بقلم: كريستا ليشتي-لاسير | ترجمة الأصالة
يمكننا أن نسعى جاهدين لتحسين “الطبيعة والتنشئة” من خلال جهود تربية وسياسة الخيول إلا أن هناك العديد من العوامل التي تشكل سلوك المهر تكون خارج سيطرتنا.
بمجرد ولادة المهر، ما هي العوامل- بدءا من الجينات الوراثية والبيئة وحتى العلاقات مع الخيول الأخرى- التي تؤثر في نهاية المطاف على مزاجه وصفاته؟
اكتشف الباحثون أن الجينات هي المسئولة عن العديد من السمات الشخصية بالتأكيد. ولكن حتى الأشقاء لا تشترك في نفس الجينات. والأهم من ذلك، قد يختلف عالم أحد المهور اختلافا كبيرا عن عوالم المهور الأخرى. فالبيئات والخبرات والعلاقات في تلك العوالم المختلفة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على سلوك الحصان الشاب وتعمل على تشكيله للأفضل أو للأسوأ مدى الحياة. إذن ما الذي يؤثر على سلوك المهر ويجعله فريدا في نوعه؟ دعونا نلقي نظرة على ما يقوله العلم.
الجينات الوراثية
تكمن الشخصية بالتأكيد في الجينات وليس هناك شك في ذلك. وقد أكد العلماء مؤخرا أن اثنين على الأقل من جوانب شخصية الخيول تمرر من خلال الجينات الوراثية وهما الخوف والحساسية للمس كما تقول ليا لانسيد اختصاصية الطب البيطري من المعهد الوطني للبحوث الزراعية بمدينة تورز في فرنسا.
تقول”كنا نعرف منذ بضعة سنوات حتى الآن أن الخوف يأتي من خلال الجينات، وتبين أحدث دراساتنا أن الحساسية للمس هي كذلك”.
وكذلك الحال بالنسبة للفضول واليقظة والتي قد تكون جانبا فرعيا للخوف كما يقول باحثون يابانيون. ووجد الباحثون أن تعدد أشكال النوكليوتيدات في جينوم الخيول، وتحديدا على مستقبلات الدوبامين تؤثر في هاتين السمتين..
الدوبامين هو مادة كيميائية طبيعية في الجهاز العصبي تلعب دورا مهما في كيفية سلوك الخيول اجتماعيا وفي تطوير شخصياتها كما يقول يوسوكي هوري طالب الدكتوراة والباحث بجامعة كيوتو. ووجد فريقه أن المستقبلات مرتبطة بالاختلافات الأساسية بين سلالات الخيول، مما يشير إلى أنها تعمل على توريث سمات الشخصية المرتبطة بالدوبامين.
وتؤكد دراسات أجريت في ألمانيا وسويسرا توريث الشخصية. وقد قارن فريق 50 من مهور نقل الأجنة مع الأفراس المستقبلة أو المتلقية و أقرباء دمها وأظهرت النتائج، عموما، أن تلك المهور كانت تشبه الآباء المورثين في سلوكها أكثر بكثير من الأفراس المستقبلة كما تقول كريستين أوريتش رئيس معهد ليندورف بألمانيا.
أضف إلى ذلك حقيقة أن تركيبات الفحول والأفراس يمكن أن تؤدي إلى اختلافات جينية كبيرة بين الأشقاء. ومع ذلك يكتسب الأشقاء جينات مختلفة من كلا الوالدين، وهذه الجينات يمكن أن “تنشط” أو لا تعتمد على البيئة- بدءا من بيئة الرحم.
قائد المجموعة
أظهرت دراسة جديدة أن واحدا من أهم العوامل في تحديد مستوى هيمنة المهر الفطيم هو عمره كما تقول مارتينا كوماركوفا من جامعة براغ بجمهورية التشيك. وعلى الرغم من أن الهيمنة نفسها قد لا تكون سمة شخصية، إلا أنها غالبا ما تفتح الأبواب أمام الصفات مثل الجرأة والحزم.
