بقلم: كريستا ليشتي-لاسير، ماجستير علوم الخيل | ترجمة الأصالة
هل يمكن أن نقوم بتدريب الخيول على نحو أكثر فاعلية وأخلاقيا من خلال تشكيل فهم أفضل للكيفية التي تعيش بها مع غيرها من الخيول الأخرى وكيفية تعلمها؟
نحن جميعا نعلم أن الخيول لا يمكن أن تجلس في مكتب وتدون ملاحظاتها حول كيفية تنفيذ حركات بقوائمها الأماميتين والخلفيتين تعبر عن البراعة والحفاظ على التوازن أو الوقوف بهدوء أمام البيطار. ولكن ثمة جدل في عالم الفروسية حول كيفية تعلم الخيول. هل يمكنها أن تعقل؟ وهل تعرف الأشياء من حولها؟ وهل يمكنها التفكير مليا عن الأشياء بعد تلقيها درس بشأنها؟ وهل تلتقط الإشارات الصادرة عن خيول أخرى؟
زرنا بعض الباحثين الذين يدرسون التعلم عند الخيول لمعرفة كيف يعمل عقل الحصان وما هي الأساليب التي يستخدمها لمعرفة ما نحاول أن نعلمه له. ومع فهم واضح لقدرات تعلمه، يمكننا حينئذ ضبط أساليب تدريبنا له لتحقيق تعاون بيننا يكون أكثر متعة وأخلاقية.
التجربة والخطأ: تكوين ارتباطات
الطريقة الأساسية في تعلم الخيول هي من خلال التعلم الترابطي. حرفيا، هو تكوين ارتباطات بين المنبهات والأحداث. تشعر الخيل بضغط على الرسن، فتخطو خطوة إلى الأمام، فيختفي الضغط. وهذا ما يسميه باولو براغلي، الباحث في جامعة بيزا قسم العلوم الفسيولوجية، في إيطاليا، والحائز على الدكتوراه في الطب البيطري، بالتواصل “الثنائي” بين الحصان وسائسه. وبعبارة أخرى، هي كل شيء عند تدريب الحصان يرتبط بنعم ولا. نقول للحصان من خلال وسائلنا: هذا هو ما نريد، أو هذا ما لا نريد.
ولكن كيف يمكنه حتى أن يعرف ما نريد؟ يقول أنجيلو تيلاتن، الحائز على ماجستير العلوم، ومدير دراسات الفروسية في كلية فالي ديلاوير، في دولستوون بولاية بنسلفانيا، إن كل شيء يتعلق بالشعور بالراحة. ويضيف قائلا: “انه فقط يحاول القيام بكل ما يلزم لإزالة الضيق الناتج عن فعل سائسه”.
وهنا يشير تيلاتن إلى التعزيز السلبي – ليس سلبيا لسوئه ولكن لغياب شيء ما. وفي حالة تدريب الخيول، يقصد به غياب الضغط. لذلك فعندما يكتشف الحصان فعلا يؤدي إلى وقف الضغط (مثل التحرك إلى الأمام عندما تسحب الرسن)، فإنه يتعلم أن يربط بين هذه الحركة والتخلص من ذلك الضغط. وهكذا هذا يشكل درسا يستفيد منه هذا الحصان.
ولكن لا يمكن للخيول أن تفترض أن الضغط على الساق يعني أمرها بأن تتحرك إلى الأمام، أو أن الضغط على السرج يعني الأمر بالتوقف (أو إذا كان يقود عربة، التحرك إلى الأمام)، أو أن الضغط على الزمام يعني أن تخفض رؤوسها. هذا ليس منطقهم، كما يقول مدرب الخيل المستند إلى العلم في تدريبه اندي بوث، الاسترالي الذي يعيش في نورماندي، فرنسا. ويضيف قائلا: إن منطقهم” – إذا أمكننا قول ذلك – هو التجربة والخطأ. ويقول أيضا: “إنها سوف تحاول الإتيان باستجابات مختلفة حتى تحصل على استجابة تؤدي إلى شعورها بالراحة”.
في الواقع، فقط لإثبات أن الخيول ليس لها افتراضات فطرية حول ما تعنيه تلميحات الإنسان، درج تيلاتن وبوث على عرض كلما هو “غريب” فيما يتعلق بالتعلم الترابطي على تلاميذهم من الخيول. فبوث، على سبيل المثال، علّم إحدى أفراسه لتحني رأسها عند التربيت على كفلها. وأما تيلاتن فهو يدرب الخيول بمدرسته على التحرك في اتجاه ضغط السوط على كتفه بدلا من الابتعاد عنه. وهذه الخيول تتعلم هذه الارتباطات في غضون دقائق. وبكل تأكيد يمكن أن يكون هذا الأمر غريبا بالنسبة لنا! ولكن للخيول، لا يبدو أغرب من التحرك إلى الأمام استجابةً لضغوط على الساقين.
