قد يظن البعض أن القصص العجيبة التي تروي عن هذه المخلوقات الصبورة؛ مجرد روايات تحكى. لكن قصصنا هذه تم نقلها من كتاب مؤلفه فارس وأديب وشاعر. إذن فقد اكتمل المشهد؛ فقد عاش الفارس فصول الرواية محاربا على صهوات الخيل، ثم عرف كيف ينقلها للناس بحكم ذخيرته الأدبية..
فمن كتاب (الاعتبار) للأمير أسامة بن منقذ، الملقب بـمؤيد الدولة، والذي يكنى بأبي المظفر. عربي كناني، من أمراء بني منقذ، وهم أسرة عريقة، اشتهر كثير من رجالها بالفروسية والشعر والأدب. وهو أحد قادة صلاح الدين الأيوبي. شب شجاعا لا يخاف المخاطر، وجريئا لا يهاب المعارك. من هذا الكتاب ننقل ثلاث قصص قصيرة في نصوصها، لكنها كبيرة جدا في مدلولاتها ومعانيها..
يقول الأمير أسامة: ومن حسن صبر الخيل أن طراد بن وهيب النميري حضر القتال بين نمير، وقد قتلوا علي بن شمس الدولة سالم بن مالك والى الرقة وملكها، والحرب بينهم وبين أخيه شهاب الدين مالك بن شمس الدولة، وتحت طراد بن وهيب حصان له من أجود الخيل له قيمة كبيرة، فطعن في خاصرته، فخرجت مصارينه، فشدها طراد في السموط (جمع سمط، والسمطُ السير يعلَّق في مؤخَّر السرج تشد به الأَشياء) لا يدوسها فيقطعها، وقاتل حتى انقضى القتال فدخل به إلى الرقة فمات!!.
ويقول أسامة: جرح تحتي حصان في قتال عند حمص، شقت الطعنة قلبه وأصابه عدة سهام، فأخرجني من المعركة ومنخراه يدميان بالدم كالعزلتين (العزلا: مصب الماء من الراوية) وما أنكرت منه شيئا، وبعد وصولي إلى أصحابي مات!!.
ويقول أيضا: جرح تحتي حصان في بلدة شيزر في حرب محمود بن قرجا ثلاثة جراح وأنا أقاتل عليه، ولا أعلم والله أنه قد جرح لأني ما أنكرت منه شيئاً!.
ولا نجد ما يشبه ذلك إلا وصف عنترة بن شداد لجواده في الحرب، حينما قال:
يدعون عنتر والرماح كأنها … أشطان بئر في لبـان الأدهم
ما زلت أرميهم بثغرة نحره … ولبانه حتى تسـربل بالـدم
فازور من وقع القنا بلبانه … وشكا إلي بعبرة وتحمحـم
لو كان يدرك ما المحاورة اشتكى … ولكان لو علم الكلام مكلمي