تعجبنا من قبل كثيرا، وتساءلنا كثيرا؛ ما دامت الخيل التي تقام لها البطولات والمهرجانات والسباقات، هي عربية على امتداد خطوط أنسابها؛ فلماذا تكون أقوى بطولاتها بالغرب، لا بموطنها العربي؟!.. نعد خيلنا لأسفار بعيدة مكلفة، ونعرضها للتعب والإرهاق، لبطولات غير عربية، ولا بأس من ذلك، فالتنافس وانتزاع الألقاب مباح في كل مكان، حبذا لو كانت الجوائز محمولة جوا، فلها طعم خاص من الانتصار. لكننا نصف بعضا من هذه البطولات بأقوى البطولات، وأفضل المنافسات… في حين أن بعضا من بطولاتنا لا تقل شأنا من مثيلاتها في بقية العالم. ما أجمل أن توصف بطولاتنا بأوصاف الكبار، إنها ليست أحلاما ترى ليلا ثم تحكى نهارا، بل هي بإذن الله واقع سوف يحدث ولو بعد حين، لما نراه من تطور وإبداع وروعة في عدد من البطولات في المنطقة مؤخراً.
من الإنصاف أن نقول إن بعض البطولات التي تقام بالمنطقة العربية باتت من القوة ما يؤهلها لتقارب مستوى كبرى البطولات العالمية، كبطولة أبوظبي لجمال الخيل العربية، وبطولة دبي لجمال الخيل العربية، ومهرجان الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمي للجواد العربي. أما الأخير – إن استمر بمستواه – فقد يصبح يوما ما ناصية بطولات الجمال العالمية، فالناصية هي مقدم الرأس، وفلان ناصية قومه؛ فهو شريفهم.
بدأ المهرجان بمسمى بطولة الخالدية، ومازال يتطور ويقدم الجديد، ولعل الأمر الذي يرشحه ليلحق ويتخطى الكبار كـ(باريس) و(آخن) وغيرها؛ أنه يقدم جوائز نقدية للفائزين تصل إلى أكثر من عشرة ملايين ونصف المليون ريال، بالإضافة إلى جائزة المليون دولار لسباق السرعة، وجوائز للمصورين. عوضا عن قوة الخيل المتنافسة وهذا عامل مهم، وفضلا عن التنظيم الراقي، ومؤخرا التحكيم الذي أصبح أكثر عدلا من ذي قبل.. فماذا بعد ذلك!؟
بعد ذلك بقي أن نعطي نبذة عن الحدث، لمن لا يعرف مهرجان الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمي للجواد العربي، حق معرفته..
إن تخصيص الجواد العربي بمهرجان، طالما راود صاحب السموّ الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود. بيد أن ذلك لم يتأتَّ إلاَّ في يناير 2008، حين أمسى الحُلم حقيقة. وقد سمي المهرجان باسم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، يرحمه الله (سلطان الخير)، محب الخيل العربية، وكونه فارس يصعب تعويضه، صاحب الهمة الفائقة، والعزم القوي والنفس الزكية.
يتوخَّى الاحتفال تعزيز مجالات الفروسية وتطويرها، ورفْع ذِكْر فَرَسها، الذي كان عاملاً من عوامل تاريخ الثقافة العربية؛ فحظي بحفاوة أبنائها. ويطاول تاريخ الخيول العربية خمسة آلاف سنة، فتكاد تكون أقدم جياد، عَرَفها التاريخ.
يزدان بها أقدم المخطوطات بكونها سوابح حرب، في منطقة الهلال الخصيب، الواقعة بين النهرَين. وسرعان ما امتاز الجواد العربي وأضحى مطمع ذلك العالم الغابر، إذ انبرى عِلْيته للاستئثار بالخيول العربية، يتباهون بها رمزاً للقوة والثراء والسبق؛ ناهيك بِجَلَدها وجَمالها وذكائها؛ فضلاً عن ولائها وإخلاصها لأصحابها؛ ما روجها في أنحاء العالم كافة.
يرعى الاحتفال صاحب السموّ الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، في مزرعة “الخالدية”، المقر الرئيسي لمزارع سموّه، والواقعة في مدينة “تبراك”، غرب الرياض؛ في يناير من كل عام، ولخمسة أيام متواصلة.
يَتَّسـق في الاحتفال العديد من الأنشطة المتنوعة، التي تستهدف إنعاش الفروسية، واستعادة أهمية الجواد العربي ومكانته في تاريخ الأمة. ففي اليوم الأول، يُعقد مزادٌ للجياد العربية الأصيلة، الفريدة في نوعها.
وفي اليوم الثاني، تستبق الجياد العربية المعَدة لذلك. وفي اليومَين الأخيرَين، يشارك الجواد العربي في مسابقة فروسية دولية؛ ليظهر خلالها جماله وألقه. لقد تدارك هذا الحدث تواني شبه الجزيرة العربية، ولا سيما المملكة العربية السعودية، عن الاحتفاء بالخيول العربية؛ فأمعن في تأكيد أنسابها، واستفاض في تاريخها، وجَهِد في إظهار جَمالها.
يحضر الاحتفال، يومياً أصحاب السموّ الملكي، وولاة العهد، والشيوخ، والسفراء، والقناصل، وكبار رجال الأعمال في منطقة الخليج. كما يدعي لحضوره العديد من مُلاّك المزارع، ومربي الجياد، وكبار أعضاء الجمعيات، وممثلي الإعلام الدولي.