سلسلة دروس شرح كتاب: (قانون صفات الخيل العربية) للأستاذ: عبد العزيز القرشي
رقم الدرس: ٥
بعد أن تناولنا في الدروس السابقة قانون (الركوب والزينة)، وقانون (العِتْق)، وعرفنا علاقتهما بدائرة الأصالة ودائرة الكمال في صفات الخيل العربية، يحسُن أن نفصح عن الضوابط، والمصطلحات، والتقسيمات، التي سوف نعيد بناء عليها فرز صفات الخيل العربية التي أسسها القدماء. وقبل أن نستعرض هذه الضوابط والمصطلحات والتقسيمات، نلفت النظر إلى أصلٍ أشرنا له في الدرس الثاني من سلسلة هذه الدروس؛ وهو أن الأصل في صفات الخيل العربية الاشتراك، فصفة الحُسن هي صفة الجودة، والعكس صحيح غالبا، ثم لمَّا كان العيب والنقص أحد لوازم المخلوقات، ودخلا على صفات الخيل العربية أَخْلَفا اضطراد هذا الأصل، فظهرت بعض صفات الجودة التي تخدم في وظائف الركوب، ولا تخدم في وظائف الزينة كما مرَّ معنا سلفا في (السَّفَح/ والتَّرْبيع) في صفة الكفل، فالسفح أصدق في الجري، والتربيع أحسن في المنظر. ووجود النقص أو العيب في صفات الخيل العربية؛ هو أوسع طريق فتح باب المُغتفرات في الصفات، فأصبحت الصفة المعيبة أو الناقصة تحملها الصفات الكاملة وتسد نقصها كما سيأتي معنا، وأصبحنا في حاجة إلى معرفة الصفة الناقصة أو المعيبة التي يمكن اغتفارها بصفات مساندة، والصفة الناقصة أو المعيبة التي لا يمكن اغتفارها بصفات مساندة. هذا من وجه، ومن وجه آخر أصبحنا في حاجة إلى التفريق بين الصفة التي تخدم في وظائف الركوب ولا تخدم في وظائف الزينة، والعكس كذلك، لا سيما أن وظائف الركوب تختلف كثيرا في زماننا عن وظائف الزينة، وكلنا نتمنى أن نملك فرسا كاملا يقوم بوظائف الركوب والزينة على السواء، لكنّ هذا شبيه بالمحال، ولذلك فإن التفريق بين الوظيفتين أمر لازم في حقنا كما لزم من سبقنا. ومن أجل هذه الاعتبارات السابقة فإنني أُقدِّم بين يدي التقسيم الذي أقترحه لصفات الخيل العربية -المبني أساسا على تقسيمات القدماء- هذه الضوابط والمصطلحات والتقسيمات:
أولا: الضوابط:
1- أن يكون قانون الركوب والزينة، وقانون العِتق، هما المساحة الثابتة التي نحتكم إليها في التعامل مع ما أُنجز في صفات الخيل العربية قديما وحديثا. وهنا يُحسن التفريق بين القانون وبين تطبيقه. فوجود القانون كنظرية, ووجوب التحاكم إلية من المساحات الثابتة, وتطبيقه وتنزيله على الواقع من المساحات المتحركة, التي تخضع للاجتهاد, وتتأثر بتغير الزمان والمكان.
2- الاعتماد على ما نص عليه العلماء في صفات الخيل العربية, من أحكام, وضوابط, وتعليلات, ما لم يتعارض ذلك مع قانون الركوب والزينة, أو قانون العِتْق.
3- مراعاة مسألة الاغتفار في الصفات, التي ذكر أبو عبيدة طرفا منها, حيث قال: “ويغتفر قصر وظيفي الرجلين إذا جاد ما فوقهما, فعَرُضت ساقاه, وعَظُمت فخذاه…”. وهي تعود في تقديري إلى المثل المشهور عند العرب: (الخيل تجري على مساويها). قال ابن حمدون: “أي: وإن كان بها أوصابٌ وعيوب”.
4- مراعاة مسألة الاختلاف في بعض الصفات بين الفرس الذكر, والفرس الأنثى, التي ذكر أبو عبيدة طرفا منها حيث قال: “كل شيء يُستحب للجودة في الأنثى يُستحب للذكر إلاَّ طول الصيام, وقلة الرُّبُوض, وقلة لحم اللَّهْزَمة…”.