التعود: إزالة الارتباطات
واستكمالا للتعلم الترابطي هناك منهج يسمى التعلم غير الترابطي – وهو ما نعرفه أيضا بالتعود أو إِزالَةُ التَّحَسُّس. إن التعلم غير الترابطي أمر بالغ الأهمية في تدريب الخيول لأمننا ولأمن خيولنا، فضلا عن رفاهتهم. فمن خلال التعود، تعلم الخيول أن لا تستجيب لبعض المحفزات.
ما هي المحفزات، هل لا تريد لحصانك أن يستجيب لها؟ هل هي رفرفة الأعلام، أم نباح الكلاب ، أم طقطقة المشمعات، أم أصوات الدراجات النارية المسرعة، أم أزيز مقص الحلاقة. هذه المحفزات هي أي شيء يشكل كابوسا كبيرا للحصان العادي غير المدرب – هذه القائمة يمكن أن تطول. وبقدر ما نود أن نعتقد أننا يمكن أن نقنع الخيول بمجرد “التفكير” حول واقع الأمور، من حيث أن جميع هذه المحفزات غير مخيفة في الواقع، إلا أن هذا الاتجاه ليس هو الطريقة التي تتعلم بها الخيول.
إذن من الأفضل أن نعلم الخيول عبر التعلم غير الترابطي. فإذا عرف الحصان أن تصرفاته لا تطرد المحفزات المخيفة، فسوف يلاحظ أنه ليس هناك أي ارتباط بين أي شيء يفعله ووجود تلك المحفزات. وفي نهاية الأمر، سوف ينتهي به الحال إلى ملاحظة ، كما نعلم حقا، أنه لا يوجد شيء مرعب في أزيز مقص الحلاقة.
يقول تيلاتن، لذلك، إذا كنت تحلق شعر حصانك، وكان يبتعد عن المقص، لا تتوقف عن الحلاقة وتوقف المقص ولكن هدئ من روعه قبل البدء مرة أخرى. بالرغم من أن ذلك قد يبدو وكأنه شيء جميل ومنطقي، إلا أنه ليس منطقيا للخيول. فالحصان يفهم الارتباط التالي: ابتعد عن الوحش الذي يصدر أزيزا، فيتوقف عن الأزيز. لذلك وطن نفسك وحافظ على تشغيل المقص حتى إذا تحرك الحصان مستديرا منه، وأوقفه فقط عندما لا يتحرك. ويضيف براغلي : (فعلى الأرجح سوف يتعلم أن هناك ارتباط بين وقوفه ساكنا وتوقف المقص عن العمل، وهذا شيء جيد).
ويقول بوث، ومع ذلك، إذا كان من الخطر القيام بذلك (لأن الحصان قد تعلم بالفعل الارتباط بين الاستجابات بالهروب وإيقاف المقص، على سبيل المثال)، فعليك أن تبدأ ببطء، ويضيف قائلا: “لا تحلق. فقط أدر ماكينة فرشاة أسنان كهربائية وأربط صوتها المزعج بتعزيز إيجابي (الغذاء و/أو حكة بلطف)، ولا تدع المسافة بين الصوت المزعج والحصان تطول بسبب استجابته بالهروب. وإذا كان الحصان يأخذ خطوة إلى الأمام، فاجعله يخطو إلى الوراء. شيئا فشيئا يمكنك تحريك جسمه إلى أعلى نحو رأسه، وكن دائما منتبها للارتباطات التي تعلمها له “.
ويقول تيلاتن إنه بالنسبة للحصان الذي كون بالفعل ارتباطا الاستجابة بالهروب والمقص أو غيره من المحفزات المخيفة، فإن الإيقاف المتكرر يعطيه انطباع بأنه يسيطر على الموقف. ويضيف قائلا: “طالما أن الحصان يقف ساكنا، احلق شعره لبضع ثوان، ثم توقف لبضع ثوان، ثم احلق ، ثم توقف، فسوف يعتقد أنه يوقف المقص بوقوفه ساكنا.”
التوقيت والدقة
في حين أن هذين الأسلوبين من أساليب التعلم قد يبدوان بسيطين بما فيه الكفاية لتطبيقهما، لكنهما في الواقع يشكلان الكثير من الضغوط النفسية علينا. تقول باربرا بادالينو، دكتوراه، من جامعة باري ألدو مورو، مدرسة الطب البيطري في إيطاليا: ” علينا أن نركز، وعلينا أن نتأكد من أننا قد راقبنا عن كثب جميع تفاصيل حركات الحصان، حتى نتمكن من مكافأته في الوقت المناسب فقط”.
