خاص الأصالة ..
يعد الجواد بادرونز سايكي الرابط الأمثل بين خط الإنتاج القرن العشرين والواحد والعشرين، فهو أحد الأسامي البارزة اليوم لدى المربيين الأوروبيين. في ذكرى ميلاده الثلاثون جسد العلاقة بين الماضي والمستقبل من خلال إنتاجه.
ولد سايكي في مزرعة ميك بيليڤ رغم أنه تم تسجيله على أنه من إنتاج شركة مكفيرسون فاميلي ترست. تعود ملكية المزرعة لروبرت ستراتمور والذي يعتبر من أوائل المربيين للخيل العربية ذات السلالة الروسية خلال ثمانينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة. استورد ستراتمور والد بادرونز سايكي (بادرون) وأجداده من جهة الأم، (تامرلان) و (كيليفا)، بالإضافة إلى الأم منتجة سايكي (كيليكا). وفي عام 1988 ولد بادرونز سايكي حيث أثبت برنامج إنتاجه نجاحاً لامثيل له. وكان الإختلاف شاسعاً بين الأفحل الأبرز في مزرعة ميك بيليڤ وهما بادرون وتامرلان. ينحدر بادرون ابن باترون من نسل أسوان، ومن الأم أوديسا التابعة لمزرعة كرابت، ويتميز بادرون بمقدمة الرأس المقعر مثل والده و يكتسي اللون الكستنائي الذهبي ذو علامات بيضاء مثل والدته من سلالة عائلة رودانيا.
أمابالنسبة للجواد تامرلان فهو من إنتاج تيرسك، ينحدر من نسل الفحل البولندي اراكس والفرس البولندية ترابيسيا من إنتاج مزرعة كرابيت. يتميز تامرلان صاحب لون الكميت الداكن بتراكيب بارزة وقوائم أثبتت حضورها في ميادين السرعة في روسيا، ومقدمة رأس حادة. وتعود سلالة تامرلان من جهة الأم إلى أحد الأفراس التأسيسية من مزرعة كرابيت وهي (سوبها) من إنتاج المربي الشريف علي باشا. وتعد جدة تامرلان من جهة الأم (كيليفا) من إنتاج رواد الإنتاج الروسي في ألمانيا وهما هينري وسيلفيا غارد، وكان والدها (كيليماندشارو) ابن أسوان والأم (كابلكا) والذي يعتبر أحد أبرز الجياد المميزة في الهوية والتراكيب ومقدمة الرأس المقعر في الخيول الروسية العربية. وينحدر خط سلالة الأم من مزرعة كرابيت مرة أخرى، تحديداً لفرس الصحراء (دافينا) من سلالة عائلة (كحيلة كراش) النادر من نوعه.
يجسد (بادرونز سايكي) كل ما يطمح فيه بالنسبة لخط إنتاج مزرعة كرابيت،حيث يملك الجواد هوية وشخصية مميزة بتراكيب متناسقة. لطالما راودني إحساس لو كانت المربية الشهيرة (السيدة وينتورث) على قيد الحياة اليوم فمن المؤكد أنها ستحاول شرائه. وبالفعل تم شرائه من قبل عدة أشخاص، فقد انتقلت ملكيته لسبع مرات، خمسة منها خلال السنوات الست الأولى من حياته. حيث تم بيعه للمرة الأولى وهو فلواً، ثم بيع مرة أخرى في عمر السنة، ومجدداً في عمر الثلاث سنوات والأربع سنوات ثم في عمر الست سنوات. في عمر الثلاث سنوات انتقل لشركة (زهراء بلودستوك ) بالشراكة مع (فور ستار) للخيول العربية، وقام (ديفيد بوغس ) بإدخاله في بطولات لكنه لم يحقق لقب البطولة الأمريكية الوطنية، بل فاز في بطولة ريزيرف الوطنية في 1991 وأصبح الجواد الأصغر ذو الثلاثة أعوام الذي حاز على هذا اللقب. وقد حقق عدة ألقاب إقليمية مثل البطولة الإقليمية الخامسة للأفحل. وبعد قضاء ست سنوات تحت ملكية شركة (فيوتشورو)، تم شراؤه من قبل (روبرت و (ديكسي نورث) اللذان اربتطا به ارتباطاً وثيقاً وقضى أطول فترة معهم من أي مربي آخر في الولايات المتحدة.