5- أنّ فرز الصفات إلى صفة حُسن, أو صفة جودة, أو صفة مشتركة بينهما؛ يعتمد -كثيرا- على التغليب, فإذا كانت الصفة تتعلق بوظائف الركوب, فهي أقرب إلى صفات الجودة, وإذا كانت الصفة تتعلق بوظائف الزينة فهي أقرب إلى صفات الحُسن, وما غلب عليها الاشتراك بينهما فهي أقرب إلى القسم المشترك.
6- أنّ الحكم على الصفة بالجودة أو الحُسن يمر بمرحلتين, الثانية منهما حاكمة على الأولى: فأما الأولى فهي من خلال الشكل الخارجي للعضو, فإذا صحّت صفة العضو من الخارج نستطيع أن نحكم بجودة أو بحُسنه؛ لأن صحة الظاهر -في الغالب- تدل على صحة الباطن. وأما الثانية فهي من خلال اختبار الأداء في الميدان, ويدخل في هذا جميع صفات الجودة, وبعض صفات الحُسن المتعلقة بحركة الزينة. أمّا كون الثانية منهما حاكمة على الأولى؛ فلأن الصفة قد تصح في الظاهر ويعرض لها من الأسباب الخفية ما يُخلف فيها الحَدْس, وقد أشار أبو عبيدة إلى هذا المعنى بقوله: “وإذا تَفَرَّست في فرس فلا تعجلن بالمقالة حتى تنظر إليه في حالاته كلها…فأن من الخيل ما يكون قائما حَسَن العظام, فإذا أعْنَق تغيرت عظامه عن حالها التي كانت عليها وهو قائم, وزالت عن مواضعها وما جت, وذلك من رخاوة مُرَكَّبها. وقد يكون الفرس حسنا مُعْنقاً, فإذا قَرَّبَ تغير عن حاله مُعْنقا, ومنها ما يكون مُقَرِّبا حَسناً, فإذا أَحْضر تغير عن حاله مُقَرِّبا, فإن تم عندك على ما وصفت لك من هيئة في عظامه, وتقريبه, وحضره؛ فهو الجواد الأفق”.
7- أنّ صفة الحُسن تتعلق -في الحكم عليها- باستحسان الناس في زمانهم, والاستحسان مرتبط بالذوق, ودائرة الأذواق -في الجملة- تختلف باختلاف الزمان والمكان. وهنا يجب أن يخضع الاستحسان في صفات الخيل العربية إلى قانون العِتْق؛ لأن قانون العِتْق هو المساحة الثابتة في هذه الدائرة لحفظ الأصالة, وما سوى ذلك فهو من المساحات المتحركة, التي يسع الاختلاف فيها -عندي- حتى مع العرب, ما لم يخرج ذلك عن حدود قانون الركوب والزينة.
8- مراعاة أن الصفات تتفاوت في ذواتها إلى درجات, فبين درجة الكمال, ودرجة العيب أو الهُجنة في الصفة الواحدة؛ درجات متفاوتة يختلف الناس في تقديرها.
9- مراعاة النِّسْبة والتناسب بين الحجم الكلي للفرس, وحجم العضو الواحد, فيكون الحكم على العضو -طولا وقصرا ودقة وعبالة وغير ذلك…- مرتبطا بالحجم الكلي للفرس.
ثانيا: المصطلحات والتقسيمات:
1- انطلاقا من قانون الركوب والزينة, جعلتُ وظائف الفرس نوعين: وظائف ركوب, ووظائف زينه. والضابط في وظائف الركوب, هي تلك الوظائف التي تحتاج في انجازها -غالبا- إلى مجهود بدني كبير. مثل: سباق السرعة, وسباق القُدرة والتحمل, وسباق القفز. والضابط في وظائف الزينة, هي تلك الوظائف التي لا تحتاج في إنجازها -غالبا- إلى مجهود بدني كبير. مثل: عروض الجمال, وما في حكمها.
2- انطلاقا من وظائف الركوب ووظائف الزينة, جعلت الخيل نوعين: فرس ركوب, وفرس زينة. والضابط في فرس الركوب: هو كل فرس عربي يغلب الانتفاع به في وظائف الركوب. والضابط في فرس الزينة: هو كل فرس عربي يغلب الانتفاع به في وظائف الزينة.
