ما زلنا نتجول في بستان الأمثال المرتبطة بهذه المخلوقات المعقود على نواصيها الخير. ومثلنا اليوم يبين مدى عزة الخيل العربية في كل الأحوال؛ في حال صحتها وشدتها، وفي حال ضعفها.
فالخيل تجري على مساويها (مساويها أي عيوبها)، معناه أن الخيل العربية الأصيلة، وإن طرأت عليها عيوب، بخاصة تلك العيوب التي تطرأ على الأطراف، كانتفاخ مفصل العرقوب، وغيرها – وقد نشرنا من قبل مقالة في هذه الصحيفة تحدثت عن هذه العيوب – فبالرغم من ذلك؛ فإن كرم هذه العتاق وعزة نفوسها تحملها على الركض.
ويضرب المثل للرجل الكريم يحمل نفسه على المحمل الحسن، على ما به من هنات وعيوب. فالكريم الحر يحتمل المؤن ويحمي الديار وان كان ضعيفا، ويستعمل الكرم على كل حال.
وقد قال بعض أهل اللغة: المساءة خلاف المسّرة، والجمع مساوي بترك الهمزة تخفيفا، وبدت مساويه: نقائصه ومعايبه، وقد قيل: لا واحد لها كالمحاسن. وقال بعضهم بأنّ مفردها (سوء) على غير قياس. وقال الزبيدي عند شرح المثل؛ المساوي هي العيوب, وقد اختلفوا في مفردها، وقال بعض الصرفيين: هي ضد المحاسن.
وكون الخيل تتحمل الصعاب والآلام فتجري على مساويها، فإن هذا نوع من الوفاء اشتهرت به هذه الكائنات تجاه أصحابها. وقصص وفاء الخيل كثيرة، فكم من حصان لم يترك صاحبه في محنته وظل واقفا بجانبه، وكم من فرس تحملت الجراح وصمدت في ميادين الحروب. ولعل قصة حصان عنترة بن شداد غير بعيدة عن الأذهان، عندما تسربل نحره بالدم، ولم يزل ثابتا، حتى شفى نفس فارسه وأبرأ سقمها .. أو كما قال عنترة.