بقلم: الدكتور هانس ناجل
تدور الكثير من الحكايات حول الخيول العربية في البلدان العربية. في أزمنة ماضية كان لدى الناس المتسع من الوقت، وكان التحدث عن الخيول العربية يُعد شكلاً من أشكال الترفيه. واحدة
من الحكايات الأكثر إثارة هي تلك التي تتحدث عن نشأة وتاريخ الحصان العربي “نقي السلالة”. وهي مناقشة مثيرة للجدل مستمرة حتى اليوم.
الجميع يعرف بعض هذه الحكايات. ولعل الرواية الأكثر أهمية هي رواية الأفرس الخمسة التي كان يمتلكها النبي (صلى الله عليه وسلم). وفقاً للإعتقاد السائد فإن هذه الأفرس الخمسة هي أصل أهم أرسان الخيول العربية، مثل الكحيلان، والصقلاوي، والهدبان وآخرين.
إن الرسن الذي تنتمي إليه الفرس سوف يستمر ويحدد الأصل لخط الإناث لكل الأجيال القادمة.
أضافت مخطوطة عباس باشا التي تم إعدادها في القرن التاسع عشر، وتم نشرها مؤخراً الكثير من التفاصيل التاريخية، وكثير من المربين على دراية بدراسات ونظريات كارل رضوان – مسافر ألماني عاش بسوريا في عشرينيات القرن الماضي، التي تبدو صاعقة للوهلة الأولى، ولكن يزداد عدم ترجيحها كلما تعامل المرء مع هذه الخيول أكثر. لقد حاول رضوان أن يأتي بترتيب معين ونظام من التقارير المربكة للغاية، وتتبع للأنساب والعادات لهذه القبائل. وأخيراً، هناك في الآونة الأخيرة نهج بيولوجي، علمي بخصوص الإختلاف في “أنواع” الخيول العربية في مناطق معينة، وهو يشرح الإختلافات الواضحة في “الأنواع” داخل السلالة وعلاقتها بتأثير البيئة المحيطة وتفضيلات الأشخاص من خلال الإختيار. كل هذه المناهج لها مميزاتها وعيوبها، فبعضها يبدو بسيطاً وغير واقعي، كأن تكون هذه الأفرس الخمسة هى المصدر لهذا التعداد الهائل من الخيول: إضافة إلى أن هذا التعداد يجب أن يعتبر جميعه “ نقي السلالة” بالنسبة لفهم طالب متعلم.
لقد حدثت الكثير من الهجرات، فقد كانت القبائل العربية دائمة الترحال لا تستكين، ومثل هذا التغيير الدائم للأماكن ربما يكون قد حال بين تطور سلس وأنساب عائلات غير مقطوعة، كما هو شرط لجميع هذه المناهج المذكورة بالأعلى.
عندما يُعد الحصان العربي” نقياً “ فإنه يجب أن ينتمي لرسن معين معروف.
فقط معادلة واحدة بسيطة أثبتت أنها عملية، وكما تم استخدامها لآلاف السنين، فإنها مازالت مستخدمة حتى اليوم. عندما يُعد الحصان العربي” نقياً “ فإنه يجب أن ينتمي لرسن معين معروف. إنه رسن الأم الذي يعطي جميع أبنائها الحق في أن يكونوا أعضاء في نفس الرسن، طبقاً للمبدأ القديم “ الأم أمرها دائماً مؤكد”، يمكن للمرء أن يلاحظ برضاء أن الكثير من المربين وحتى غالبية المرابط الرسمية الهامة يعاودون إستخدام نظاماً عربياً قديماً للنسب إلي المعايير الحديثة للتدوين، وذلك لترتيب الخيول التى يملكونها وفقاً للرسن، أو على أقل تقدير يذكرون الرسن الذي ينتمي إليه الحصان في نهاية شهادة النسب. ويمكن إعتبار هذا السلوك إحتراماً لتاريخ الحصان العربي. فالآن يمكن العثور مرة أخرى في السجلات على أسماء مثل كحيلان، صقلاوي، هدبان، عبيان، مما يضفي عليها لمسة شرقية خاصة. ومع ذلك، فهل لايزال لهذه الدلالات أي قيمة أو أهمية في التربية والإختيار اليوم ؟ أم أن هذا النظام القديم للتدوين الذي يربك المربين قليلي الخبرة هو مجرد بقايا عاطفية من الأزمنة القديمة ؟ في الحقيقة، هناك ثلاثة إجابات لهذا السؤال:
1/ الجانب التاريخي وتفسيره. لقد أعطى البدو الإهتمام الأكبر لخط نسب الأم، فكل فرس عربية يجب أن تنتمي لواحد من الأرسان المعروفة؛ فإن لم تكن، فهي لا تعتبر “نقية السلالة”. أى مهر يولد لفرس من رسن معين يتلقى نفس رسن أمه، ويستمر تطبيق هذا النظام على كل الأجيال القادمة. أما رسن الأب من ناحية أخرى فكان مهملاً. وليكون الأمر واضحاً، فإن الفحل الأب كان
معلوماً ولكن اسم رسنه لم يكن له مكاناً في هذا النظام للأنساب.
2/ إن فكرة الأنواع المحددة للخيول العربية وصلت أخيراً إلى بُعد آخر. لقد تمت تربية الخيول العربية في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، من اليمن في الجنوب حتى الحدود التركية في الشمال، ومع ذلك، فقد بدت مختلفة عن بعضها البعض وكان هناك دائماً إختلاف كبير
داخل السلالة، لأي من هذه الأسباب: المناخ، الغذاء المتاح أو تفضيلات الأشخاص. إن البلدان العربية كبيرة ومختلفة جغرافياً، الخيول الصغيرة، أو الكبيرة، القصيرة، الخفيفة أو الثقيلة بغض النظر عن الرسن فهي توجد في داخل السلالة.
فالفرس الصقلاوية التي رُبيت في مصر تبدو مختلفة جداً عن تلك التي قد تراها في البحرين، سوريا، أو في السعودية، ويسري الأمر نفسه على باقي الأرسان. ما الذي حدث؟ بناء على وصف رضوان، لقد أصبحت عادة أن يطلق على الحصان القوى، مفتول العضلات ذي عظام ثقيلة “نوع الكحيلان”، والحصان الأكثر صقلاً ووجاهة وأسطواني الشكل “نوع الصقلاوي”. ومن هذا المنظور فليس مهماً إلى أي الأرسان تنتمي هذه الخيول، فهو يمكن إعتبارهم كحيلان أو صقلاوي أنقياء من خلال سماتهم. في سجل الأنساب الروسي لترسك أوالبولندي أو في التربية المصرية يستخدم هذا النوع من التعريف لوصف خيول معينة. فمن الممكن أن يقرأ المرء أن حصاناً يبدو % 60 نوع كحيلان و% 40 نوع صقلاوي، أو حصان آخر % 90 نوع صقلاوي، مما يعني أن هذا الأخير أكثر صقلاً وأكثر أناقة.
يستخدم الكثير من المربين تعريفات أنواع الخيول العربية، مثل كحيلان أو صقلاوي، كتعريف قياسي للخيول التي لها سمات معينة. من هذا المنطلق، فإن نوع الكحيلان يطلق على الحصان الأكثر قوة، ونوع الصقلاوي يطلق على الحصان الأكثر صقلاً. بعض المربين ذهبوا إلى أبعد قليلاً: فهم يستخدمون النوعين المذكورين بالأعلى، فمثلاً يعرّفون الحصان الدهمان على أنه مزيج مثالي بين الكحيلان والصقلاوي تماماً في المنتصف، في حين أن العبيان يميل أكثر إلى الصقلاوي، والهدبان يميل أكثر إلي الكحيلان.
3/ إنه من الواضح أن المسافرين عبر شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر خاصة الأوروبيين ، مثل بالجرايف، بورخارد، الليدى آن بلنت، وآخرين كثيرين قد فاجأتهم وأبهرتهم أرسنة الخيول هذه ونظام تطبيقها وتتبع الخيول أجدادها. ولكن هذا لم يكن كافياً، فقد إفترضوا المزيد؛ في الحقيقة لقد أرادوا أن يكتشفوا إذا ما كان هناك أي سبب خفي أو مشوّق وراء هذا التقليد في التسمية. لقد حاولوا كشف علاقة ما بين الرسن والنوع. ولم يرض فضولهم أن يكون هذا النظام مجرد نظام تنسيب بسيط. وهذه الفكرة كانت مبنية على أساس سبب وجيه، بما أن هناك إختلاف كبير بين الخيول العربية التي وجدت في الصحراء. لذا، فإن الصقلاوي، ورسن الكحيلان القديم، والعبيان، والهدبان، كل رسن منهم يظهر نوعاً واضحاً يمكن التعرف عليه وإنتاجه مرة أخرى. في هذا الوقت، كان هناك عدة محاولات لإيجاد صفات معينة ترتبط برسن معين. غير أنها ظلت غير مكتملة.
لقد تعامل العرب مع العديد من الأرسان؛ كان هناك المئات، ولكن قليلاً منهم أصبحوا مشهورين. في وقت محدد من التاريخ، كانت الخيول العربية تدعى في البلدان العربية “كحيلان”، لقد أُعطيت هذا الاسم من الناس؛ لأن هذا النوع من الخيل كان لديه جلد أسود واضح للغاية حول العينين والخطم، ولكن في الحقيقة لقد كان الجلد الذي يغطي جسمهم جميعه أسود تحت الفراء.
