حديثنا اليوم لم يفرد الخيل بالذكر، إلا أن فرسا منها كان ثالث أبطال قصة عظيمة، تنزلت فيها ملائكة الله عز وجل إلى السماء الدنيا، فكان من بين المخلوقات التي خصها الله عز وجل حضورا في تلك الليلة المباركة، وفي ذاك المكان الطيب؛ هذا الفرس الكريم، الذي نفر واضطرب من هذه السحابة. فقد جاء في صحيح البخاري أنه؛ “كان رجلٌ يقرأ سورةَ الكهفِ، وإلى جانبه حصانٌ مربوطٌ بشطَنَينِ، فتغشُّته سحابةٌ، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسُه ينفرُ، فلما أصبح أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فذكر ذلك له، فقال: (تلك السكينةُ تنزَّلت بالقرآنِ).
فقوله: (وعنده فرس مربوط بشطنين) بفتح الشين المعجمة والطاء وهما تثنية (شطن) وهو الحبل الطويل. وقوله: (وجعل فرسه ينفر) وفي رواية أخرى (فجعلت تنفر) أي تهيج وتضطرب. فتغشته سحابة – من فوقه – فجعلت تدور وتدنو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك السكينة نزلت للقرآن.
أما بطلا القصة الأولين فهما أسيد بن الحضير وابنه. فبينما أسيد يقرأ من الليل في سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير. قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها. قال: أو تدري ما ذاك؟ . قال: لا، قال: الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم.