لأنه أوتى جوامع الكلم.. ولأنه أبلغ البشر لسانا.. ولأنه أحب هذه المخلوقات الأصيلة؛ فإننا لن نتجاوز كلامه صلى الله عليه وسلم، عنها، ولو كان ذكرا عابرا. ففي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: “صليتُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فكنا إذا سلمنا، قلنا بأيدينا: السلامُ عليكم السلامُ عليكم، فنظر إلينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: ما شأنُكم؟ تُشيرون بأيديكم كأنها أذنابُ خيلٍ شُمُسٍ؟ إذا سلم أحدُكم فليلتفت إلى صاحبِه ولا يومئْ بيدِه”.
يقولُ جَابِرُ رضي الله عنه: ” صَلَّيْتُ مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فكُنَّا إذا سلَّمنا قُلنا بأيدينا، أي: أَشْرنا بها عندَ قولِنا: السَّلامُ عليكم، السَّلامُ عليكم, فنَظَر إلينا “، أي: إنكارًا عليهم وعلى ما يفعلونه في الصَّلاة، فقال: “ما شأنُكم؟ تُشيرون بأيديكم كأنَّها أذنابُ خَيْلٍ شُمْسٍ”، أي: تلوِّحون برفعِ الأيدي رفعًا مُنكَرًا كأنَّها ذُيولُ الخَيْلِ المُختَالَةِ، الَّتِي لا تَستقِرُّ ذُيولُها، بل هي دائمةُ الحركةِ، والمرادُ: النَّهيُ عن رفعِ الأيدي عندَ السَّلامِ والخروجِ مِن الصَّلاةِ، لأن ذلك قد لا يَتناسَبُ مع هَيْبَةِ الصَّلاةِ وما يجبُ أن يَكونَ فيها مِن الخُشوعِ. ثمَّ قال:” إذا سلَّم أحدُكم فَلْيَلْتَفِتْ إلى صاحبِه ولا يُومِئْ بيدِه”، أي: عندَ السَّلامِ والخُروجِ مِن الصَّلاةِ يَلتفِتُ بوجْهِهِ عن يَمينِه وشِمالِه ويقولُ: السَّلامُ عليكم، مع السَّكِينَةِ وعدمِ تحريكِ الأيدِي.
وتكون ذيول الخيل دائمة الحركة، لأنها تدفع بها الحشرات والذباب عن جسدها، فالذيل هنا بمثابة آلة تتحرك يمينا ويسارا بهدف الحماية، وهذا يوافق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” لا تقصُّوا نواصي الخيلِ ولا مَعارفَها ولا أذنابَها فإنَّ أذنابَها مَذابُّها …”. وقد قيل قديما إن الخيل سميت بهذا الاسم لأنها تختال في مشيتها، بمعنى أن اسمها اشتق من الخيلاء. لكن يبدو من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم أن هنالك علاقة وطيدة بين حركة الذنب والخيلاء!.
قال علي بن موسى العنسي – مؤرخ وشاعر وأديب:
ولكم سرينا في متون ضوامر … تثني أعنتها من الخيلاء
وقال بشار بن برد:
والخيل شائلة تشق غبارها … كعقارب قَد رفعت أذنابها