وكلمة “كحيلان” مشتقة من “كُحل”، وهو اللون الذي يوضع حول الأعين، يستخدم غالباً من قبل النساء العربيات. اليوم هذا اللون الداكن للجلد يسمى “ صبغة ”. في وقت لاحق – حدث كل هذا قبل وقتنا ببضع مئات من السنين– أصبحت بعض هذه الأفرس مشهورة لسبب أو لآخر، واكتسبن سمعة محترمة. لقد سمى بدو الصحراء خيولهم وفقاً لخصائص معينة، السلوك أو اللون، مثل: الفرس الزرقاء، الفرس ذات المعرفة الطويلة ..إلخ، فقط في وقت لاحق في المناطق الحضرية من شبه الجزيرة العربية، مثل سوريا والعراق تم إستخدام أسماء تطلق على البشر في تسمية الخيول، مثل لبنى وشريفة.
بعض من هذه الأفرس الشهيرة أسسن عائلات كبيرة؛ هذه الأفرس كان يطلق عليهن “الأفرس المباركة” حيث كنّ غزيري الإنتاج. مثل هذه الأفراس كان يطلق عليهن أسماءً خاصة، مثل “عبية” والتي ترمز إلى “الفرس ذات رفعة الذيل العالية التي ظلت “عباءة” راكبها معلقة عليه، حينما وقعت من على كتفه خلال العدو السريع ” وبهذا الاسم أصبحت فرساً مؤسسة لرسن جديد بنفس الاسم. وكان هذا يحدث بسهولة أكبر إذا ما كان مالكها رجلاً ذا مكانة في حياة الصحراء. فرس أخرى كانت تدعى صقلاوية وهي الفرس المؤسسة لرسن “ صقلاوي”، وهو رسن مشهور مازال موجوداً حتى اليوم.
الخلاصة، هي أن جميع الأرسان المعروفة إنحدرت من سلالة “الكحيلان” ومن ثم بدأت حياتها الخاصة في التاريخ. كانت هناك بعض الأرسان البارزة والتي تدعى بـ “الأرسان الرئيسية ” مثل التي تم ذكرها من قبل – صقلاوي، هدبان، عبيان إلخ– وهذه تنقسم مرة أخرى إلى أرسان فرعية ذات أهمية أقل فيما يتعلق بالسمعة والإحترام بين المربين البدو.
إن اللون الداكن حول الخطم والعينين كان السبب في تسمية العرب الحصان العربي نقي السلالة” بالكحيلان” كل هذه العادات والتقاليد يمكن إعتبارها نظاماً للتسجيل مبني على أساس خط نسب الأم فقط، وهو أمر محمود اليوم في هذا السياق وبهذه القيمة المتوارثة – ولكن ليس أكثر من هذا.
لاوجود لعلاقة مبررة بين النوع والرسن بشكل عام.
وأخيراً وصل كارل رضوان بهذا التساؤل إلى نظرية: بناء على ما توصل إليه، وضع رضوان مفاهيماً محددة للخيول العربية التي تنتمي لرسن صقلاوي، كحيلان، هدبان، عبيان، معنقي، أو دهمان. وكتب هذه النظرية ثم نشرها، وقد تبنى مربو الخيول المصرية – في وقتنا هذا– هذه النظرية. وقد تم شرح مبدأ رضوان والترويج له في ندوات وعروض شهيرة بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد وجدت هذه النظرية مؤيدين كثيرين، ولكن وجدت أيضاً معارضين بنفس العدد أو أكثر. وحتى يومنا هذا، لا يوجد إجماع ولا يمكن لأحد أن يدّعي أنه طبق هذا النظام في برنامجه للتربية لتقديم برهان معين. ولجعل هذا النظام أكثر مرونة، فهو يؤيد تطبيق تناسل الخط الواحد كشرط إضافي لمبدأ علاقة الرسن والنوع والحاجة إلى تعداد مغلق محدود في العدد.
ولكن بتطبيق كل هذه القيود، فإن النتيجة تتلخص في مبدأ للتربية في بعض العائلات المعينة. وهو أن الحصان الذي ينتمي لمثل هذه العائلة وينتمي أيضاً لرسن معين، هو مجرد أمر متعلق بالأنساب كما شرحنا بالأعلى. ومع ذلك، فإن مثل هذا المبدأ الذي يقوم على أساس العائلة، ينتمي إلي فئة مختلفة تماماً، بناءاً على معرفة علمية حديثة لتطوير خطوط نسل نقية بصفات وراثية معينة يمكن التنبؤ بها.
الخلاصة
أ- إن نظام النسب التقليدي مازال مستخدماً، وهو نظام تسجيل بسيط موروث من تقاليد البدو.
ب- ليست هناك علاقة مبررة بين الرسن والنوع، وإذا ما خضع الأمر لشروط معينة داخل برنامج تربية مغلق على أساس عائلة معينة، فإن هذا الأمر بشروطه وبتعريفه هو شئ آخر ليس له علاقة بالرسن.
ج- يستخدم الكثير من المربين تعريفات أنواع الخيول العربية، مثل كحيلان أو صقلاوي، كتعربف قياسي للخيول التي لها سمات معينة وتكوين معين ليجعلوا من السهل على المربين وتلامذة التربية فهم نوع الحصان الذي أمامهم. وهذا التطبيق الأخير يظهر مدى صعوبة إيجاد معيار واحد عام مقبول ليطبقه الحكام في مسابقات الجمال.