سلسلة دروس شرح كتاب: (قانون صفات الخيل العربية) للأستاذ: عبد العزيز القرشي
رقم الدرس: ١١
(عِرَضُ الخَدِّ, وطوله, ورقّته, وقلّة لَحْمه)
قال أبو عبيدة: “وإذا كان الفَرس على ما وصفت في هذا الكتاب كان […] عريض الخَدِّ”. وقال الأصمعي: “يُستحب في الفَرس أن […] يَعْرَقَ خَدَّاهُ”. وفسر عَرَق الخد بقلة اللَّحْم, فقال: “يَتَعَرَّقُ خَدَّاهُ, أي: يقل لَحْمُهما”. وقال ابن قتيبة: “ويُستحب في الخَدِّ الأسَالةُ, والمَلاَسَةُ, والرِّقَّةُ, وذلك من علامات الْعِتْقِ والكَرَم”. والأسالة في الخد تجمع بين الطول, والملاسة, والرقة, كما قال صاحب اللسان: “وأَسُل خَدُّه أَسالةً: امَّلَسَ وطال, وخدٌّ أَسِيل: وهو السهل الليِّن الدقيق المستوي”. ولذلك قال ابن هذيل في وصف خد الفرس العربي: “طويل الخدين, أملَسُهُما, رقيقُهُما”.
ويشهد لصفة عرض الخد قول عُقبة بن سابق:
عريض الخد والجَبـْ ـهةِ والصهوة والجَنْب
ويشهد لقلة لحم خد الفرس قول طفيل الغنوي:
مُعَرَّقَةَ الأَلْحَى تلُوح مُتُونُها يُثِرْنَ القَطا في مُنقلٍ بَعْدَ مَقْرَبِ
ويشهد لأسالة الخد قول الأعشى:
سلسٍ مقلَّدهُ، أسيـ ـلٍ خدُّهُ، مرعٍ جنابهْ
وقد أورد أبو عبيدة هذا البيت برواية أخرى بلفظ الطول ولم ينسبه إلى الأعشى, فقال: وقال شاعر:
سلس مقلَّدهُ، طويل خدُّهُ رَهْل اللَّبانِ حَديد رأْسِ المَنْكِبِ
وبناء على ما تقدم فإن المُستَحب في صفة خد الفرس العربي أن يكون عريضا, طويلا, رقيقا, قليل اللحم, وهذه من الصفات المشتركة بين وظائف الركوب والزينة, إلاَّ أن رقة الخد, وقلة لحمه, يُستَدل بهما على العِتْق في الخيل العربية؛ لما تقدم من قول ابن قتيبة, ولقول صاحب العين: “وإذا عَرِيَ لِحْياها من اللَّحْم, فهو من عَلاماتِ عِتْقِها”, وكذلك لقول ابن هذيل: “ومنها: أسالةُ خدَّيْه, وسهولتُهما, وعِرَضُهما. وأسالتُهما: طولهما، وذلك للحُسن, ويُستَدل به على العِتْق”. غير أني لا أميل إلى إدخال صفة عرض الخد وطوله في علامات العِتق, لأن القصور فيهما أقرب إلى دائرة العيوب؛ التي هي من أصل خَلْق الخيل العربية, بخلاف القصور في صفتي: الرقة, وقلة اللحم, فإن كثرة اللحم والغلظ من الصفات الظاهرة في غير الخيل العربية, وبهذا تكون رقة الخد, وقلة لحمه, من الصفات المؤثرة في تحديد نوع السلالة الخيلية.
وكذلك فإني أميل -في صفة الخد- إلى التفريق بين الفرس الذكر, والفرس الأنثى, فالمُستَحب في خد الفرس الأنثى أن يكون أكثر رقة, وأقلّ لَحْمًا, من خد الفرس الذكر؛ لما سبق أن بيناه في الدروس السابقة؛ من ورود أصل التفريق عند العرب بين الذكر والأنثى؛ ولتحقيق ذكرية الذكر, وأنثوية الأنثى, وقد تقدم معنا في الدروس الماضية استحباب كثرة لحم اللِّهْزِمة في الفرس الذكر, واللهزمة مجاورة للخد, بل هي جزء منه, وكذلك مرّ معنا أن مذبح الذكر وسالفته (أعلى العُنق) أقل رقة ودقة من مذبح الأنثى وسالفتها, وهذا كله يُؤيد أن يكون خد الفرس الذكر أكثر لحما, وأقل رقة، من خد الفرس الأنثى والله أعلم.
ملحوظة:
المقصود هنا عرض الدرس بلغة سهلة ومختصرة دون إثقاله بطريقة المعالجة والاستدلال، ولذلك فالدرس لا يُغني عن الكتاب لمن أراد التوسع، علمًا أن الكتاب موجود في جميع فروع المكتبات التالية: جرير، العبيكان، الرُّشد.