سلسلة دروس شرح كتاب: (قانون صفات الخيل العربية) للأستاذ: عبد العزيز القرشي
رقم الدرس: ٨
١/ دِقَّة المَذْبَح.
قال الأصمعي :”ويُستحب في الفَرَس أن […] يَدِقَّ مَذْبَحُهُ”. وفسّر المذبح في موضع آخر بقوله: “المَذْبَحُ: مَقْطَع الرأس”. وقال أبو عبيدة: “ويُستحب […] دِقَّةُ مَذْبَحِهِ. ومَذْبَحُهُ: مَقْطَعُ رَأْسِهِ من باطِنِهِ، وذلك للحُسْن”. واستشهد أبو عبيدة على هذه الصفة بقول أعْشَى بني قيس بن ثَعْلَبة:
سَلِسٌ مُقَلَّدُهُ أَسِيلٌ
خَدُّهُ مَرِعٌ جَنَابُهْ
وقول عُقْبَة بن مُكْدِم:
وتَرَى مَعْقِدَ القِلادَةِ منها
سَلِسَاً ذا ذَوائبٍ وسِبَابِ
فاستحباب دقة المذبح ورقته في الفرس العربي ظاهر في كلام أبي عبيدة والأصمعي، والمذبح هو ملتقى الرأس مع العُنُق من باطنه، وهو الموضع الذي تُذبح منه الفرس، ومنه سُمِّي بالمذبح. ودِقَّتُهُ ألاَّ يكون ضخمًا أو غليظًا أو كثير اللحم. والأقرب أن الفرس الذكر يُغتفر فيه زيادة حجم المذبح؛ فيكون مذبح الفرس الأنثى أكثر دقة ورقة من مذبح الفرس الذكر، وذلك لقول أبي عبيدة: “وكل شيء يُستحب للجودة في الأنثى يُستحب للذكر، إلاّ طول الصيام، وقلَّة الرُّبُوض، وقلة لَحْم اللِّهْزِمَة[…]”. واللهزمة كما قال صاحب العين: مَضيغة (وهي كل عَصَبَة ذات لَحْم) في أصل اللِّحيين بحيال منبت الأضراس. وقال صاحب الجيم: “الماضغ طرف اللحي الأعلى في الرأس، وليس من الأسنان، وهو اللِّهْزِمَة”. وقال صاحب المصباح: “اللهزمة بكسر اللام والزاي: عظم ناتئٌ في اللِّحي تحت الأذن، وهما لِهْزِمتان”. وواضح من خلال التعاريف الثلاثة للِّهْزمة أنها اللحم الذي يقع في آخر عظم الفك من جهة العُنُق. وعدم استحباب قلة اللحم فيها يدل على ذكريَّة الفرس الذكر،لأن قلة اللحم تناسب نعومة الفرس الأنثى، ومن ثم فالفرس الذكر يُستحب أن تكون لِهْزمته أكثر لحمًا من الأنثى. وإذا كان العرب يفرقون بين الأنثى والذكر في هذه الصفة، فإن التفريق بينهما في المذبح من باب أولى، وذلك أن اللهزمة متصلة بالمذبح؛ فإذا كان المُستحب في الذكر كثرة لحم لهزمته، فإن هذا ينسحب على مذبحه، فيُستحب فيه أيضا أن يكون أقل دقة من مذبح الأنثى، فيكون مذبح الأنثى أكثر دقة ورقة من مذبح الذكر. وهذا التفريق يدل عليه أيضا أصل التفريق بين الذكر والأنثى عند العرب كما في كلام أبي عبيدة السابق، وكما سيأتي معنا في مواضعه من دروس هذا الكتاب إن شاء الله، فإذا كان أصل التفريق بين الفرس الذكر والفرس الأنثى ظاهرا عند العرب، فالقياس متوجه إذا كانت العلة ظاهرة.
وعليه فإن المُستحب في الفرس العربي دقة مذبحه ورقته، وهي من الصفات المشتركة بين وظائف الركوب والزينة، والذَّكَر أقل دقة ورقة من الأنثى في ذلك كما أسلفنا؛ شريطة ألاّ يصل الغِلَظُ إلى حد الهُجنة؛ التي قال عنها أبو عبيدة: “والهُجنة غِلَظ الخَلْق في الخيل”. وهي تأتي من الدماء غير العربية، كما قال أبو عبيدة: “والهُجْنة ما شابه من العروق من غير العِراب”. فإذا بلغ الغِلَظ هذا الحد فإنه يخرج الفرس العربي من دائرة العِتْق والأصالة.