يملك بادرونز سايكي سجلاً جيداً في بطولات الخيل العربية، لكنه ليس إستثنائياً، وسيتذكره المربين كفحل منتج في المقام الأول. وقد أثبت جودته كفحل ناجح للمربين (لوي وليندا ديفيدسون) و (واين نيوتون) بنتائج مميزة. وقد أنتجت عائلة ( ديفيدسون) المهرتان (فوكاس جاليانا) و (فوكاس سينيكا) وتم تصدريهما لأوروبا وأصبحت (فوكاس جاليانا) فرس إنتاج ناجحة في بريطانيا. في عام ١٩٩٣، أنتجت مزرعة (زهراء) المهرة (سايكس أمبر جيم) وهي أحد بناته الأكبر سناً ومن الأم الفرس المصرية (ايه كيه زابية)، وقد حققت العالمية كمهرة وكفرس وأول فائز عالمي من نسل (بادرونز سايكي). ومن بين أبنائه البارزين في تلك الفترة (اف اس ريتز) والذي تعود ملكيته لمزرعة زهراء و فور ستار والذي حقق بطولة سكوتسديل عام ١٩٩٧، و (بادرونز إميدج) الحائز على البطولة الفرنسية الوطنية، و ( ايم بيارد كاثاري) والد حامل لقب البطولة الذهبية الأوروبية والفحل الفائز بالميدالية البرونزية في بطولة العالم.
قضى بادرونز سايكي سنواته الأكثر نشاطاً كفحل إنتاج ما بين 1995 إلى 2005، وأنتج أكثر من 1200 فلواً في تلك الفترة، العديد منهم أصبح نجماً لامعاً مثل ابنه الأكثر نجاحاً (ماغنوم سايكي) والذي ولد عام 1995 وابن الفرس الاسبانية (آ فانسي ميراكل). أكمل (ماغنوم سايكي) مسيرة نجاحاته تماماً مثل والده وجده حيث أحرز لقب بطولة سكوتسديل والبطولة البرازيلية الوطنية والأمريكية الوطنية. وأحد أبرز أبنائه هو الأسطورة (دبليو اتش جستس) الذي أسهم إنتاجه في استمرار سلالته وانتشارها حول العالم. هناك العديد من أبناء (ماغنوم) اللذين حققوا نجاحاً مثل ا(يه بي ماغنوم) في أمريكا الجنوبية، و (ماغنوم فورتي فور) في أستراليا، و (إم سي ايه ماغنوم) في الشرق الأوسط، لكن لم يستطع أحد منهم منافسة (دبليو اتش جستس). في بعض الأحيان يبرز لنا فحلاً واحداً ضمن جيله هو الجواد المثالي والأبرز من بينهم، (ماغنوم سايكي) هو أحد هؤلاء. فـ (بادرونز سايكي) ليس الإبن الأبرز من نسل (بادرون)، والأمر كذلك بالنسبة لـ(ماغنوم سياكي) من نسل (بادرونز سايكي)، وأيضاً (دبليو اتش جستس) لـ(ماغنوم سايكي)، فكل الأدلة ترجح أن الجواد (عجمان مونسيون) هو الحلقة التالية في هذه السلسلة القوية للفحول المميزة.
