لعمري إن فرسا ركبه رسول الله صلى الله عليه سلم، لهو فرس محظوظ، مبارك وطيب. وببركة خير البشر انقلب حال هذا الفرس من بطئ إلى شديد السرعة، حتى أثنى عليه خير راكب؛ حينما قال: “وجدته بحرا” .. فهنيئا لك أيها الفرس العتيق.
فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: “ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناسِ، وأجودَ الناسِ، وأشجعَ الناسِ، ولقد فَزِعَ أهلُ المدينةِ ذات ليلةٍ، فانطلق الناسُ قبلَ الصوتِ، فاستقبلهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد سبق الناسَ إلى الصوتِ، وهو يقولُ: لم تُراعوا لم تُراعوا. وهو على فرسٍ لأبي طلحةَ عُريٍ ما عليه سرجٌ، في عُنُقِه سيفٌ، فقال: لقد وجدتُه بحرًا. أو إنه لبحرٌ”.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحسن الناس) أي خلقا وخلقا ، وصورة وسيرة ، ونسبا وحسبا ، ومعاشرة ومصاحبة، (وأجود الناس): أي أكثرهم كرما وسخاوة، (وأشجع الناس) أي: قوة وقلبا، ويدل عليه قوله تعالى “فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين على القتال”، ولذا كان يركب البغل لأنه لا يتصور معه الكر. ( ولقد فزع ): بكسر الزاي، أي خاف أهل المدينة، (ذات ليلة) أي: حيث سمعوا أصواتا أنكروها، ( فانطلق الناس قبل الصوت)، بكسر القاف وفتح الباء، أي: إلى جانبه (فاستقبلهم) أي: النبي صلى الله عليه وسلم. والمراد أنه صلى الله عليه وسلم سبق الناس إلى الصوت، فلما رجع استقبل الناس الذين خرجوا نحو الصوت. وهو يقول: ” لم تراعوا ” بضم التاء والعين، مجهول من الروع بمعنى الفزع والخوف، أي: لم تخافوا ولم تفزعوا، وقد كرره تأكيدا لخطاب قوم من عن يمينه ويساره.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم (على فرس لأبي طلحة عري): بضم فسكون، أي: ليس عليه سرج، (وفي عنقه) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (سيف)، أي متقلد السيف. فقال: ” لقد وجدته أي: الفرس ” بحرا “. أي جوادا وسريع الجري. وكان يسمى ذلك الفرس المندوب بمعنى المطلوب، وكان بطيئا ضيق الجري، فانقلب حاله ببركة ركوبه صلى الله عليه وسلم، ويشبه الفرس إذا كان جوادا بالبحر لاستراحة راكبه به، كراكب الماء إذا كانت الريح طيبة.
قال النووي: فيه بيان ما أكرمه الله تعالى به من جليل الصفات، وفيه معجزة انقلاب الفرس سريعا بعد أن كان بطيئا، وفيه جواز سبق الإنسان وحده في كشف أخبار العدو ما لم يتحقق بالهلاك، وجواز العارية، وجواز الغزو على فرس المستعار، واستحباب تقلد السيف في العنق، وتبشير الناس بعد الخوف إذا ذهب.
قال امرؤ القيس:
يطيرُ الغلامُ الخفُّ على صهواته وَيُلْوي بأثْوابِ العَنيفِ المُثقَّلِ
وقال مروان بن حفصة:
أقبل ينقض انقضاض الكوكبِ كأنه بازٍ هوى من مرقبِ
وقال ابن المعتز:
يكاد لولا اسم الله يصْحبٌهُ تأكله عيوننا وتشرَبُهُ
وقال أبو تمام:
من قاده أشرٌ أو ساقه قدرٌ أو عمه عمرٌ فالحين مدلولُ
فالخيل مسرجةٌ والنبل ملحمةٌ والسمر مشرعةٌ والسيف مسلولُ
خيلٌ تصان ليومي حلبة ووغى يزينها غرر شدخ وتحجيلُ