توزعت الأدوار بين ذكور الخيل وإناثها في الحروب، فجعلت هذه لمهمة تناسبها، وتلك لدور تجيده، ولا فضل لذكر على أنثى أو أنثى على ذكر في هذه المواضع، فالاثنان في الفضل سواء.
وقد جاء اسم الخيل في المعارك في القرآن الكريم في الآية الكريمة: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل…”، فكلمة “الرباط” هي صيغة مفاعلة تدل على قصد الكثرة من ربط الخيل للغزو، أي احتباسها وربطها انتظارا للغزو عليها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم ” من ارتبط فرسا في سبيل الله كان روثُها وبولها حسنات له”. ويقال: ربط الفرس؛ إذا شدّه في مكان حفظه، وقد سمَّوا المكان الذي ترتبط فيه الخيل رباطا، لأنّهم كانوا يحرسون الثغور المخوفة راكبين على أفراسهم.
فتفسير: (ومن رباط الخيل)؛ أي: ربطها واقتناؤها للغزو. قال عكرمة: القوة الحصون، ومن رباط الخيل الإناث. وروي عن خالد بن الوليد أنه كان لا يركب في القتال إلا الإناث لقلة صهيلها. وعن أبي محيريز قال: كان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون ذكور الخيل عند الصفوف، وإناث الخيل عند الغارات.
وقد استخدمت العرب الخيل في حروبهم وغاراتهم ذكوراً وإناثاً. فكانوا يفضلون ذكور الخيل على إناثها في الحرب الطّاحنة، التي تعتمد على القوة والثبات. ولعل السبب في ذلك يعود إلى السرعة والجرأة، ويقاتل الفرس مع راكبه، وفيه حدة وقوة. كما كانوا يستحبون فحول الخيل في الصّفوف والحصون، ولما ظهر من أمور الحرب.
قال عمرو بن السليح:
لقيناهم بجمع من علاف … وبالخيل الصلادمة الذكورا
وقال الأعشى:
وأعددت للخيل أوزارها … رماحا طوالا وخيلا ذكورا
وقيل إن العرب كانوا يستحبون خِصْيان الخيل في الكمين والطلائع لأنها أصبر وأبقى في الجهد، وهم لا يفضلون الإناث في الحروب الطّاحنة خشية أن تخذل صاحبها في أحرج الأوقات إذا كانت تشتهي الفحل، لأنها ذات شبق شديد. لكنهم يفضلونها في الغارات والبيات لأنها تدفع البول وهي تجري، والفحل يَحْسر البول (لا يتبول أثناء جريه)، ولأن الأنثى لا صهيل لها؛ فلا يَعْرف العدو خبرهَم حتى يصلوا إليه. وذكر أن فرس سيدنا جبريل كان أنثى.
ورغم كل ما سبق من آراء واجتهادات؛ فقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: “الخيل ثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر…” وغيره من الأحاديث كثير؛ دليل على التساوي في الفضل، لأنه لم يخص ذكرا من أنثى، بل بين أن أجودها؛ أعظمها أجرا وأكثرها نفعا.
وقرأ الحسن وعمرو بن دينار وغيرهما: (ومن ربط الخيل) بضم الراء والباء، جمع رباط، ككتاب وكتب، قال أبو حاتم عن ابن زيد: الرباط من الخيل الخمس فما فوقها، بغض النظر عن كونها إناثا أم ذكورا. ومنها مربط الخيل ومرابطها، وهي ارتباطها بإزاء العدو.
قال أحد الشعراء :
أمر الإله بربطها لعدوه … في الحرب إن الله خير موفق
وقال مكحول بن عبد الله :
تلوم على ربط الجياد وحبسها … وأوصى بها الله النبي محمدا
وقيل إن تخصيص الخيل بالذكر في مواضع القتال (ذكورا وإناثا) جاء لأن الخيل هي من أسباب النصر في المعارك، وهي التي عقد الخير في نواصيها، وهي من أصبر الدواب وأبركها، حتى أن الله سبحانه وتعالى أقسم بها، فقال : “وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا، فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا…”.