وتقول باربرا إن الخيول حيوانات حساسة للغاية بطبعها ، كما تقول، وتتأقلم بسرعة مع الحركات التي تتطلب براعة فائقة – القدرة على البقاء على قيد الحياة في قطيع الحيوانات التي يجب أن تنقل إلى بعضها البعض إشارات الهروب بسرعة وحذر في حال وجود خطر.
وكما يقول تيلاتن، هذا يعني أنه ينبغي أن تكون إشاراتنا على وجه الدقة، لأن أي اختلاف طفيف في تواصلنا مع الحصان يمكن أن يعني شيئا مختلفا جدا إليه. ويعني أيضا أننا يجب أن نكون دقيقين للغاية في توقيتنا. ففي اللحظة التي يبدأ فيها الحصان الاستجابة بالطريقة التي نريدها له، فيجب علينا مكافأته.
ولذلك، إذا كنت تدرب حصانا على خفض رأسه أثناء ركوبه، فأرخي الشد على العنان بعضه (أو كله) ولو قليلا حالما يخفض رأسه. وإذا لم تقم بذلك، فسوف ينتهي بك الحال إلى تعويده على ضغط العنان عليه – بالضبط مثلما كنت تحاول القيام به مع ذلك المقص. إن توقيتك ودقتك يوضحان الفرق في إذا ما كان في مقدور الحصان تعلم ارتباطا ما، أو أي ارتباط مع إشاراتك.
وأضاف بوث، إذا كنت تستخدم تعزيزا سلبيا بشكل متقطع (مثل التربيت عليه بسوط بلطف)، مع الإبقاء على الإيقاع قصيرا، مع مسافات زمنية بين الضغط والضغط تستغرق أقل من ثانية. وإذا كانت هذه المسافات الزمنية أطول، فسوف يربط دماغ الحصان تصرفه الأخير مع إزالة الضغط – وهذا ارتباط لا تريده أن يتعلمه.
الاكتساب السريع والذاكرة التي تدوم مدى الحياة
تتفق مصادرنا على أنه عندما تُعلم الخيول بشكل صحيح، مع احترام أساليب التعلم وقدراتها، فسوف يمكنها حينئذ أن تتعلم بشكل سريع لا يصدق. أظهرت عدة دراسات عن الخيول أن المدرب الخبير الذي يفهم التعلم الترابطي والتعلم غير الترابطي يمكنه أن يعلم الحصان الترابط الأساسي (ألمس الكرة لتحصل على الجزرة، على سبيل المثال) في غضون دقائق. ومن المرجح أن يتذكر الحصان هذا الدرس مدى حياته.
هذا هو الخبر السار، لكن هناك أيضا أخبار سيئة. لأنه إذا ارتكب شخص ما خطأ تدريبيا أثناء التدريب، فقد يكون من الصعب تصحيح هذا الخطأ – وهذا عادة ما يؤدي إلى خلق الحصان “الصعب” أو حتى الخطير. يمكننا أن نعلم الارتباطات السيئة لخيولنا عن غير قصد، مثل طرح الراكب أرضا، لسوء توقيتنا أو فهمنا غير الدقيق لكيفية تعلمهم.
ويقول بوث “إنها على الأرجح لن تنسى أبدا ذلك الارتباط، بغض النظر عن ما نقوم به، ولكن يمكننا أن نعلمهم ارتباطات أخرى للمساعدة في تغيير سلوكهم.”
التعلم من خيول أخرى
هل يمكن أن تتعلم خيول من خيول أخرى؟ يبدو أن هذا ممكننا، على الأقل في بعض الحالات. اكتشف كونستانز كروجر، دكتوراه، من جامعة ريغنسبورغ في ألمانيا، أن الخيول يمكنها أن تتعلم من خلال مراقبة الخيول المألوفة لديها التي تكون أكبر سنا وأعلى مرتبة منها. وجاء هذا البحث مواصلة لدراسة سابقة قامت بها لاين بيستراب أريندت، دكتوراه، من جامعة آرهوس في الدنمارك، وهي التي اكتشفت أن نصف مجموعة من الحيوانات المخصية البالغة من العمر 3 أعوام تعلمت أن تفتح علبة من المواد الغذائية من خلال مشاهدة حصان آخر في المجموعة يفعل ذلك أولا. ومع ذلك، عندما أخضعت أريندت 44 خيلا من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية للدراسة، لم تلاحظ مثل هذا التعلم الاجتماعي ¬ ربما، كما اكتشف كروجر في وقت لاحق، لأنه كان يطلب القيام بهذه الدراسة مع عدم وجود علاقات راسخة بين الخيول.