وحتى مجرد فارق سن لبضعة أشهر يعد مهما في المهور التي تمر بفترات نمو كبيرة. المهور الأكبر سنا في القطيع تكون أكبر حجما وأقوى، ولذلك عادة ما تنتصر في النزاعات. كما أن لديها أيضا المزيد من الوقت لتطوير المهارات الاجتماعية في القطيع والتعلم من تجاربها.
الفروق بين الجنسين أيضا تلعب دورا في كيفية تصرف الحصان أو المهر كما يقول فوستر. ” يبدو أن للمهور والمهرات مستويات نشاط مختلفة، وكذلك أساليب لعب وميزانيات الوقت (تفاصيل كيفية قضاء الوقت).
يقول فوستر إننا نفاجأ على الرغم من ذلك بكيفية تأثير الفروق بين الجنسين على المزاج. إننا نحمل صورا نمطية متصلة بتلك الفروق بين الجنسين وبالتالي نسقطها على المهر، ولكن الملاحظات أظهرت أن التأثيرات في واقع الأمر تكون أضعف مما كنا نتخيل.
أنت كما تأكل
ما الذي تأكله المهور وكيف يتم ذلك يمكن أن يدخل أيضا في حيز اللعب. في حين أن هناك القليل جدا من البحوث على هذا الجانب إلا أن العلماء يعتقدون في وجود علاقة بين التغذية ونمو الشخصية. تقول لاندسيد: “نعلم أن أحماض أوميغا 3 الدهنية وأحماض التروبتوفان الأمينية يمكن أن تؤثر على العاطفة والتعلم، ولكن ما زال من السابق لأوانه تحديد تلك التأثيرات. ما يمكننا قوله في هذه المرحلة هو أن هناك على الأرجح صلة، وأن إطعام المهور على نحو مختلف يمكن أن يؤدي إلى اختلافات في السمات الشخصية.”
وتضيف فوستر أن موسم الولادة والسنوات التي يكون فيها العلف جيدا يمكن أن تكون لها أيضا آثارا تغذوية غير مباشرة على الشخصية. فإذا كان هناك مهر بدأ الرعي باستقلالية أكثر وفي وقت مبكر، كالمهور التي تولد في فصل الربيع أو الصيف، بخلاف المهور التي تعتمد على حليب الفرس لفترة طويلة فإن المهور الأكثر استقلالية ربما تفطم في وقت مبكر.
هذا المهر من تلك الفرس
هل من المرجح أن ينشأ المهر ويتصرف مثل أمه؟ كشف باحثون أنه من المحتمل أن يلتقط بعض الصفات من أمه. إحدى تلك الصفات هي مستوى النشاط كما تقول اوريتش. ففي بحوثها حول مهور نقل الأجنة شاهدت رابطا واضحا بين مستوى نشاط المهور وأمهاتها المستقبلة. فكلما كانت الفرس المتلقية أكثر نشاطا يكون المهر كذلك.
وتقول سيفيرين هنري من جامعة رين بفرنسا إن المهر يلتقط أيضا سلوك أمه المستقبلة تجاه البشر. وعلى وجه الخصوص فإن الأفراس العدوانية تجاه البشر تنقل تلك السمة بعد وقت قصير من الولادة إلى المهر وقد تكون الآثار طويلة الأمد. (من الأفضل إذن ترك هذه الأفراس وحدها بقدر الإمكان حتى تهدأ فترة العدوانية).
يقول فوستر مهما وجدت من اختلافات وراثية في الشخصية، فإنها يمكن أن تؤثر على دينامية الفرس والمهر والتي تقود من ثم إلى المزيد من تشكيل الشخصية. بعض المهور والأفراس تبدأ هذه الدينامية من أول وهلة والبعض الآخر ليس كذلك. عندما تبدأ تلك الدينامية فإنها تخلق صلة أكثر انسجاما ولكن عندما يحدث ذلك فإن العلاقة قد تكون مضطربة أو تؤدي إلى انعدام الارتباط الآمن بين الفرس والمهر والذي قد يشكل السلوك الاجتماعي المستقبلي للمهر. بالتالي فإن الطريقة التي تتطور بها العلاقة الأولية بين الأم والذرية يمكن أن تشكل نوع شخصية المهر.
