تناقلت الكتب والألسن منذ القدم كثيرا من الطرائف المتعلقة بالخيل، وقد كانت قصصا قصيرة وخفيفة على الأنفس، دارت مواضيعها حول الخيل العربية. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الدواب المحبوبة كانت حاضرة في الأذهان في كل الأوقات؛ في أوقات الجد، وفي أوقات المرح. فكما أثبتت جدارتها في ميادين الحروب قديما، شجاعة وثباتا وجرأة؛ فقد اتخذت لها مكانا للتسلية بين القصص والروايات..
وروايتنا الأولى تقول إن ملكاً قال لصاحب خيله: قدم لي الفرس الأبيض، فقال له وزيره: أيها الملك؛ لا تقل الفرس الأبيض، فإنه عيب يخل بهيبة الملك، ولكن قل الفرس الأشهب، فلما حضر الطعام قال لصاحب السماط: قدم الصحن الأشهب، فقال له الوزير: قل ما شئت فما لي حيلة في تقويم لسانك!.
وهذه قصة أخرى على لسان محمد أبو شبيب غلام النظام، حيث قال: دخلت إلى دار الأمير بالبصرة، وأرسلت فرسي فأخذه صبي ليلعب عليه، فقلت له دعه، فقال: إني أحفظه لك، فقلت له: إني لا أريد حفظه: فقال: إذن يضيع، قلت لا أبالي بضياعه، فقال: إن كنت لا تبالي بضياعه فهبه لي، فانقطعت من كلامه.
وبطل قصتنا هذه؛ رجل يدعى الأسعد القرقرة، وهو من أهل هجر وقد كان يضحك النعمان. وقد كان للنعمان فرس يسمى (اليحموم) وكان يردي من ركبه، فقال النعمان للأسعد اركبه واطلب عليه الوحش، فامتنع الأسعد، فألزمه النعمان على ذلك، فلما ركبه نظر إلى بعض ولده، وقال: بأبي وجوه اليتامى!، فضحك النعمان وأعفاه.
وحكي أن ملكا استعرض جنده، فتقدم إليه رجل على فرس أعرج، فأمر بإسقاطه فضحك الرجل، فاستعظم ضحكه في ذلك المقام، فقال له: ما أضحكك وقد أسقطتك، قال: أتعجب منك تحتك آلة الهرب وتحتي آلة الثبات ثم تسقطني، فأعجب بقوله وأثابه.
وهذه كلمات معدودة، لكنها ممتلئة فكاهة؛ فقد أجريت الخيل للسباق في أحد الاماكن، فسبق منها فرس، فجعل رجل من الحاضرين يكر ويثب من الفرح، فقيل له: أكان الفرس لك قال: لا، ولكن اللجام لي!.
وكان لعجل بن نجيم فرس جواد فقيل له: إن لكل جواد اسماً فما اسم فرسك؟ فقال: لم أسمه بعد، فقيل له: سمه. ففقأ إحدى عينيه وقال: سميته الأعور، فقيل فيه:
رمتني بنو عجل بداء أبيهم وهل أحد في الناس أحمق من عجل
أليس أبوهم عار عين جواده فصارت به الأمثال تضرب بالجهل
عار عينه: أي فقأها.
وذكر أن أبو حامد الحسين بن شعيب حين كبا به فرسه فحصل في أسر العدو، أنه قال:
وكنت أعد طرفي للرزايا يخلصني إذا جعلت تحوم
فأصبح للعدى عوناً لأني أطلت أعنانه فأنا الظلوم
وكم دامت مسراتي عليه وهل شيء على الدنيا يدوم.
وروي أن عمرو بن الليث، عرض عليه عسكره، فمر به رجل على فرس أعجف فقال: لعن الله هؤلاء يأخذون المال ويسمنون به أكفال نسائهم فقال له: أيها الأمير لو نظرت إلى كفل امرأتي لرأيته أهزل من كفل دابتي فضحك وأمر له بمال، وقال: خذه وسمن به كفل امرأتك ودابتك.
وهذه رواية مفادها أن رجلاً كان له فرس يسمى (الأبيلق) وكان يجريه فرداً ليس معه غيره، وكل ما مر به طائر أجراه معه، فأعجبه ما رأى من سرعة جريه، فنادي قومه وقال: إني أردت أن أراهن على فرسي هذا فأيكم يرسل معه فرسه، فقيل له إن الحلبة غداً، فقال إني لا أرسله إلا في خطر. فراهنوه على ذلك. فلما كان الغد أرسله فسبق، فقال لكل مجرى نجلاء سابق.
أما روايتنا الأخيرة؛ فتبين فضل الخيل على باقي الفصيلة الخيلية، فقد قال شبيب بن شيبة: لقيت خالد بن صفوان على حمار فقلت له: أين أنت عن الخيل؟ قال: تلك للطلب والهرب ولست طالباً ولا هارباً، قلت: فأين أنت من البغال؟ قال: تلك للأثقال ولست ذا ثقل، قلت: فأين أنت عن البراذين؟ قال: تلك للمسرعين ولست مسرعاً، قلت: فماذا تصنع بحمارك؟ قال: أدب عليه دبيباً وأقرب عليه تقريباً وأزور إذا شئت عليه حبيباً. ثم لقيته بعد ذلك على فرس، فقلت له يا أبا صفوان ما فعل الحمار؟ قال بئس الدابة، إن أرسلته ولّى، وإن استوقفته أدلى (أي كسل وتراخى)، قليل الغوث كثير الروث، بطيء عن الغارة، سريع إلى الغرارة (الغرارة: الغفلة).