٢/ رِقَّةُ السَّالِفَة, أو دِقَّتُها.
قال أبو عبيدة: “يُستدلُ على عِتْقِ الفَرَس […] برِقَّةِ سَالِفَتِهِ […] وسَالِفَتُهُ: ما دَقَّ من أَعالِي عُنُقِهِ إلى قَذَالِهِ خَلْفَ خُشَشَاوَيْهِ. وخُشَاشَاواهُ: العَظْمان الشَّاخِصان خلف أُذُنَيْهِ […] وقذاله: مَعْقِد العِذار خلف الناصية”. وقال أيضا: “ويُستحب […] دِقَّةُ سالفته”.
فاستحباب دقة السالفة ورقتها الفرس العربي ظاهر في كلام أبي عبيدة، وهي إحدى الصفات التي تستدل العرب بها على عِتْق الفرس وأصالته. والسالفة هي أعلى صفحتي العُنق عند التقائه بالرأس، مع موضع سير اللجام خلف الأذنين، ولذلك قال ابن هذيل: “وهي دائرة بالعُنق من كل جهة مما يلي المذبح”. والأقرب أن سالفة الفرس الأنثى أكثر دقة ورقة من سالفة الفرس الذكر، فسالفة الذكر أكبر من سالفة الأنثى، وذلك لتمام كمال ذكورتيه التي مرت معنا في صفة اللِّهْزِمة والمذبح؛ والفرس الذكر- كما مر معنا في الدرس السابق- أكثر تفريعا( أي عُرْضاً) في علابيه من الفرس الأنثى، والعلابي داخلة في نطاق السالفة، وهذا يرجح أن تكون سالفة الذكر أكبر من سالفة الأنثى؛ شريطة ألاّ يصل هذا الكِبَر والغِلَظ إلى حدِّ الهُجنة. ورقة السالفة ودقتها من الصفات المشتركة بين وظائف الركوب والزينة، ويُستدل بها على العِتق، لقول ابن هذيل: “فمن مُستَحسَن أوصاف أعضاء الفَرَس […] دِّقَّةُ سالفَتِهِ […] وذلك للحُسْن, والاستدلال على العِتْق”. أي الأصالة.
ونختم هذا الدرس بملحوظتين مهمتين: الأولى تبادل صفات الذكرية والأنثوية بين الفرس الذكر والفرس الأنثى، بمعنى أننا سوف نجد ذكر ينزع في بعض صفاته إلى صفات الأنثى أو العكس، وهذا لا يضر السلالة العربية، وأن كان الأولى والمُستحب أن ينزع كل جنس إلى صفاته. والثانية أن تقدير المسافة التي تكون بين الدقة والرقة وبين الغِلَظ سيختلف الناس فيها، وهذا أمر طبيعي لاختلاف الناس في نظرتهم وخبرتهم ودربتهم، ولكن كلما تدرب الإنسان على معرفة الصفة الصحيحة كان أقدر على معرفة ما يناقضها، وإذا توارد الناس على المرجعية الصحيحة قلّت التقديرات الخاطئة، وأصبحت مساحة الاختلاف ضيقة، بل مصدرا مهمًا لثراء العلم والمعرفة.
ملحوظة:
المقصود هنا عرض الدرس بلغة سهلة ومختصرة دون إثقاله بطريقة المعالجة والاستدلال، ولذلك فالدرس لا يُغني عن الكتاب لمن أراد التوسع، علمًا أن الكتاب موجود في جميع فروع المكتبات التالية: جرير، العبيكان، الرُّشد.
معلومات رائعه وقيّمه نشكركم على هذه المعلومات .. ونريد المزيد .. مع خالص شكري لمعلوماتكم !
أهلا أخي عمر
شكرا على مرورك
هذا درس أسبوعي أشرح فيه الكتاب وسوف يستمر بإذن الله حتى إتمام الكتاب