يؤثر وضع الفرس في القطيع أيضا على العلاقة بين الفرس والمهر كما يضيف فوستر. “الأفراس التي تكون في المراتب السفلى تميل إلى أن تُقاطع (عندما تفعل أي شيء تقريبا، ولكن بشكل خاص أثناء الرضاعة) من الأفراس ذات المراتب العليا وبالتالي يكون هناك فرق في مدة ووتيرة الرضاعة، على سبيل المثال”. في قطعان أفراس الإنتاج التي تظل كما هي من سنة لأخرى يمكن أن تبدو هذه العلاقة أكثر اتساقا بالنسبة لجميع المهور من كل الأفراس، ولكن إذا تغيرت دينامية قطيع أفراس الإنتاج فإن تلك العلاقة ربما تختلف من سنة إلى أخرى.
العلاقة بين حصان وآخر
حتى في القطعان المستقرة نسبيا يكون هناك انقلاب في ديناميات القطيع من خلال مغادرة المهور الأكبر سنا وقدوم المهور الحديثة. ولذلك تواجه المهور من سنة إلى أخرى خيولا مختلفة مما يخلق تفاعلات وعلاقات مختلفة.
يقول فوستر: “كل مهر قد تكون له شبكة اجتماعية مختلفة حقا ومجموعة من الخبرات الاجتماعية بالمقارنة مع الأشقاء الأكبر سنا” ويضيف: “هذه الشبكة الاجتماعية الصغيرة لها تأثير هام طويل الأمد على الوضع الهرمي للمهر وشخصيته”.
العلاقة بين الحصان والبشر
أكدت الدراسات أن الطريقة التي نتفاعل بها مع الخيول الصغيرة لها تأثير كبير على نوعية الشخصيات التي تكون عليها في المستقبل. ففي حين أننا قد نخطط لمعاملة كل مهر بنفس الطريقة إلا أن الحقيقة هي أننا أنفسنا نتطور من سنة إلى أخرى. نقرأ ونتعلم أشياء جديدة، نحاول أساليب مختلفة، و تكون لدينا مستويات متطورة من التوفر أو القدرات الجسدية عند التعامل مع قطيعنا الجديد. ولا يمكننا إنكار حقيقة القرب الشخصي . فاذا كنا على ما يرام أم لا مع أحد المهور منذ البداية فإن هذا سيؤثر على الطريقة التي نتفاعل بها مع ذلك المهر والتي سوف تؤثر على هذه العلاقة وتؤثر في نهاية المطاف على سلوكه.
وكما علمنا أن المهور يمكنها التقاط علاقات أمهاتها مع البشر وتقليد ذلك كما تقول هنري. إن عدم وجود علاقة جيدة مع الفرس هو بالتأكيد عقبة بالنسبة للإنسان في طريق تطوير علاقة جيدة مع المهر. توصي هنري برفع الأيدي عن المهر في الأيام القليلة الأولى من حياته بغض النظر عن مزاج الفرس. دراسات هنري حول المهر”المطبوع” ذلك الذي يتم التعامل معه بشكل مكثف على الفور بعد الولادة، كشفت أنه أقل اجتماعية مع المهور الأخرى وأقل احتمالا لاستكشاف المناطق المحيطة به أو الانفصال عن أمه حتى عند عمر ستة أشهر بالمقارنة مع المهور التي لا تكون كذلك. إن هذا النقص في التعامل لا يطلق العنان للمشاكل بالنسبة لتلك المهور التي شهدت تعاملا بشريا لطيفا لأمهاتها- فهي تكون على الأرجح أكثر عرضة للثقة بالبشر من تلك التي لم تكن كذلك. يبدو أن أفضل طريقة لبناء الثقة مع المهر الوليد هي من خلال التواصل الجيد مع أمه كما تقول هنري والتي تضيف أيضا: من الواضح أنه لخلق علاقة إيجابية بين الحصان والبشر ليس من الملائم التدخل في التطور الطبيعي للأحداث ما بعد الولادة، ولا في العلاقة الأولية بين الفرس والمهر.
