كتبنا في هذه الصحيفة من قبل مقالا عن ألوان الخيل العربية، بشيء من التفصيل. وخضنا في آخر عن جينات لون الغطاء الطبيعي للخيل، في عدة أجزاء. ووثقنا في ثالث مستفهمين عن تأثير ألوان الخيل على سلوكها. واليوم، وفي حلقات؛ نتناول كل لون على حدة، بجميل من التفصيل، ورد في كتاب (نخبة عقد الأجياد في الصافنات الجياد) للجزائري، ممزوج بأبيات من الشعر بليغة، لعلها تفيد القاريء، وتروح عنه..
فإذا ما بدأنا بالأشقر، فإن أنواعه ستة: مذهب وخلوقي ومدمي وأمغر وسلقد وورد، فالأشقر المذهب هو الذي تعلو شقرته صفرة، والخلوقي هو الذي اشتدت شقرته وعلتها صفرة كلون الزعفران، والمدمى هو الذي تعلو شقرته حمرة، لا كالكميت، وأصول شعره كأنها خضبت بالحناء، والأمغر هو الذي ليس بناصع الحمرة ولم تشب شقرته بصفرة. والسلقد هو الصافي الخالص ويسمى قرفي، والورد هو الذي تعلو الحمرة إلى الشقرة الخلوقية، وأصول شعره سود، فإذا كان في ذنب الأشقر بياض يسمونه أشعل، ويتشاءمون منه.
قال زيد الخيل في فرسه الورد:
ما زلت أرميهم بشكة فارس … وبالورد حتى أحرثوه وبلدا
وقال ابن نباتة:
وورد من العرب منسوب ولا قطعــت … أيدي الحوادث من أنسابه شجره
إذا امتطى ظهره، رامي السهام مـضى … والسهم حد، فلولا سبقه عقره
عجبت كيف يســمـى ســابــحاً ولــــــه … وثب لو البحر أرسى دونه ظفره
لــــمــــــا تــرفع عن نـد يســـــــابقـــه … أضحى يسابق في ميدانه نظره
والأشقر الورد، إذا اشتملت شقرته، على شهبته، يقال له أغبر. وقد ورد في الأشقر أحاديث وآثار تدل على فضلها. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “يمن الخيل في شقرها”.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب من الخيل الشقر، وإلا فأدهم أغر محجل، ثلاث طليق اليمنى. وحكى ابن النحاس، أن سليمان بن عبد الملك، سأل يوماً بن نصير فاتح المغرب والأندلس، عن حروب الأمم التي حاربها، ما كنت تفزع إليه عند الحرب؟ قال: الدعاء والصبر، قال: فأي الخيل رأيت أصبر؟ قال: الشقر.
وقال المتنبي:
فأصبح يجتاب المسوح مخــافة … وقد كان يجتاب الدلاص المسردا
تمشي به العكاز في الدير تائبـاً … وما كان يرضى مشي أشقر أجردا
وما تاب حتى غادر الكر وجهه … جريحاً وخلى وجهه النقع أرمدا
وقال اسحاق ابن خفاجة:
ومشى يتيه بها اختيالاً أجـــــــــرد … في شقرة لو سال سال نضارا
تسترقص الأعطاف من طرب به … شية تدور على العيون عقارا
لو كنت شاهده وقد ملأ الفضــــــا … ركضاً وسد على الكميّ قفارا
لرأيت فيما قد رأيت وقــد بـــــــدا … ناراً تكون إذا جرى إعصارا
يستعطف الأسماع إطراءً لـــــــه … في صورة تستعطف الأبصارا
وقال:
ومطهم شرق الأديم كأنـمـــــــا … ألفت معاطفه النجيع خضابا
طرب إذا غنى الحسام ممـــزق … ترب العجاجة جيئة وذهابا
قدحت يد الهيجاء منه بارقـــــاً … متلهباً يزجي القتام سحابا
ورمى الحفاظ به شياطين العدا … فأنقض في ليل الغبار شهابا
بسام ثغر الحلي تحسب أنــــــه … كأس أثار بها المزاج حبابا
وقال أيضا:
وحن إليه كل ورد محـــجـــــــــــــــل … كأن لجيناً سال منه على تبـــــــــــر
يجول فتجري في عنان، به الصـــبــا … ويزخر في لبد به البحر في البــــــر
وأشهب وضاح تحمل رقــــعـــــــــــة … من الحسن لم تعبر به العين في بسر
تخط سطور الضرب في صدره الظبا … ويعجمها وخز المثقفة السمــــــــــر
ويدرج منه السلم ما تنشر الــوغـــــى … فطوراً إلى طي وطوراً إلى نشــــر
وقال الصلاح الصفدي:
يا حسنهُ من أشقر قصــــرت … عنه بروق الجو في الركض
لا تستطيع الشمس من جريه … ترسمه ظلاً على الأرض
وقال آخر:
تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد … سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشقر خنذيذ يجر عنانــــــــه … إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا