نشرت بعض وسائل الإعلام في بداية أغسطس الجاري أن وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية بشرت ملاك ومربي الخيل العربية بإصدار أول ترخيص لمشروع مركز تلقيح اصطناعي ونقل أجنة لمستثمر سعودي، حيث ذُكر أن الهدف من المشروع هو تحسين سلالات الإنتاج الحيواني المحلية، والمحافظة على السلالات ذات الصفات الوراثية المميزة، إضافة إلى رفع الإنتاج من الحيوانات التي تحمل الصفات الوراثية المنتقاة، وغيرها من الأهداف. فما نظرة الإسلام للتلقيح الاصطناعي ونقل الأجنة الذي سوف تشرع المملكة في بناء مركز له في المستقبل القريب، وما فوائده المرجوة..
سئل سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين، رحمه الله، عن ثلاث صور مما يسمى بالتلقيح الصناعي بين الحيوانات وبخاصة الخيل وهي :
- الصورة الأولى: تتمثل في نقل الحيوان المنوي من ذكر الخيل ووضعه في رحم أنثى الخيل لتلقيحها .
- الصورة الثانية: نقل البويضة من رحم أنثى الخيل بعد تلقيحها لوضعها في رحم فرس أخرى لتنمو وتتكامل خلقتها فيها .
- الصورة الثالثة: أن تؤخذ البويضة من رحم الفرس والحيوان المنوي من الذكر، ويتم تلقيح تلك البويضة بذلك الحيوان في أنبوب صناعي ثم يعاد وضعها بعد ذلك في رحم الفرس .
فكان الجواب:
الأصل والمعروف أن يَنْزُوَ الذكر على الأنثى؛ سواءً من الخيل أو البقر أو غيرها، ويتم عادة الحمل المعتاد ويحصل التناسل. فأما هذه الصور فهي شيء جديد لم يتعرض له العلماء، ولا أذكر أن أحداً من الفقهاء نص على حكمه منعاً أو إباحة، وحيث أن هذا أصبح شيئاً معتاداً معمولاً به، وأنه مفيد يحصل به التناسل، فنرى أنه يكون مباحاً، وإن كان في النفس منه شيء؛ لأنه يستلزم مس عورات هذه الدواب وإدخال الأيدي أو الآلات في أرحام الإناث وما أشبه ذلك، مما تشمئز منه النفوس. والله أعلم .
يرى الكثيرون أن أول من استخدم هذه التقانة هو أحد شيوخ العرب في عام 1322م لتلقيح فرس له. وفي عام 1909 أسس الفيزيولوجي الروسي إيليا إيفانوف أول مختبر للتلقيح الاصطناعي، واستخدم هذه التقانة في الخيل والأبقار والأغنام، حيث قام هو وزملاؤه بجمع السوائل المنوية من ذكور الأنواع المذكورة .
أعقب ذلك اكتشافات وتطورات مهمة في مختلف مجالات فيزيولوجية التناسل، وتأسست أول جمعية للتلقيح الاصطناعي في الدنمارك عام 1936، وتلتها جمعيات مماثلة في كثير من البلدان. ولعل من أهم المكتشفات في مجال التلقيح الاصطناعي ما يتعلق منها بتمديد السائل المنوي وحفظ خصوبة النطاف بالتبريد.
هنالك العديد من الفوائد التي يمكن أن تجنى من خلال هذه التقنية، منها على سبيل المثال: عدم الحاجة إلى اتصال جسدي بين الفحل والفرس مما يقلّل من مخاطر الإصابة الجسدية والأمراض الجنسية. كما أنه يسمح بالاستفادة إلى أقصى حد ممكن من السائل المنوي المتوفر لدى الفحل، حيث إن كمية السائل المنوي المستخدمة لتلقيح فرس واحدة من خلال تشبية الفحل للفرس تكفي لتلقيح العديد من الأفراس عن طريق التلقيح الصناعي. بالإضافة إلى القدرة على القيام بجميع التحاليل اللازمة للسائل المنوي المجمع وتجهيزه لمرحلة التلقيح مما يساعد على تحسين جدوى وقدرة الحيوانات المنوية على الحركة، والكشف المبكر عن مشاكل العدوى والأمراض مما يسهم في الحفاظ على صحة وخصوبة الفحل وارتفاع نسبة معدلات الحمل.
