في دراسة أجريت مؤخرا؛ قال باحثون إن العلماء استعانوا بالتحليل الجينومي للتعرف على التغيرات التي طرأت على المادة الوراثية والتي ساعدت في تحول أنواع الخيول التي عاشت في حقبة ما قبل التاريخ – مثل تلك المنقوشة على جدران الكهوف البدائية – الى السلالات الحديثة المستأنسة.
وطالما ظل اللغز الخاص بفهم التغيرات الوراثية المقترنة بترويض الخيول – والتي أرجعتها بحوث سابقة الى سهول الاستبس التي اكتسحتها الرياح بمنطقة أوراسيا منذ 5500 عام – في صدارة اهتمامات علماء وراثة النشوء والارتقاء نظرا للدور المهم الذي لعبته جهود ترويض الخيول البرية في نشوء الحضارات.
ومنذ ان تمكن التجار والجنود والمستكشفون من ركوب الخيول بديلا عن السير فقد أحدث ذلك ثورة في ميادين التجارة والحروب وتنقل البشر، ناهيك عن نقل الأفكار، كما أتاح ايضا قيام امبراطوريات مترامية الاطراف بحجم القارات على غرار دولة الفرس.
وبينت الدراسة التي اوردتها دورية الأكاديمية القومية للعلوم إنه أمكن تحقيق ذلك من خلال 125 جينا في الخيول.
وقال لودوفيتش أورلاندو عالم الوراثة بمتحف التاريخ الطبيعي في الدنمرك الذي أشرف على الدراسة إنه نظرا لما تتمتع به الخيول من صفات مرغوبة منها قوة عضلاتها ومتانة هيكلها العظمي وتوازنها وتوافقها الحركي وقدرة القلب على بذل الجهد، فقد حبذها قدامى المربين وروضوها وكانت النتيجة تربية أجيال من الخيول تصلح لجر المركبات والمحاريث وسباقات الفروسية.
وجرت ايضا عمليات انتخاب للجينات النشطة بالمخ، فيما توافرت في الخيول المستأنسة متغيرات جينية مرتبطة بالسلوك الاجتماعي للحيوان والقدرة على التعلم والاستجابة لعوامل الخوف والملاءمة الوظيفية.
وقد طال انتظار اكتشاف الأساس الجيني لاستئناس الخيول، لان الأسلاف البرية للسلالات العتيقة منها لم يكتب لها البقاء. ومن خلال مضاهاة الأنواع المستأنسة بأقاربها التي تعيش في البرية تمكن العلماء من استنتاج كيف تسنى استئناس واستزراع كائنات حية أخرى مختلفة تماما عن الخيول مثل الأرز والبندورة (الطماطم) وأيضا الكلاب.
ومع عدم توافر سلالات حقيقية من الخيول البرية قام فريق أورلاندو بفحص الحمض النووي الريبوزي (دي ان ايه) المستخلص من عظام 29 من الخيول التي اكتشفت في مناطق جليدية بسيبيريا يرجع عهدها الى فترة تتراوح بين 16 ألف عام الى 43 ألفا وقارنوها بالحمض النووي الخاص بخمس سلالات من الخيول المستأنسة الحديثة.
وبالمقارنة بالسلالات العتيقة غابت تماما بعض الجينات من خلايا بعض الخيول الحديثة مما يوضح انها نشأت من طفرات مستحدثة. ومن بين هذه الجينات ذاك المسؤول عن السرعة في المسافات القصيرة.
وقال علماء وراثة لم يشاركوا في هذه الدراسة إن تحليل الحمض النووي للخيول خلال فترات قريبة من الاستئناس – بدلا من عصور تصل الى آلاف السنين- ربما يوضح بصورة أكثر جلاء ماهية التغيرات الجينية التي طرأت خلال فترة الترويض.
وقال آرني لودفيج من معهد لايبنيتس لأبحاث الحياة البرية وحدائق الحيوان في برلين “إن مقارنة الجينوم القديم بالجينوم الحديث أمر مضلل”.