سمعت العديد ممن يشتغلون بانتاج الخيول، يقولون صراحة إن التلقيح الاصطناعي يفسد سلالة الخيول العربية الأصيلة. لم أكن أنوي، قبل 35 عاما، أن أسير في هذا المسار الوظيفي! لكن التلقيح الاصطناعي ليس جيدا ولا سيئا، إنه التلقيح الاصطناعي فحسب. ومع ذلك، قد تكون كيفية استخدامه مفيدة أو ضارة. (سيندي الرايخ).
إذا كان الإفراط في انتاج الأمهار عن طريق القليل من الفحول التي تحتكر عمليات الإنتاج فقط يفسد سلالة الخيول العربية الأصيلة، ربما تكون الأسئلة التالية في حاجة إلى إجابات:
- ما هو العامل المحفز للمربين لإجراء عملية الإنتاج عن طريق نفس الفحل؟
- ما هو البرنامج المعمول به في مزارع تربية الخيول للأمهار التي لا تلبي تطلعات المربي؟
- ما هي الاستراتيجية طويلة الأجل للمربي؟
- ما هي الاستراتيجية قصيرة الأجل للمربي؟
سوف نجاوب هذه الأسئلة لاحقا، ظهرت “مراكز الفحول ” التي تجمع عددا من الفحول في موقع واحد يرسل إليه ملاك الخيل أفراسهم للإنتاج ومن ثم تعاد إلى مزارعها. وهذا بمثابة فرصة للحصول على جينات من مجموعة من الفحول التي ربما لم تكن متوفرة لدى فحولك التي تربيها. ولكن السبب الحقيقي وراء عدم تبني مربي الخيول العربية الأصيلة للتلقيح الاصطناعي هو أنهم سوف يخسرون جميع الدخل الذي يجنونه من رعاية الأفراس عن طريق الإبقاء على الأفراس لتنتج في مزرعتهم. بالتأكيد لم يكن ذلك للحد من عدد الأمهار المولودة لفحل واحد. فسابقاً كان يقتصر سجل الفحل على 40-50 فرسا في الموسم الواحد. وفي عام 2011 شبى الفحل الأصيل كونقراتس مع 205 فرسا، والفحل جاينتس كوزواي مع 198 فرسا. لذلك فإن القول بأن استخدام التلقيح الاصطناعي ينتج عنه عدد أقل من الفحول يشبي عدد أكبر من الأفراس ليس صحيحا، إذ أن ذلك يحدث سواء اخترت استخدام التلقيح الاصطناعي أم لم تختره.
ومع ذلك، وحتى تستخدم الفحل الذي لم يتوفر في مزرعتك، فعليك نقل الفرس إليه. فإلى حد كبير كان جميع المربيين في تلك الأيام يرسلون أفراسهم إلى المرابط للتشبية وكان هناك على الأقل بعض القصص المرعبة عما حدث عندما تُركت أفراسهم دون رعاية وتدبير ملاكها. لدي العشرات من القصص التي لم تروي بشكل جيد، بدءا بشحن الفرس من مزرعتها. فقد قضت إحدى الأفراس أسابيع عند مراكز النقل ومن ثم نقلت على طول القطر لأيام وأيام- وفقا لجدول الشحن- لتصل إلى وجهتها مصابة بمرض ذات الجنب (ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع)، فقد سحبنا غالونا من القيح من رئتيها ونجت من الموت ولكن بصعوبة. وتصل الأفراس إلى موطنها وقد فقدت مئات من الأرطال- وهي مريضة- وبدون حمل. وتصل الأفراس والأمهار إلى مواطنها مصابة ولا يوجد تفسير لذلك ولا يسأل عنه أحد. أضف إلى ذلك إجهاد الفرس التي تشحن إلى مزرعة الإنتاج وحاجتها إلى التأقلم مع بيئة جديدة وسائس جديد وأعلاف جديدة وجدول زمني جديد. فلماذا لا تكون رغبتك أن تبقي فرسك بمزرعتك وتحصل على السائل المنوي مشحونا إليك؟
والآن، إذا كان السائل المنوي المشحون يفسد انتاج الخيول العربية الأصيلة، والتلقيح الاصطناعي المرتبط به سيئ أيضا، فقط فكٍّر مليا حالا في تلك الأيام الخوالي عندما كنا نعمل تشبية الفحول للأفراس طبيعياً. والعديد من مربي الخيول الذين يقرؤون هذا المقال ربما لم ينخرطوا في مجال تربية الخيول في تلك الأيام- حوالي السبعينات من القرن الماضي. إن تجربة تشبية، مثلا، فرس عذراء تبلغ من العمر ثلاث سنوات مع فحل يفتقر إلى الخبرة ربما يصلح أن يكون مسلسلا جديدا لتلفزيون الواقع (تلفزيون الواقع هو نوع من برامج التلفزيون التي يتم فيها جمع أفراد من عامة الناس في مكان محدد وبيئة محددة وتسجيل حياتهم وردود أفعالهم الطبيعية مع عدم وجود نص مكتوب أو سيناريو، وعرضه عرضا مباشرا للمشاهدين الذين يتابعون حياة المشتركين وتصرفاتهم وردود أفعالهم). كانت الفرس تربط وتشد بالحبل بقوة فتصبح غير قادرة على الحركة تماما حتى يتم التزاوج (التشبية) بها. وأما الفحول التي تتعرض للرفس من الأفراس التي لم تربط وتشد بقوة وتتعرض لهذا للألم الجسدي والنفسي تصبح إما متوحشة تجاه الأفراس أو ترفض التزاوج (التشبية).
