“لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ,, ولكان لو علم الكلام مكلمي” … كلمات بليغات رددها عنترة بن شداد في لحظات لم يكن له فيها صاحب؛ إلا حصانه. دلت على مدى حساسية هذه الكائنات، وعلاقتها القوية بفارسها، وأن لها لغة تواصل راقية مع الإنسان، ومع بعضها البعض، ميزتها عن باقي المخلوقات، وحببتها للفرسان.
كثيرة هي أشكال السلوك والتواصل عند الخيل، فإذا ما بدأنا بالرائحة؛ فسنجدها من أهم هذه الاشكال، فمن خلالها يتعرف المهر بالغريزة على أمه، وتتعرف مجموعة القطيع بعضها على بعض برائحتها المشتركة. كما تعد الرائحة التي تطلقها الفرس أثناء الدورة النزوية، رسالة واضحة للفحل بأنها مستعدة للتزاوج، أما إذا كانت الفرس غير راغبة في الاتصال بالفحل، فإنها تعبر كذلك عن هذا الرفض بإظهار أسنانها بما يعرف بالتكشير، ومحاولة العض ورفس الفحل، وأحيانا تعبر الفرس عن استيائها وعدم رغبتها صوتيا عبر صرخات طويلة حادة.
وعلى ذكر الصوت؛ فإن الخيول تتصل مع بعضها البعض صوتيا بعدة أشكال، كالصراخ الحاد الذي ذكرناه آنفا، والذي غالبا ما يرتبط بحالات الغضب والهياج. وهناك الصهيل، نتيجة رؤيتها أو شمها لشيء اثار اهتمامها. والخيول تصهل بصوت منخفض عندما تفارق رفاقها، أو عندما تتم إثارتها. كما تخاطب الفرس وليدها بصهيل ناعم لطمأنته، وتصدر الخيول بجنسيها هذا الصوت أيضا عند انتظار الطعام. وأحيانا تلجأ بعض الخيول إلى الصهيل بصوت عالٍ إذا تأخر الطعام.
هناك ظاهرة تسمى بـ(الفلمين) أو عقص الشفة، وهي عبارة عن التقوس الخلفي للشفة، حيث تتعرف الأفحل على بدء الدورة النزوية لأفراسها من خلال شم الفرج والبول، وقد يتضمن ذلك عقص الشفة. إلا أن هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على حالات الإثارة الجنسية، ولا تقتصر على الأفحل وحدها، فقد تحدث للجنسين نتيجة لاستفزاز قوي لرائحة أو مذاق غير معتاد، كرائحة الثوم أو الخل.
الأذنان لهما لغة خاصة بهما، فحركتهما تشير بوضوح إلى الحالة النفسية للجواد وتفكيره ونواياه المحتملة. فأذنا الجواد ترسل علامات واضحة لمن حولها، وذلك لقدرتها الكبيرة على الحركة، كما يمكن للأذنين أن الاستدارة دورة كاملة حسب رغبة الجواد، ويتحكم في حركتها مجموعة من العضلات. ووضع الأذن يحدد الحالة النفسية والذهنية للجواد، وعلى سبيل المثال:
- – فعندما تنتصب الأذنان بقوة مع الميل إلى الأمام، فهذا تعبير عن رغبة قوية في شيء ما، ويتزامن مع ضعف في الاهتمام بالفارس.
- – وعندما يكون الجواد كسولاً، يرمي بأذنيه ويتركهما متهدلتين إلى أسفل. أما عندما تنتصب الأذنان بشدة إلى الخلف، فهذا إنذار ينم عن الغضب أو العصبية أو العدوان.
- – وإذا أغلقت إحدى الأذنين أو تحركت إلى جنب، فهذا يعني أن الجواد سمع صوت دبور أو حشرة طائرة.
- – والأذنان المرتعشتان المتحركتان تعكسان انتباه الجواد واهتمامه الشديد بفارسه.
- – وعندما ترجع الأذنان إلى الخلف ففي ذلك دليل على توتر حاد وعصبية أو ألم، ويرتبط هذا الإحساس عادة ببياض في العينين. أما نفس الوضعية مع تحريك قوي للذيل والدوس بالقدمين يعبر بها عن عدم الارتياح، أو القلق.
وبالكلام عن الذيل؛ فإن حركة الذيل تعد شكلا من أشكال التواصل أيضا. فالحركة الخفيفة للذيل ربما لطرد الحشرات أو بسبب حكة، أما الحركة القوية ربما تشير إلى الألم أو الغضب، والذيل المطوي تجاه الجسد يشير إلى عدم الراحة نتيجة للبرد، وفي بعض الحالات بسبب الألم، وقد تعبر الخيل العربية عن الإثارة والانتشاء برفع ذيلها (الشليل).
الخيول لا تستخدم افواهها للتواصل بالدرجة التي تستخدم فيها آذانها وذيولها، ولكن القليل من حركات الفم تحمل معان معينة أبعد من مجرد تناول الطعام، فالأسنان المكشوفة بشكل كامل تشير إلى سلوك عدواني، بالإضافة إلى استطالة العنق وطقطقة الأسنان. كما تقوم الخيول بمحاكاة عملية المضغ بدون الطعام وهي آلية تساعدها ربما على تصريف التوتر, بالرغم من أن بعض الخيول المدربة تقوم بعمل ذلك على سبيل التعبير عن الخضوع. والخيول المسترخية جدا ربما يلاحظ فيها تدلي الشفاه والفك الأسفل بشكل واضح.
وإذا ما تحدثنا عن لغة التواصل بين الخيل والإنسان؛ فالخيول بشدة إحساسها لها المقدرة على التعرف على حالة الإنسان النفسية من خلال الرائحة التي يفرزها في الحالات المختلفة، حيث ينعكس إحساس الإنسان على الحصان ليجعله سريع الفهم والإدراك، أو مضطربا أو غاضبا… وهكذا. ويعتمد هذا الأمر على طبع الجواد ومدى ارتباطه بالشخص الذي معه، ومدى انقياده له. والخيول تحس بمزاج راكبها وتتصرف وفقا لذلك. ويسعى الإنسان إلى كسب ود الجواد بلمسه بلطف. وأحيانا تشتكي الخيول بما أصابها لصاحبها بلغة خاصة، يفهمها الفارس، وهذا ما جعل عنترة ينشد في حصانه قائلا:
فَـازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القَنا بِلِبانِـهِ وشَـكَا إِلَىَّ بِعَبْـرَةٍ وَتَحَمْحُـمِ
من السهولة بمكان أن نفهم أن الجواد في حالة استرخاء تام، ذلك إذا رأيناه جالسا وحوافر قوائمه الخلفية مستريحة على الأرض، مطرقا برأسه إلى أسفل، أذناه مائلتان إلى الوراء قليلاً، شفته السفلى متدلية، وعيناه شبه مغلقتين. وبالمقابل فإن حالة القلق والاضطراب والغضب سهلة التفسير أيضا؛ فعندما تدير الخيول ظهرها للإنسان الذي يدخل مسكنها توجه بذلك رسالة تحذير واضحة. أما ضرب الأرض بحوافر الأطراف الخلفية، وهز الرأس والذيل فهذه علامات واضحة تدل على القلق وعدم الراحة.
معلومات مفيده وحصر قيم لموضوع واسع ومتشعب
شكراً لكم