البيئة
أي نوع من المأوى والحياة نقدمه للمهور؟ إذا تم تغيير الاسطبل أو أسلوب السياسية ولو على نحو طفيف من موسم لآخر، فإن ذلك سوف ينعكس على اختلافات سلوك المهور.
المهر الذي ينشأ في بيئة ضاغطة جدا يمكن أن يصبح مخيفا حتى لو اصطفت جيناته لجعله عديم الخوف كما تقول لانسيد والعكس هو الصحيح كذلك”. وتقول إن السمات الشخصية الجينية تشبه القضيب المعدني فهي صلبة جدا، ولكن يمكن دائما ثنيها بطريقة أو بأخرى من خلال التجربة والبيئة.”
أجرى فريق لانسيد مؤخرا دراسة عن المهور الأكبر سنا المحفوظة في بيئات “خصبة” و”قياسية”. في البيئية القياسية (المسيطر عليها)، عاشت خيول عمرها 10 أشهر منفردة في أكشاك وتناولت التبن و/أو الحبوب ثلاث مرات يوميا وخرجت إلى المرعى منفرد ثلاث مرات في الأسبوع. في البيئة الخصبة قضت المهور معظم الوقت في مجموعات رعي. أتيحت لها مجموعة متنوعة من الأطعمة المختلفة كالتبن والحبوب وكذلك الجزر والتفاح وعرضت يوميا لمختلف أنواع المحفزات والروائح، والموسيقى. بعد 12 أسبوعا كانت مهور “البيئة الخصبة” وعلى نحو واضح أقل عاطفية وأقل توترا بسهولة. اما المهور المسيطر عليها فقد أصبحت “مفرطة الحساسية”. على نحو غير متوقع، تعلمت المجموعة الخصبة أيضا المهام بشكل أسرع وكانت أسهل في التعامل بخلاف المسيطر عليها.
عوارض الحياة
بغض النظر عما نقوم به أو مقدار الرعاية التي أوليناها لشحذ كل التفاصيل حتى تكون لمهورنا أفضل شخصية ممكنة أو تحذو حذو الشقيقة الكبرى الرائعة التي ولدت السنة الماضية إلا أنه ستكون هناك دائما عوامل خارجة عن سيطرتنا. تلك هي عوارض الحياة التي يمكنها أن تشكل حقا تجارب المهر ومن ثم عندما يصبح حصانا.
فوقوع حادث في البادوك أو طقس قاس أو تفاعل عابر مع زائر مهدد (حصان أو إنسان)، أو مرض، أو حتى الأحداث الإيجابية بشكل خاص مثل نزهات أواخر الربيع في الثلج أو أحد الجيران الذي يجلب مكافأة فإن كل تجارب الحياة هذه غير المخطط لها تساعد في تشكيل سلوك المهر.
“تحدث بعض الأمور وهي مجرد جزء من الحياة” تقول لانسيد وتضيف: ” تستجيب المهور للتجارب الفريدة لحياتها و يسهم هذا فيما سوف تكون عليه في المستقبل”.
الخلاصة
الخيول شخصيات وليست روبوتات وهي مثل الأطفال تطور شخصياتها الفريدة الخاصة بها. يمكننا أن نسعى دائما لتحسين “الطبيعة والتنشئة” من خلال جهودنا في التربية والسياسة، ولكن لا تزال هناك العديد من العوامل التي تشكل سلوك المهر تكون خارج سيطرتنا. من خلال إثراء البيئة المحيطة بها والخبرات الاجتماعية، وإتاحة الفرص لها للتعلم من التجارب الإيجابية والسلبية فإننا نجعلها ناضجة لتكون صالحة بغض النظر عن جيناتها الوراثية.