تتوافق النتائج التي توصل إليها كروجر وأريندت مع نتائج دراسة قامت بها يان وينثر كريستنسن، دكتوراه، من جامعة آرهوس. اكتشفت يان أن الأمهار الصغيرة التي تراقب أمهاتها تتعامل بهدوء مع أشياء مخيفة، مثل الأكياس البلاستيكية، قد تقبلت نفس الأشياء بشكل أفضل من الأمهار الخاضعة للمراقبة. وكان ذلك صحيحا حتى بعد خمسة أشهر وحتى عندما قابلت تلك الأمهار أشياء مخيفة جديدة.
تقول كريستنسن: ” إن الأمهار التي كانت تشاهد أمهاتها عممت قبولها لمحفزات أخرى، ويبدو أن الاختلافات السلوكية تستمر لفترة طويلة “.
وأضافت كريستنسن قائلة إنه مع ذلك، فإنه من الممكن أن الأمهار قد استفادت ليس فقط من التعلم الاجتماعي ولكن أيضا من الاكتشاف الفردي، لأنها كانت حرة في التحقق من الأشياء المخيفة عندما قدمتها لها أمهاتها.
ومع إعادة التدريب المناسب، يمكن لبعض الارتباطات أن تصبح “منقرضة” – أي أن الحصان يعرف أن المكافأة لم تعد متاحة بعد الآن، لذلك لم تعد الاستجابة فعالة. لكن هذا النوع من إعادة التدريب يحتاج إلى مهارة حقيقية. إذا كان المدرب الخبير يمكنه ركوب الحصان رغم سعي الحصان إلى طرحه أرضا وما يزال يربت عليه بالسوط وهو يستجيب بطرحه أرضا، أو أن المدرب الخبير يمكنه أن ينهي الارتباط بين التربيت وطرح الراكب أرضا. يقول تيلاتن: “إن الشيء المهم هو تجنب إيقاف التربيت حتى لو كنت في وضع غير متوازن بسبب سعي الحصان لطرحه أرضا، أو أن الارتباط سوف يتعزز أكثر”.
آثار الإجهاد والاهتمام
تكون بعض الحالات أكثر مواتاة لتعلم الخيول من غيرها. تحتاج الخيول إلى بيئة هادئة وخالية من التوتر المنخفض للتعلم الأمثل. في دراسة حديثة، كشفت ليا لانساد، دكتوراه، من المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية، أن الخيول المتوترة (التي تعرضت لمؤثرات ضاغطة مثل طقطقة المشمعات ونباح الكلاب) قبل أو بعد التدريب لم تؤدي عملها بصورة جيدة كما تفعل الخيول التي لم تتعرض لتوترات عندما خضعت لذات الدرس بعد أيام قليلة. وتضيف لانساد أن الخيول التي أخفقت أكثر من غيرها هي تلك التي تعرضت لتوترات بعد التدريب.
وتضيف لانساد قائلة: “هذا يعني إبقاء التوتر إلى أدنى حد ممكن حتى بعد الدرس, فلا تغسله بالخرطوم مباشرة بعد التدريب إذا كان لا يحب ذلك، ولا تغلقه في حجيرته وحيدا، لأن العزلة تسبب له التوتر. إن أفضل وضع له هو خروجه إلى المراعي مع الأصدقاء في نهاية الدورة “
واكتشفت الباحثة سيلين روشيس، عضو في إحدى الجمعيات العلمية. دكتوراه، من جامعة رين، أن مستوى الاهتمام بالحصان أمر بالغ الأهمية للتعلم. إن توجيه القليل جدا أو الكثير جدا من الانتباه إلى المدرب يمكن أن يمنع الفرس من التعلم بكفاءة. وتقول: “يبدو انه هناك وقت أمثل في فترة توجيه الحصان اهتمامه تجاه البشر من أجل تعلم تدريب ما”، مضيفة أن هناك حاجة إلى مزيد من البحوث لتحديد هذا الوقت الأمثل.
الرسالة الرئيسية
لا شك في ذلك: إن الخيول مخلوقات ذكية، لكنها لا تتعلم بنفس الطريقة التي نتعلم بها. لقد تمكن العلماء، من خلال استكشاف سلوكها، من الكشف عن أسرار كثيرة عن تعلمها – لم يعد معظمها غامضا. وبالرغم من أن أساليب تعلمها بسيطة ومباشرة، إلا أنها هي مفتاح جهدنا لتحسين الاتصال فيما بيننا وتطوير الفروسية الأخلاقية، مما يؤدي بشكل مثالي لتحسين الشراكات بين الحصان وراكبه ورعاية الحصان بشكل أمثل.