الحُجة بمعناها اللغوي تعني البرهان، وكل ما يحتج به عند التخاصم. أما حجة خيلنا العربية فهي شهادة النسب التي تحرر للدلالة على أصل ومنشأ الفرس. والريادة في هذا الأمر تعود للعرب، وبخاصة البدو، غير أنهم يقومون بكسر حرف الحاء عند النطق، كما أنهم ينسبون الحصان لأمه كتقليد وراثي، بغض النظر عن نوعية سلالة أبيه، وقد أخذ الغربيون عن العرب تدوين حجة وأنساب الخيول.
ورد في مصادر بعض الرحالة أن الحصان العربي لا يسأل عن أصله ضمن ديار القبيلة، لأن سلالته تكون معروفة عند الجميع، وكأن شهرته تكون من شهرة وأصل مالكيه، وعند البيع أو نقل الخيول إلى قبيلة أخرى، أو عندما تؤسر في الحرب، فلابد من أن تحرر لها شهادات نسب تعرف في البادية بالحجة. وقد تبقى الحجة مكتوبة ومحفوظة بمحفظة جلدية تعلق في عنق الفرس للدلالة على الأصل في كل وقت.
إن كتابة وتدوين الحجة يعد تقليداً تراثياً رائعاً في ديار العرب، حيث يجب أن يبدأ بسم الله تعالى، مع كتابة حديث شريف أو أبيات من الشعر أو حكمة عربية، مع قسم بالله وبالشرف، وتغليظ الأيمان على صدق الحجة، ثم يحدد السعر، واسم المربط أو السلالة، واسم المالك والمشتري، وتمهر الحجة بأختام شيوخ القبيلة واحدا بعد الآخر.
وثقت بعضا من نماذج الحجج في كتب الرحالة، فعلى سبيل المثال؛ هناك حجة دونها الرحالة (أبيتون) البريطاني على لسان الشيخ سليمان ابن مرشد، لأحد الخيول ومهرها بخاتمه، وحجة أخرى دونها الرحالة الألماني كارل شوان “رضوان الرويلي” للجواد العربي الذي أخذه هدية من الشيخ مشعل الفارس الجربا.
من النوادر التي يرويها الرحال الغربيون في البادية العربية، أن نسب الفرس العربية لا يكتم ولا يحجب حتى عن الاعداء، وإذا ما سقط فارس عن جواده في ساحة المعركة، فإن آخر ما يتكلم به هو الحديث عن نسب فرسه، ويتمنى أن تحظى بالعناية اللازمة عند مالكيها الجدد!. وهذا ما أكده الرحالة والباحث البريطاني “هنري ليارد” بأنه مر عام 1850م على قبيلة طيء في الجزيرة العربية، فوجدهم في شغل شاغل بسبب هزيمتهم في معركة أمام قبيلة شمر، وخسارتهم لأربعين فرسا. جلس شيخ القبيلة وسط أصحابه منشغل البال، عابس الوجه، من جراء النكبة التي ألمت بهم، وكان من بين الحاضرين رسول من قبيلة شمر التي هزمتهم، ملتفاً بثياب رثة، يرقب دون اكتراث معرفة نسب الخيول التي أسرت. يقول ليارد: ” إن من لم يكن على علم بعادات وتقاليد الفروسية العربية، يرى في ذلك ضربا من السخافة والاستهتار، ولكن هذا السفير الخصم يتمتع بحصانة مطلقة بسبب الخيل”.
هناك حجة نادرة مصدرها كتاب: “النبيل في الصحراء .. أو الخيول العربية عند البدو” The Arab Horse of Bedouins Nobility of the Desert ويعتقد أن هذه الحجة هي من أرشيف كارل شوان الزاخر بالنوادر عن البادية العربية، وعندما ترجمة محتويات الحجة، وجد أن عمرها يزيد عن مائة عام، وقد كانت محررة لجواد عربي من سلالة (وذنان الأخرس) اشتراه رجل من العقيل في القصيم، من بدو السويلمات من العمارات من عنزة، وفي الحجة كامل المعلومات المعهودة، ممهورة بأختام مجموعة من الصقور لسويلمات تقول الحجة: ” نحن المحررة أسماؤنا وختومنا، إننا شيوخ السويلمات في عشائر عنزة وكبار السويلمات، نشهد بالله ومحمد بن عبد الله، نشهد شهادة صحيحة من دون جبرانه بخصوص حصان معاشي الحشاي السويلمي، وهو الحصان (الحمر) الذي قصته هلال، إنه بالحظ والبخت أن أمه (وذنه خرسان)، وأبوه (كحيلان أبو جنوب) معلوم الرسن والأصل، حسان يشبا، وذلك في علمنا. وبموجب اطلاعنا أنه صار ثمنه على حظ العقيلي، في خمسمائة وخمسين غازي (عملة عثمانية) وبموجب علمنا وخبرنا هذا الاستشهاد وما شهدنا إلا بما علمنا، والله خير الشاهدين. حرر وجرى في غرة صفر سنة 1302هـ، شهد بذلك، شقير بن جليدان من كبار السويلمات، فرحان الموط من كبار السويلمات، الشيخ مشعان بن بكر، محمد بن مرزوق شيخ الصقور، جهيم مطلق الديدب، عن إقرار البايع معاشي الحاشي السويلمي الزوين من كبار الصقور، عامش بن ظلعان شيخ الدهمان من الصقور، راغب بن موجف شيخ الصقور، حجر الغرو شيخ الحماطرة من السويلمات”.
تعد خيول العمارات من الخيول المشهورة في البادية العربية، فقد قصدها أكثر من رحالة للتعرف على مميزاتها، ولفرسان قبيلة العمارات خبرة عظيمة في تربية الخيول وقيادتها في الحرب، فمشعان بن بكر المذكور فارس مشهور، ومطلق الديدب عقيد حرب يطلق عليه السويلمات مزوج العزبان؛ لأنه في الحرب كان لا يأخذ سهماً من غنيمة المحارب العازب، ولا ممن فقد فرسه في الحرب.
وقد نقل هذا التقليد التراثي الرحالة الغربيون إلى بلادهم، فأخذوا يدونون اسم الحصان، ويتتبعون أجداده حتى الجد السادس، ويصدرون كتباً سنوية تعرف بسجلات أنساب الخيول العربية الأصيلة، فصدرت سجلات لأنساب الخيول العربية في كل من بريطانيا وأمريكا وألمانيا، كما أن هناك سجلات معاصرة في بعض البلدان العربية؛ كالمملكة العربية السعودية وقطر وسورية ومصر، معترف بها من قبل الاتحاد الدولي للفروسية.