خرج هذا الكتاب إلى النور بتوفيق من الله وحده, راجيا به إخراج نفسي المقصرة من دائرة القول إلى دائرة العمل, مؤملاً في إغراء الآخرين بالخروج معي. فكانت الغاية من وراء تأليف هذا الكتاب تحقق أمرين بارزين: الأول منهما تقريب صفات الخيل العربية من أبعد نقطة في تاريخنا العربي المدوّن, لكي تكون مرجعية علمية لمحبي الخيل العربية في كل مكان, وأما الأمر الثاني فيتمثل في اقتراح القانون الذي ينظم هذا العلم, ويميز بين أصوله وفروعه, ويفتح أمامه آفاق التطور والنمو. وقد اقترحت في هذا الكتاب قانونين عامين: أحدهما قانون (الركوب والزينة), وهو ينظم -من وجهة نظري- علم صفات الفصيلة الخيلية على وجه العموم, وثانيهما قانون (العِتْق), وهو يفسر -من وجهة نظري- فلسفة الأصالة عند العرب القدماء, وينظم كذلك علم صفات الخيل العربية على وجه الخصوص.
وقد اعتمدت في هذا الكتاب, على أقدم مدونتين وصلتا إلينا في هذا العلم, وهما: كتاب الخيل لأبي عبيدة (ت 209هـ), وكتاب الخيل للأصمعي (ت 216هـ), واستعرضت -ما استطعت- ما كُتب بعدهما في هذا الميدان إلى عصرنا هذا, وما وصل إلينا من الشعر الجاهلي, وشعر صدر الإسلام. وأعترف بعد ذلك أنِّي لم أحط بهذا العلم, وأنَّى لي ذلك, ولكني أرجو -بجهد المُقل- ما عند الله, وأدعوه وأتضرع إليه أن يمدني بالعون والتوفيق لمواصلة البحث العلمي, خدمةً لهذا العلم الشريف, ولهذا المخلوق الذي كرمه الله فأقسم به, وربط الخير بناصيته إلى يوم الدين. (انتهى الدرس الأول)
🙂
شكرا لمرورك الكريم
شئ مشرف ان نجد بني جلدتنا يخرج من بيننا ليؤكد للعالم الغربي ان هذه خيول اجدادنا والتي وجدناها كجزء من باقي اسرتنا داخل بيوتنا وهي من تراثنا و موروثنا الثقافي و نحن من حفظهنا عن ظهر قلب شعر جدي في وصفها و مدحها …فها نحن من يستطيع و صفها و تقيمها .
سلمت أخي العبد الله
ما هى امكانية ارسال نسخة كاملة للبحث او هذا الكتاب؟ جزاك الله خيرا
أهلا أخي
الكتاب موجد حاليا في جميع فروع المكتبات التالية في المملكة العربية السعودية وخارجها:
مكتبة جرير
مكتبة العبيكان
مكتبة الرشد
جهد عظيم يشكر عليه الباحث…. لكن كيف يمكن لنا الحصول على نسخة من هذا الكتاب؟؟
مرحبا أخي معاذ
الكتاب موجد حاليا في جميع فروع المكتبات التالية في المملكة العربية السعودية وخارجها:
مكتبة جرير
مكتبة العبيكان
مكتبة الرشد
من اين نستطيع شراء الكتاب في مصر ؟؟؟
أهلا أخي محمد..
يمكن طلبه من إحدى المكتبات التي ذكرتها سلفا وهي تحضر في معرض الكتاب القادم في مصر وإذا كان لديك صديق في الرياض يمكن أهديك نسخة من عندي
آه أستاذي الكريم عبد العزيز
ذكرتنا بجروح غائرة في ثقافتنا المعاصرة، ظلمت الخيل كثيرا في عصرنا الحاضر عندما هجاها العرب وأصبحوا تبعا للعجم الذين استحوذوا على دراستها ومعرفتها ووضعوا لها القوانين والموازين، ولكن رغم كل ذلك بقيت تنقصهم الغريزة والفطرة في حب الخيل وهي التي جبل عليها العربي، حتى أنني أستطيع أن أقول أنه من لم يعشق الخيل من العرب فمن المؤكد أن جيناته العربية ليست نقية.
فلو يتسع المكان للحديث لبحت بالكثير الكثير.
أستاذ عبد العزيز
الشوق يقتلنا لاستكمال الدروس فلا تنقطع عنا ولا تبخل علينا بالعلم والمعرفة، وحاول أن تستوفي في الشرح ما لم تضعه في الكتاب، ولتجعل الدروس أطول وأوسع.
وجزاك الله عنا كل خير
أهلا أخي محمد
أشكر لك مرورك وأرجو أن يبارك الله في هذه الدروس وأن تعم بها الفائدة