سلسلة دروس شرح كتاب: (قانون صفات الخيل العربية) للأستاذ: عبد العزيز القرشي – رقم الدرس: 2
لقد قسم أبو عبيدة صفات الخيل العربية في كتابه: (الخيل)، إلى صفات استحباب، وصفات جودة، وصفات عِتْق، وصفات مَعيبة، وأشار إلى أن الهُجنة تأتي من العروق غير الكرام. وقسم الأصمعي صفات الخيل العربية في كتابه: (الخيل)، إلى صفات مستحبة، وصفات مكروهة. ويعود الاختلاف بينهما في التقسيمات -توسعًا واختصارًا- إلى طريقة التأليف التي سلكها كل منهما، فأبو عبيدة بنى كتابه على التفصيل والاستقصاء، والأصمعي بنى كتابه على الاختصار والإيجاز كما بينا ذلك بتوسع في كتاب(قانون صفات الخيل العربية ص٢٣، ٣٠).
لكنّ هذه التقسيمات جاءت ملتبسة وغامضة، حيث لم نتبين من خلالها حدود صفات الاستحباب، وحدود صفات الجودة، وحدود صفات العِتْق، وحدود الصفات المعيبة، وما علاقة هذه الصفات ببعضها؟ وما الأصل منها وما الفرع؟ وما الفرق بين العيب والهُجنة؟ كل هذه السؤالات لم تفصح عنها المدونتين، وبقي جَمْعُ الأصمعي للصفات في قسمين، وتفريق أبي عبيدة لها في أقسام؛ إشكال يحتاج إلى حل بالنسبة لي.
ومن أجل ذلك جاء قانون (الركوب والزينة)، ليحلّ -من وجهة نظري- هذا الإشكال، وهو مستنبط من قول الله تعالى في سورة النحل: (والخيلَ البغالَ والحميرَ لتركبوها وزينةً ويخلق ما لا تعلمون)، فالذي خلق الخيل -جلّ في علاه- خلقها لغايتين كبيرتين هما: الركوب، والزينة. ثم خلق فيها من الصفات ما يقوم بوظائف هاتين الغايتين. ثم ترك للناس في زمانهم تقييد هذه الصفات، وفرزها بناء على تلك الغايتين الكبيرتين: (الركوب، والزينة).
وكان أول فرز -مفترض- قامت به العرب لصفات الخيل العربية؛ هو إلى محمودات ومذمومات، أو مستحبات ومكروهات. فكل صفة تخدم في وظائف الركوب أو الزينة فهي عندهم صفة محمودة أو مستحبة، وكل صفة تقصّر عن وظائف الركوب أو الزينة فهي عندهم صفة مذمومة أو مكروهة، وهذا ما يفسر لنا مجيء غالب صفات الخيل العربية في الشعر الجاهلي مطلقةً في الحمد والذم، ومن أجل ذلك قسم الأصمعي الصفات في كتابه إلى قسمين كما أسلفنا: مستحبات ومكروهات.
ثم كان الفرز الثاني -المفترض- في صفات الخيل العربية؛ هو إلى صفات جودة، وصفات حُسن، وذلك بناء كذلك على قانون (الركوب والزينة)، فما كان من الصفات المستحبة يخدمهم في وظائف الركوب وصفوه بالجودة، وما كان منها يخدمهم في وظائف الزينة وصفوه بالحُسن، وكان ضابط الجودة عندهم هو الشدة وحُسن الأداء في الميدان، وضابط الحُسن هو النظر. غير أن الوصف بالجودة غلب على الوصف بالحُسن في الشعر الجاهلي، وهذا يُعلَّلُ بحاجة العرب في ذلك الزمان، حيث كانت حاجتهم لوظائف الركوب أكثر من حاجتهم لوظائف الزينة، وقد حصل العكس في زماننا هذا بسبب التقدم الصناعي. وبهذا الفرز -من الاستحباب إلى الجودة والحُسن- نفهم لماذا توسع أبو عبيدة في تقسيم الصفات، ولماذا أفرد صفات الجودة تحت قسم مخصوص، وجعل صفات الحُسن ضمن صفات الاستحباب.
غير أن هذا الفرز، لا يعني المفاصلة التامة بين صفات الجودة وصفات الحُسن، بل الأصل هو الاشتراك فيهما، فكل صفة حُسنٍ هي صفة جودةٍ في الغالب؛ لقول ابن هذيل: “الحُسن في جميع أعضاء الفرس مقرونٌ بالجودة”. وهذا لا يعارض وجود الافتراق بينهما، كما قال أبو عبيدة في معرض كلامه عن وصف الكَفَل: “والسَّفَحُ أصدق في الجري، والتربيع أحسن في المنظر”. فالتفريق واقع لا بد منه؛ بسبب دخول العيوب في صفات الخيل العربية، التي نشأ عنها فتح باب المغتفرات في الصفات، وهذا سوف يأتي معنا في أثناء استعراضنا للصفات.
إذن نستطيع القول: إن العرب -أولا- فرزوا صفات الخيل العربية إلى مستحبات ومكروهات بناء على قانون الركوب والزينة. ثم فرزوا -ثانيا- من الصفات المستحبة صفات الحُسن، وصفات الجودة، كذلك بناء على قانون الركوب والزينة. وبهذا المنظور اتسقت لدينا تقسيمات العلماء لصفات الخيل العربية، وعرفنا علاقة الجودة والحُسن بالاستحباب، وحدود كلٍ منها. وبقي أن نعرف حدود العِتْق، وعلاقته بالحُسن والجودة والاستحباب، وحدود الهُجنة وعلاقتها بالعيوب. وهذا هو محور درسنا القادم بإذن الله. (انتهى الدرس الثاني).
ملحوظة:
المقصود هنا عرض الدرس بلغة سهلة ومختصرة دون إثقاله بطريقة المعالجة والاستدلال، ولذلك فالدرس لا يغني عن الكتاب لمن أراد التوسع، علمًا أن الكتاب موجود في جميع فروع المكتبات التالية: جرير، العبيكان، الرشد.
جزاك الله خيرا
أسلوب راقي وطرح علمي ممتاز وخاصة عندما يرتبط بالقرآن
نحن بانتظار المزيد
سلمت يا محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بارك الله فيك اخي العزيز ووفقك وسددك الى الحق والصواب. بإذن الله عندك مايفيدني وقد يكون عندي ما يفيدك فأحتاج للتواصل معك جزاك الله خير الجزاء على ماتقدمه.
أهلا أخي عبد العزيز
يمكنك التواصل معي عبر هذا الرقم:
٠٥٤٢٤٥٦٩١٩
ماشاء الله