3- انطلاقا من أنّ حركة الفرس قد أصبحت -عند الناس اليوم- من الوظائف المشتركة بين الركوب والزينة؛ قسمت الحركة إلى نوعين: حركة ركوب, وحركة زينة. ويشترط في حركة الركوب ما يشترط في وظائف الركوب, ويشترط في حركة الزينة ما يشترط في وظائف الزينة.
4- انطلاقا من أصل الاشتراك بين صفات الجودة وصفات الحُسن, أفردت الصفات المشتركة بقسم مخصوص. فأصبحت صفات الاستحباب ثلاثة أقسام: صفات حُسن, وصفات جودة, وصفات مشتركة بينهما.
5- انطلاقا من أن أصل صفات العِتْق هي إما صفات حُسن, أو وصفات جودة, أو صفات مشتركة بينهما؛ أبقيت صفات العتق في الأقسام الثلاثة, وأشرت إليها في تلك المواضع.
6- انطلاقا من أنّ الهُجنة -من حيث العموم- تدخل في عيوب الخيل العربية؛ قسمت العيوب إلى قسمين: عيوب مؤثرة في نوع الجنس العربي, ويدخل تحت هذا القسم صفات الهجنة, وعيوب مؤثرة في داخل نوع الجنس العربي, ويدخل تحت هذا القسم, العيوب الخَلْيقة, والعيوب الحادثة.
7- انطلاقا من أنّ مدونة الأصمعي جاءت مبنية -من حيث الأصل- على الاختصار, وأنه أدرج المحمودات من صفات الخيل العربية تحت قسم المستحبات, وأدرج المذمومات تحت قسم المكروهات, وجمع في القسم الأول بين صفات الحُسن والجودة والعِتْق -دون تصريح- وأدخل في القسم الثاني بعض صفات الهُجنة, كذلك دون تصريح —انطلاقا من هذا, سوف أقيد عموم الأصمعي بما يرد عند أبي عبيدة, أو عند غيره من العلماء من خصوص.
8- انطلاقا من أصل مسألة الاغتفار سوف أقترح هذه القاعدة وأعتمد عليها: (كل ما لا يؤثر في حُسن العضو, أو حركة الزينة, أو شخصية الفرس, أو تناسق شكله العام؛ فهو مُغْتَفر في فرس الزينة). (وكل ما لا يؤثر في قوة العضو, أو في قوة مجموع الأعضاء, أو في قوة نَفْس الفرس, أو في حركة الركوب؛ فهو مغتفر في فرس الركوب).
وبناء على ما تقدم من ضوابط ومصطلحات وتقسيمات؛ سوف أُعيد فرز صفات الخيل العربية في جدولين:
أ- الصفات المحمودة: ١/ الصفة. ٢/تصنيفها. ٣/علاقتها بالعِتْق. ٤/علاقتها بالاغتفار.
ب- الصفات المذمومة: ١/العيب. ٢/تصنيفه. ٣/علاقته بوظائف الركوب والزينة. ٤/نوع تأثيره. ٥/علاقته بالاغتفار.
ملحوظة:
المقصود هنا عرض الدرس بلغة سهلة ومختصرة دون إثقاله بطريقة المعالجة والاستدلال، ولذلك فالدرس لا يُغني عن الكتاب لمن أراد التوسع، علمًا أن الكتاب موجود في جميع فروع المكتبات التالية: جرير، العبيكان، الرشد.
بارك الله بك أستاذ عبد العزيز
ما أحوجنا الى ما تكتب
وأخيرا حصلت على نسخة من الكتاب من المدينة المنورة ويا له من كتاب نافع جامع وبدأت بقراءته …
ونحن مستمرون معك في الدروس
ما شاء الله مباااارك
تقبل الله زيارتكم وطاعتكم
الله يجزاك خير يابو عبيد الله على المجهود
وفاتني شرح كتاب قانون صفات الخيل عندما اتيت الى الرياض وذلك بعد تلقي الدعوه من الحد الزملاء
لكن ان شاءالله تجي للشرقية تصيف ( ترطب ) ومنتواجة