قالت ديكسي نورث: “رأيت الدموع تنهمر من أعين الناس عند لقائهم الأول بسايكي، فكان دائماً يترك مشاعر عاطفية لكل من يتعرف عليه“. والجدير بالذكر هنالك العديد من أبناء سايكي يستحقون الذكر ويتقدمهم الجواد (إنزو) الذي ولد عام 1999 من إنتاج الدكتور (فيليب ديل بوزو) و (برينت ستون)، وكان الأكثر شبهاً بوالده من بين كل أخوانه، ولكن للأسف نفق (إنزو) في عام 2016، و خلف وراءه أساطير من سلالته مثل البطل البولندي (إيدن سي) المملوك لمربط السيد والذي نفق مؤخراً، والجواد (العماري) فحل مربط (ميكالو)، بالإضافة لـ(سايمادري) من إنتاج (كينيث) و (دونا توب) الذي ولد في نفس عام (ماغنوم سايكي) وهو الآن فحل إنتاج ناجح. ويجدر بنا الإشارة لنسل بنات سايكي المميزات مثل (ان دبليو سيينا سايكي) وهي من إنتاج (روث) و (مايكل دو)، وهي والدة (برزان الشحانية)، و (أو اف دبليو سيلهويت) من إنتاج (هارولد) و(دولي أور)، وهي والدة حامل لقب بطولة الأمم وبطولة العالم الذهبية الجواد (إي كي اس أليهاندرو) الذي شق طريقه ليصبح أحد أفضل أساطير الأفحل.
أحد الأمور الواضحة من خلال إلقاء نظرة سريعة على سلالة (بادرونز سايكي ) أنه فحل إنتاج ينجح مع عدة أفراس من دماء مختلفة بما في ذلك السلالة الإسبانية والبولندية والروسية والمصرية والأمريكية المختلطة، وأصبح بالفعل فحل منتج يضيف لكل من يرغب في نسله.
على الرغم من أن (بادرونز سايكي) من إنتاج أمريكي إلا أنه أثبت حضوره كحصان أوروبي وكان يتمتع بشعبية كبيرة في أوروبا منذ البداية، حيث وصلت ذريته إلى أوروبا منذ بداياته كفحل إنتاج، وكان (بادرونز إميدج) أحد أول أبنائه في أوروبا لكنه لم يحقق نجاحات هناك وتم بيعه للمملكة العربية السعودية حتى نفوقه في عام 2009.
في عام ١٩٩٨ ولد الجواد المعروف (ستيدل) وهو من إنتاج (بوب بوغس) ثم إنتقل إلى بلجيكا (جيمس سواينيبويل) واللذي مازال يملكه حتى يومنا هذا. أثبت (سيتدل) حضوره في البطولات وكان مهراً ناجحاً ثم أصبح أحد أبرز الفحول المنتجة في أوروبا حيث كان نفوذه جلياً كفحل إنتاج ومن أبرز ذريته الراحل (الأمين ) الحائز على ألقاب وبطولات عدة. وتضم قائمة أبناء (ستيدل) كل من (فاينال شادو) و (ساي دريم) الفائزان بلقب البطولة البريطانية الوطنية للأفحل، وواصل (ساي دريم) مسيرته ليصبح أباً وجداً لأبطال في منافسات البطولة البريطانية الوطنية مثل (موناركوس دي دي) الذي تعود ملكيته للمربط الأردني الملكي، والفحل العالمي (سايراسيك) من إنتاج (غيستوت أوسترهوف) في ألمانيا وهو حالياً مستقر في إيطاليا. وبالطبع أشهر من نار على علم الفحل الواعد (اس ام ايه ماجيك ون) التابع لمربط الزبير. وأثبتت سلالة (ستيدل) نجاحها في المسابقات الفروسية كذلك، مثل (باتروس اتش بي) في بريطانيا، و (سايمبلي ريد دي دي) في بلجيكا، و (اتش توباغو) الذي يشبه جده إلى حد كبير (بادرونز سايكي) وله شعبية كفحل بين المربين في بريطانيا.
