السؤال:
أنا طبيب بيطري و قد سمعت من أخ لي عن حديث من الأربعين النووية ذكر فيه نهي عن تأجير الفحل في البهائم لتخصيب الإناث و نحن لدينا في مهنتنا ما يسمي بالتلقيح الصناعي و يقوم على تجميع السائل المنوي من ذكر ممتاز الصفات و يوضع في أمبولات و تباع لتخصيب الإناث صناعيا، فهل ينطبق حكم تأجير الفحل على التلقيح الصناعي أم لا ؟
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث الوارد في النهي عن بيع عسب الفحل وضرابه في الصحيحين وغيرهما، وقد اختلف أهل العلم في حكم ذلك، فمنهم من رخص فيه، ومنهم من كرهه، ومنهم من حرمه.
قال ابن المنذر في الإشراف: قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل، واختلف أهل العلم في الرجل يستأجر الفحل لينزيه مدة معلومة بأجرة معلومة فرخص فيه قوم وكرهه آخرون، فممن رخص فيه الحسن وابن سيرين، وأجاز ذلك مالك. انتهى.
وفي المدونة: يجوز أن يستأجر الفحل لينزيه أعواما أو أشهرا معلومة، أما أن يستأجره لينزيه حتى تعلق الرمكة، فذلك فاسد لا يجوز. انتهى.
وقال ابن المنذر: وقد روينا عن أبي سعيد الخدري والبراء بن عازب أنهما كرها ذلك، وقال أبو ثور وأصحاب الرأي: لا يجوز ذلك، وهو يشبه مذهب الشافعي.
قال ابن حجر في الفتح: وعلى كل تقدير فبيعه وإجارته حرام لأنه غير متقوم ولا معلوم، ولا يقدر على تسليمه، وفي وجه للشافعية والحنابلة تجوز الإجارة مدة معلومة فلا بأس؛ كما يجوز الاستئجار لتلقيح النخل.
وفي عون المعبود قال: نهى عنه للغرر لأن الفحل قد يضرب وقد لا يضرب وقد لا يلقح الأنثى.
وبناء على هذه الأقوال كلها وما عللت به المنع عند من منع أو كره، فإن الصورة المذكورة في السؤال خالية من تلك العلل لأن الماء معلوم ومقدور على تسليمه ولا جهالة فيه ولا غرر فيجوز بيعه وتموله، وإن كان الأولى القول بكراهة ذلك لأنه في بعض الروايات كما عند النسائي وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الحجام وعن ثمن الكلب وعن عسب الفحل. وصححه الألباني. فهذا يدل على أن عسب الفحل خبيث يكره أخذ الأجرة عليه كأجر الحجام، فقد أعطى صلى الله عليه وسلم للحجام أجرته مما يدل على جواز ذلك، ونهى عنه مما يدل على الكراهة، وكذلك هنا فثمن ماء الفحل مكروه ولكنه قد يقال إن المأخوذ في الصورة المذكورة ليس ثمنا للماء وإنما هو أجرة للفعل المصاحب لذلك من أخذ الماء وتجميعه وحفظه وحقنه وغير ذلك مما يصحب تلك العملية من أعمال.
والله أعلم.