كانت الأمراض التناسلية شائعة، وكانت مرارا وتكرارا تمنع الحمل لدى الأفراس. في رأيي، إن الساعات التي أنفقت في استزراع أحشاء الأفراس ملأها بالمحاليل الطبية وغسلها داخليا ومحاولة تطهيرها بعد التقاطها للعدوى من فحول على مدى السنوات الـ 35 الماضية ربما تضيف من الزمن ما تصل قيمته بضع سنوات. كانت تكلفة خسارة الاستخدام التناسلي مذهلة. عملت الفحول التي التقطت العدوى من الأفراس على تعقيد المشكلة عن طريق نقل العدوى إلى الأفراس الأخرى. كانت الفحول التي تجري عملية التشبية ثلاث أو أربع مرات في اليوم مرغوبة لوجود الأفراس الأخرى التي تنتظر التشبية. ولحق الضرر بأعضاء الفحول التناسلية التي أجبرت على ارتداء “حلقات” أو “فُرَش” الفحول لمنع الاستمناء وضياع السائل المنوي المعد للأفراس.
هل هذا هو الوضع الذي نريد أن نكون عليه الآن؟ بالتأكيد يمكن التشبية طبيعياً تحت إدارة جيدة – لقد أثبت صحة ذلك مربو الخيول في انتاج الخيول الأصيلة، ولكن هل هذا ما نريد حقا أن نكون عليه؟ هل يصلح هذا إجابةً عن احتكار القليل من الفحول لعمليات التشبية لإنتاج الأمهار؟
دعونا الآن نعود إلى الأسئلة التي طرحتها في بداية هذا المقال.
ما هو العامل المحفز لجميع المربين لإجراء عملية التشبية عن طريق نفس الفحل؟
إذا أردنا أن نكون صادقين حيال ذلك، فإن السبب وراء إجراء الجميع لعملية التشبية عن طريق نفس الفحل بسيط. بالنسبة للجزء الأكبر من الإجابة، نأسف أن نقول إنه ليس من أجل تطابق أفضل الفحول مع أفضل الأفراس، ولكنه مجرد الرغبة في إنتاج مهر من شأنه الفوز في ميدان العرض وبيعه مقابل سعر كبير أو أن يكون والده أكثر جمالاً فيباع مقابل سعر كبير. لذا أيا كان الفائز يكون مصيره البيع. ولذلك تكون القاعدة هكذا: أجري التشبية مع ما يفوز في ميدان العرض، وبعه مقابل المال الكثير ….. وكرر ذلك. إن أسلاف الخيول التي تهيمن على ساحات العرض تهيمن على حظائر الإنتاج، وهي التي تحظي بدعاية كبيرة عند بيعها مقابل سعر كبير.
وهذه الإجابة تقودنا إلى السؤال رقم 2:
ما هو البرنامج المعمول به في مزارع تربية الخيول للأمهار التي لا تلبي تطلعات المربي؟
جوهر المشكلة الحقيقي ليس في استخدام التلقيح الاصطناعي، ولكنه في استخدام التلقيح الاصطناعي لإنتاج أعداد كبيرة من النسل بواسطة مربي الخيول الذين يلعبون لعبة الأرقام. إذا كنت تنتج ما يكفي من الأمهار عن طريق فحل جميل، فسوف تزيد عدد الأمهار المختارة التي يمكن بيعها مقابل مال كبير، أو عرضها للفوز في ميدان العرض ومن ثم بيعه مقابل سعر كبير. وبما أن أفضل الخيول يتم اختيارها انتقائيا مما هو متاح، فإن السوق سوف يمتلئ بأنسال عادية أو ضعيفة. ماذا تفعل المزارع للتخطيط بشأن النسل غير الجيدة بما فيه الكفاية للمنافسة في عروض الجمال (على ما يبدو، هذا هو المؤشر الوحيد للحصان الجيد في أذهان كثير من الناس)؟ كانت تنمو هذه السلالات الأقل قيمةً عبر السنين وكانت تتزاوج على أمل أنها ربما تنتج شيئا سوف يكون الحصان القادم صاحب الحظ الأكبر في عروض خيل الجمال، أو الحصان القادم الذي سوف يباع مقابل أكبر مبلغ مالي. هل كان ذلك خطأ التلقيح الاصطناعي والسائل المنوي المشحون؟ أو خطأ أغلبية المربين الذين لا يجرون عملية التشبية لرؤية طويلة الأجل، ولكن تقتصر نياتهم على المكاسب قصيرة الأجل المتعلقة بالنجاح في ميادين العرض أو التسويق الناجح للأمهار أو كلاهما.