عندما تتم عملية نقل الأجنة على يد أصحاب الخبرة والاختصاص فإنها تتحقق دون آثار سلبية، وتسمح للفرس بإنتاج العديد من الأمهر خلال الموسم الواحد ومن فحول مختلفة. كذلك تمكن عملية نقل الأجنة من الإنتاج من الأفراس غير القادرة جسدياً على الحمل. وهناك المزيد من المزايا الأخرى الناتجة عن عملية نقل الأجنة تتمثل بالقدرة على الإنتاج من الأفراس الأصغر سناً (غير مكتملة النضج). بالإضافة إلى أن هذه العملية تمنح الفرصة للفرس من الإنتاج دون أن يمنعها ذلك من ممارسة نشاطاتها الاعتيادية والمشاركة في البطولات و المسابقات. ولا تسبب عملية نقل الأجنة أي مخاطر على الفرس وقدرتها على الإنجاب مستقبلاً، عندما تتم هذه العملية وفق إجراءات منظمّة وبوساطة شخص مختص ذي خبرة.
وفيما يخص عمر الفرس فيمكن أن تخضع المهرة لعملية نقل الأجنة بدءاً من عمر السنتين إلى نهاية عمرها مادامت قادرة على إنتاج الأجنة. وتختلفٍ معدلات الإنتاج في المهرات بعمر السنتين باختلاف نسبة البلوغ والنضج عند هذه المهرات، ولكن بعض المهرات قادرة على إنتاج الأجنة كالفرس الناضجة.
بالنسبة لمدى تأثير عملية نقل الأجنة في الجينات الوراثية للسلالة العربية فلا يعتقد أن هناك أي تأثير قد يصيب النمط الوراثي من خلال عملية نقل الأجنة، وإنما قد يحدث ذلك بحسب التوجهات والأساليب التي يتبعها المربين بغية الحصول على صفات معينة بالخيل، طبقاُ للمعايير المعاصرة المتغيرة، ورغبة المربين والملاك بالمنافسة. لذلك ينبغي الانتباه إلى كيفية إتخاذ قرارات الإنتاج وعدم الاعتماد على سلالات و دماء معينة والتركيز عليها، أو استخدام بعض الفحول بطرق زائدة عن نطاق المعقول.
وفيما يخص تجميد السائل المنوي فإن العديد من الدراسات والأبحاث برهنت أن هذه العملية بسيطة نسبياً شريطة أن تتم بوساطة فنيين مؤهلين. وهذه العملية تسمح لمالك الفحل بتجميع وحفظ السائل المنوي لسنوات عديدة. حيث تمكن مالك الفحل من استخدام السائل المنوي المجمد في حالة عدم توفر الفحل للتلقيح لعدد من الأسباب، مثل: المشاركة في المسابقات، الإصابة أو النفوق.
يتم تحليل ومعالجة السائل المنوي بعد عملية التجميع، وذلك للحفاظ على أعلى معدلات الخصوبة لدى الحيوانات المنوية خلال عملية التبريد والتجميد، ثم يتم حفظ السائل بأنابيب (0.5) ملم وتخزينها بأمان ضمن حاويات تحتوي على غاز النتروجين السائل. وتستعمل وسائط حفظ تم تطويرها من قبل الباحثين العالميين. وهذه الوسائط الفريدة تقدم القيمة الأمثل من درجات الحموضة والأسمولية لحماية الخلايا والحمض النووي وتوفر الحد الأقصى من جدوى وخصوبة السائل المنوي بعد عملية الذوبان، مما يساهم في زيادة معدلات الحمل. ويمكن أن يبقى السائل المنوي مجمّداً لفترة غير محدودة شريطة الاحتفاظ بمستويات معينة من النتروجين السائل ضمن حاويات التخزين.