تمكن بعض المربين الأوروبيين من إنتاج خيول من سلالة (سايكي) بفضل اللقاح المشحون حول العالم، وهناك اثنين من أبرز الفحول من ذريته تم إنتاجها من قبل (هانس ترومر) في النمسا، وهما (سايكيس أمباسادور) و (ساينيرجي) كلاهما من أفراس روسية. الأول حقق نجاحات في مسابقات إقليمية وعالمية والثاني أثبت جودته كفحل منتج في بريطانيا وتعود مليكته لمربط (بايتشان). وتعتبر الفرس (سيادة بنت سايكي)، وهي من إنتاج (جيه سكولز) في بريطانيا، ابنة الفرس البولندية الشهيرة (زانيتا) وهي أحد أهم الأفراس المؤسسة في مربط (ساكس) في ألمانيا، وبعد مشاركتها في مسابقات المهرات أنتجت الفحل (ساديشو ابن استاشان) الفائز في البطولة الألمانية الوطنية للأمهار، ثم أصبح بعد ذلك فحلاً ناجحاً في بريطانيا ومن أبرز أبنائه نجم سباقات القدرة (ساياد)، وله ابنتان أيضاً. الجدير بالذكر أن المرابط البولندية كرست جهودها للاهتمام بـ(إنزو) إبن سايكي، وحفيده (إيدين سي) وحصلوا على نتائج مبهرة، ومع الزمن أصبح (سايكي) مشهوراً لدرجة كبيرة حيث تم نقله إلى أوروبا في مناسبات عدة لتقديم عروض خاصه.
وفي عام ٢٠٠٩ انتهى به المطاف واستقر في أوروبا موطنه الدائم حيث تم بيعه للمرة الأخيرة واشتراه (بول غيسينز) افي بداية تأسيسة لمربط (نوك) في بلجيكا. وقد قضى مدة من الزمن في البداية في مربط (جادم) حيث قصده الكثير من الزوار لرؤية هذا الحصان الشهير على الطبيعة، لكن مسيرته انتهت بعد تعرضه لمرض المغص الذي تطلب عملية جراحية خطيرة. ولحسن الحظ تعافى النجم وشفي تماماً لكنه تقاعد من الإنتاج وتمتع بحياة هادئة في الأعوام الأخيرة في مركز (شوكنز) للتدريب مع اثنين من رفاقه وهما خيول صغيرة من نوع (شيتلاند). وقالت (مونيكا دوبرن) التي رعته واعتنت به على مدى السنوات الخمس الماضية،: “إنه حصان مميز حقاً، وأحد أكثر الخيول ذكاءً التي قابلتها في حياتي، فهو لطيف ولعوب وأحياناً مزاجي عندما يريد أن يكون لوحده مثل العجائز”، ويشتهر الجواد بإسم “الجد” في منزله الجديد، وأضافت مونيكا: “بالرغم من ذلك حالاته المزاجية لا تدوم طويلاً وإذا التفت عنه وتظاهرت بأنك سوف تغادر، فإنه يسارع إليك بوجه لطيف ونظرة تطلب منك البقاء معه ومداعبته”. ورغم أنه يبلغ من العمر 29 عاماً، ما زال سايكي يتمتع بصحة جيدة ويحب الإستعراض للزوار، وتقول مونيكا: “يحب عندما ينظر إليه الناس، ويبدأ في إستعراض قوته وذكورته ويحاول تخويفهم ويضرب بسواعده الأمامية رغم أنها لا ترتفع مثلما كانت تفعل في السابق، كما يحب النظر للأعلى ومشاهدة العصافير والطائرات ويحدق إلى السماء بأعينه السوداء الجميلة، وأفكر ربما يرى شيئاً لا أراه”.
هناك أمر واحد مؤكد، هذا الفحل ليس لديه ما يثبت أكثر مما فعل، لقد استحق إعتزاله تماماً وفقده الجميع عندما أعلن خبر نفوقه عند آخر محطاته لدى مركز شوكن في بلجيكا بملكية نوك ارابيان.