وهذا بدوره يقودنا إلى السؤال رقم 3:
ما هي الاستراتيجية طويلة الأجل للمربي؟
يضع مربو الخيول الحقيقيون في اعتبارهم هدفا على المدى الطويل فيما يتعلق بنوع الحصان الذي يريدون إنتاجه. وهم يدركون أن تحقيق هذا الهدف يستغرق وقتا طويلا وأن التشبية من حصان معروف أو جميل ليس في حد ذاته برنامجا للإنتاج. في الواقع، دائما ما يكون الإنتاج من الأباعد الكامل هو الذي يحدث معظم التحسين الوراثي في الجيل الواحد. يستخدم مربو الخيول أصحاب الخبرة بالتزواج بخطوط الإنتاج وتزاوج الأباعد وأحيانا تزاوج الأقارب للحصول على الصفات الوراثية التي يريدونها على المدى الطويل. وبالتأكيد تستطيع الفحول المرغوبة إضافة الصفات الوراثية التي قد يرغبون فيها، ويمكن استخدامها، ولكن البرنامج لا يقوم على الأشياء العابرة وتمني امتطاء تلك البدعة إلى ضفة النهر عندما يولد المهر. لم يصل أهم الفحول إلى مكانتهم البارزة بأبوتها لسلالات ضعيفة، ولكن لا يستطيع أي فحل إنتاج سلالات مهمة من جميع الأفراس.
قرأت مؤخرا مقابلة رائعة جدا أجريت مع أحد مربي خيول ورم بلاد من جنوب أفريقيا كان قد قضى السنوات العشرة الأخيرة يجري عمليات الإنتاج من أجل الحصول على أفراس التزاوج التي يريدها في الجيل التالي من برنامجه للتزاوج. لقد اشترى فحول قليلة وهو يعمل بكل بساطة لبناء أفضل قاعدة وراثية يمكن أن يستخدمها في أفراسه.
وهذا بدوره يقودنا إلى السؤال رقم 4:
ما هي الاستراتيجية قصيرة الأجل للمربي؟
نتفهم الإغراء الاقتصادي وراء إجراء التشبية من فحل يحتكر عمليات الإنتاج تفوز سلالته في عروض خيل الجمال أو تباع مقابل أسعار جيدة أو الاثنان معا. إذا نظرنا إلى هذا بوصفه نموذجا للأعمال التجارية، فهو طريق أسرع من غيره لكسب المال (إذا أجرى التشبية مع الأفراس المناسبة) على المدى القصير. ولكن المشكلة هي أن لدينا نسبة كبيرة جدا من الناس يجرون عمليات الإنتاج للمدى القصير وعدد قليل جدا يجرون عمليات الإنتاج للمدى الطويل.
إن تقلص مستودع الجينات عن طريق التلقيح الاصطناعي والسائل المنوي المشحون/المجمد ليس خطأ هذه التقنية، بل هو خطأ كيفية استخدامها. فإذا كان الهدف هو كسب المال على المدى القصير فإن معظم مربي الخيول سوف يجرون عمليات التشبية من الفحول المحتكرة للتزاوج. وإذا لم يضعوا السؤال رقم 2 في الحسبان، فسوف يتم إنتاج الكثير والكثير من السلالات التي تغرق السوق.
هل هذا خطأ التلقيح الاصطناعي والسائل المنوي المشحون، أم خطأ قوى السوق ورغبة المربي في الغنى على المدى القصير، فبدلا من تنقيب العالم بحثا عن الفحل المناسب لكل فرس على حدة لإنتاج الحصان الذي يمثل هدف المربي على المدى الطويل؟
بالنسبة للمربين الحقيقيين، فإن التلقيح الاصطناعي والسائل المنوي المشحون/ المجمد هو أفضل وسيلة في متناول أيديهم التي ربما تحدث التطور الوراثي في برنامجهم. إذا كان لدى المربي في الولايات المتحدة فرس معدة للإنتاج بصورة ممتازة مع فحل في بوتسوانا، فيجب أن تكون لدى هذا المربي الفرصة لتشبية فرسه من ذلك الفحل دون إرسال الفرس إلى أفريقيا. ذلك لأن التلقيح الاصطناعي والسائل المنوي المشحون والسائل المنوي المجمد تجعل ذلك ممكنا. وفي الواقع، إن جلب تلك السلالة من بوتسوانا التي قد تكون الإنتاج من الأباعد الكامل للأسلاف في الولايات المتحدة بالفعل يوسع مستودع الجينات، عندما تستخدم بحكمة.
إن تقلص مستودع الجينات عن طريق التلقيح الاصطناعي والسائل المنوي المشحون/المجمد ليس خطأ هذه التقنية، بل هو كيفية استخدام تلك الأداة. أنا على قناعة بأن هناك نوعين من الناس يقومون بتربية الخيول: المربون وتجار السوق.
فأي واحد أنت منهما؟ وكيف يمكنك استخدام أدواتك لتحقيق أهدافك؟