في جزء من ورقة علمية عن خيل الجزيرة العربية، قدمها الأستاذ سامي بن سليمان النحيط المشرف العام على مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة؛ بين فيها أن الخيل العربية الأصيلة نشأت في جزيرة العرب، وأنها من أقدم السلالات, وهي عربية أصلاً ونسباُ وموطناً. وأن أرض المملكة العربية السعودية، كانت أولى البقاع التي تم استئناس الخيل عليها، وذلك من خلال الآثار التي وجدت على هذه الأرض، والتي أكدت قدم الاستئناس..
وأشار النحيط أن الدراسات الحديثة تؤكد أن الحصان العربي هو وليد الصحراء ونتاجها الطبيعي، وقد خضع في الصحراء لعملية انتقاء طبيعية صارمة، فلم يصمد أمام قسوة الطبيعة إلا الأجود والأقوى والأصلح من الخيول، حتى إن بعض الخبراء بالخيل يرون أن كل سلالة كريمة من الخيل لا تضمن لنفسها البقاء دون اختلاطها بالسلالة العربية الأصيلة، وللاعتراف بالحصان على أنه عربي أصيل، فلا بد أن يكون منحدراً مباشرة من الصحراء العربية.
وقال المشرف العام إن كثيرا من الخيول اشتهرت بنسبتها إلى الجد الأكبر وبقيت أنسابها متوارثة في مكان نشأتها في جزيرة العرب، فوق هضاب نجد ومنطقة عسير فهذه المناطق كانت ومازالت من أخصب المناطق قوة وأكثرها ملاءمة لتربية الجياد الأصيلة وقد أكدت الكشوف الأثرية أن الحصان العربي أصيل في شبه جزيرة العرب ولم يفد إليها من خارجها.
كما بين النحيط أن أرض المملكة العربية السعودية، لا تزال تكشف للعالم أدلة أثرية جديدة، تؤكد أن مسيرة الحضارة الإنسانية لا تكتمل قراءتها إلا بالاطلاع على ما تختزنه أرض المملكة من شواهد أثرية مهمة. مضيفا: “ومن خلال حضارة المقر نقف اليوم أمام اكتشاف أثري مهم يأتي في إطار برنامج عمل الهيئة العامة للسياحة والآثار لإبراز البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية”.
وأوضح النحيط أن الكشف عن حضارة المقر يمثل نقلة نوعية في معرفتنا بمسيرة الحضارة الإنسانية، وشاهد واضح على المساهمة الفاعلة لإنسان الجزيرة العربية في النهضة الثقافية التي شهدتها الإنسانية إبان فترة العصر الحجري الحديث. وفرصة حقيقية أمام الباحثين والمختصين للتعرف على حقائق علمية جديدة، من خلال البحوث والدراسات الميدانية، حول أقدم المواقع التي عرفتها البشرية لاستئناس الخيل في فترة يعود تاريخها إلى تسعة آلاف سنة.
وقال إن وجود تماثيل كبيرة الحجم للخيل في هذا الموقع مقترنة بمواد أثرية من العصر الحجري الحديث يرجع تاريخها إلى 9000 سنة قبل الوقت الحاضر؛ يعد اكتشافاً أثرياً مهماً على المستوى العالمي، حيث أن آخر الدراسات حول استئناس الخيل تشير إلى حدوث هذا الاستئناس لأول مرة في أواسط آسيا (كازاخستان) منذ 550 سنة قبل الوقت الحاضر. وهذا الاكتشاف يؤكد أن استئناس الخيل تم على الأراضي السعودية في قلب الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ بزمن طويل.
وقال مقدم الورقة إن أحد تماثيل الخيل التي وجدت بالموقع يقارب طوله الـ 100 سم، وهو يمثل الرقبة والصدر. وأنه لم يعثر من قبل على تماثيل حيوانات بهذا الحجم في أي موقع آخر في العالم من هذه الفترة نفسها، وما عثر في تركيا والأردن وسوريا لا يعدو أن يكون تماثيل صغيرة الحجم ومن فترة متأخرة عن هذا التاريخ، وليست للخيل.
وذكر أن تمثال الخيل الكبير الذي وجد بالموقع يحمل ملامح الخيل العربية الأصيلة، حيث يبدو ذلك واضحاً في طول الرقبة وشكل الرأس. كما يوجد على رأس التمثال شكل واضح للجام يلتف على الرأس، مما يشكل دليلاً قاطعاً على استئناس الخيل من قبل سكان هذا الموقع في تلك الفترة المبكرة.
بينت الورقة أن هذه التماثيل صنعت من نوع الصخر المتوفر بالموقع. والذي يُرى في أماكن عدة بالمكان في الوقت الحاضر، وأن هذه التماثيل كانت مثبتة في بناء يتوسط الموقع على الضفة الجنوبية للنهر قبل مصبه في الشلال، وربما كان لهذا البناء دور رئيس في الحياة الاجتماعية لسكان الموقع.
إن هذا الاكتشاف يقوي الطرح القائل بأصالة الخيل العربية، ويضعف تلك النظريات التي تعتبر الخيل دخيلة على مجتمع شبه الجزيرة العربية والتي تعددت ما بين قائل بأن أصل الخيل العربية هو الحصان المنغولي ، وقائل بأنها قدمت من الصحراء الليبية، وقائل بأن الهكسوس جلبوها من سوريا إلى مصر ثم إلى شبه الجزيرة العربية …
ومهما تعددت الآراء التي تنفي عن الخيل العربية أصالتها وانتماءها الأول لشبه الجزيرة العربية فإنها لن تنفي عنها ريادتها في الجمال والقوة وأصالة الأنساب …
( أحمد دامو باحث في سلك الدكتوراة في موضوع الخيل والرماية في الأدب الشعبي المغربي -المغرب-)
نعم؛ إن هذه الاكتشافات التي وجدت بأرض الجزيرة العربية، ترد على الذين يرون أن أصل الخيل العربية في غير جزيرة العرب. وبالرغم من ذلك؛ ومهما تعددت الآراء التي تنفي انتماء الخيل العربية الأصيلة لشبه الجزيرة العربية؛ فإنها لن تنفي عنها ريادتها في الجمال والقوة والسرعة والصبر، وأصالة الأنساب.
نتمنى أن نراك دوما في صحيفتك أخي أحمد دامو، ونشكر لك مرورك..