بقلم : د. ماجد الفريان
كتب أحد العباد إلى الإمام مالك – رحمه الله – ينكر عليه اشتغاله بالعلم ويدعوه إلى التفرغ للعبادة، فكتب له مالك – رحمه الله – : ” إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق ، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الجهاد ، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصدقة . ونشر العلم من أفضل أعمال البر وقد رضيت بما فتح لي فيه ، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه ، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر”.
أتذكر هذه المقولة الحكيمة كلما رأيت من يتعصب لطريقته في أي شيء، والتعصب داء لا تسلم منه هواية ولا ينجو منه نشاط، ومجتمع الخيل ليس بمعزل عن هذه التعصبات، ولو تأملنا لوجدنا لكل نشاط فروسي هواته ومحبوه، وهو مكون من فسيسفاء مختلفة ومتنوعة تتوزع أذوقها على الأنشطة المختلفة التي تمارس على صهوات هذه المخلوقات النبيلة.
قد يبدو للبعض -في الوهلة الأولى- أن الفروسية وعشاقها على قلب رجل واحد، ولكنَّ الواقع أنها أنشطة متعددة، ربما يتيه البعض هياما بنشاط معين وفي نفس الوقت لا تستهويه بقية الأنشطة.
على سبيل المثال ربما يكون الشخص عاشقا لسباقات السرعة لكنه لا يطيق منافسات القفز، وآخر محب لجمال الخيل العربي وعروضها لكنه في نفس الوقت لا يحب سباقات القدرة والتحمل، وقديما قيل “لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع”.
هناك تباين واضح في ميول عشاق الفروسية، ولا يمكن إجبار شخص على نشاط معين وهو غير محب له، وفي نفس الوقت لا ينبغي التقليل أو الإزراء بالأنشطة التي لا نحبها، فلكل نشاط فروسي جمهوره وعشاقه ومدارسه المختلفة في الركوب والتنافس.
ممارسات الركوب الحر في ميادين الجنادرية نشاط قديم له خصوصيته وعشاقه، وفيه المحترفون المتقدمون في الفروسية والتحكم بالخيل كما يتحكمون في أنفسهم على الأرض، وفيه المبتدئون، ولا يمكن التقليل من شأنه أبدًا، ومن حق أي شخص أن لا يعجبه هذا النشاط، لكن ليس ذلك مبرراً للانتقاص منه أو التهكم عليه أو الازدراء والسخرية التي تدخل من يمارسها في الكبر الذي نهى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم.
الفروسية عالم جميل ورائع ومنظر الخيل وهي تتنافس مشهد بديع يريح نفوس الكثيرين، فلماذا لا نستمتع بهوايتنا وعشقنا سواء كان في ميادين سباقات السرعة، أو في منافسات الدريساج، أو القدرة والتحمل، أو قفز الحواجز، أو عروض الجمال، أو الركوب الحر، دون أن نشغل أنفسنا بالاختلافات والتقاطعات بين هذه الرياضات، ودون أن نشغل غيرنا بالمقارنات بينهم وبين النموذج الغربي، فاحترام وجهات النظر مطلب، وفهم التنوع الفروسي خُلُق فروسي.
ليس بالضرورة أن أزدري الرياضة التي لا تعجبني أو أقلل من شأنها، فقلما تسلم رياضة من انتقادات المتعصبين ضدها، والخلق الفروسي هو احترام هذا التنوع، والانشغال بما ينفع، ولو استدعى الأمر للانتقاد فمرحبا بالنقد الأخوي الهادف، ومرحبا بالنقد الموضوعي، والكلام المنطقي، بعيدا عن الهجوم والتهكم والتحريض والنظرة المتعالية.
وهنا نتساءل: هل يلزمنا أن نوحد المجتمع الفروسي على سباقات السرعة أو بطولات الجمال أو غيرها؛ لأن الفروسية تختزل في هذه الطريقة؟
حين نرجع إلى عبارة الإمام مالك – رحمه الله – (كلانا على خير وبر) نصل إلى الإجابة: إن جميع نشاطات الفروسية مطلوبة ولها مسابقاتها العالمية والمحلية ونتمنى أن يوجد من أبناء البلد من يمثلنا خير تمثيل في جميع الأنشطة الفروسية، دون أن يعيب بعضنا على بعض، ولسان حال كل نشاط فروسي يقول: (كلانا على خير وبر) ما دمنا في حب الخيل.