نعتتت العرب خيلها، بألسنة رجالها ونسائها، بأوصاف تبدو لأول وهلة غير مبينة، لصعوبة فهمها، بالرغم من أنها كتبت بلسان عربي مبين. نسعى دائما في هذه الصحيفة لتسليط الضوء على ما كتب عن هذه الكائنات الأصيلة قديما، بلغة الضاد، التي نفتخر بها، لأنها أفضل اللغات على الإطلاق، ولا ريب. وفي هذه السانحة نفتخر بالاثنين؛ باللغة، وبمن كتبها. ولقد كتب الأحرف أدناه بعض أديبات العرب قديما، من اللائي كان لهن درر عن مخلوق من أبرك المخلوقات..
فهذه ابنة الخس (هي هند بنت الخنس بن حابس بن قريط الإيادي. امرأة فصيحة جاهلية, كانت ترد سوق عكاظ ولها أخبار فيه) قد سئلت؛ أي الخيل أحب إليك؟ فقالت: ذو المائعة الصنيع، السليط التليع، الأيد الضليع، الملهب السريع، فقيل لها: أي الغيوث (فرس ذو غيث: يزداد جريا بعد جري) أحب إليك؟ قالت ذو الهيدب المنبعق، الأضخم المؤتلق، الصخب المنبثق.
فقولها: المائعة: ناصية الفرس إذا طالت وسالت، والصنيع السمين، والسليط الشديد، والتليع الرافع رأسه، والأيد القوي، والصليع شديد الأضلاع، والملهب مثير الغبار في عدوه، والسريع ما يكون في أوائل الخيل، والهيدب السحاب المتدلي، والمنبعق المنبعج بالمطر، والأضخم الثقيل، والمؤتلق البرق اللامع، والصخب شدة الصوت، والمنبثق المنفجر.
وقيل لها: ما مئة من المعز؟ قالت: مويل يشف الفقر من ورائه، مال الضعيف وحرفة العاجز، قيل لها فما مئة من الضأن؟ قالت: قرية لا حمى لها، قيل لها فما مئة من الإبل؟ قالت: بخٍ جمال ومال ومنى الرجال، قيل لها: فما مئة من الخيل؟ قالت طغى من كانت له ولا توجد، قيل لها فما مئة من الحمر؟ قالت:عارية الليل وخزي المجلس، لا لبن لها فيحلب، ولا صوف فيجز، إن ربط عيرها أدلى، وإن ترك ولى.
وفي بقعة من بقاع العرب، في زمان مضى وانقضى؛ اجتمع خمس جوار عربيات وقلن: هلم ننعت خيل آبائنا..
فقالت الأولى: فرس أبي وردة، وما وردة؟ ذات كفل مزحلق، ومتن أخلق، وجوف أخرق، ونفس مروح، وعين طروح، ورجل ضروح، ويد سبوح، بداهتها إهداب، وعقبها غلاب.
فوردة: اسم الفرس، والمزحلق: الأملس، والأخلق: ناعم الجلد، والأحرق: واسع البطن، والمروح: السهل، والطروخ: حديد البصر، والضروح: قوة الجري التي تمد يديها في الجري كما يمد السابح في الماء يديه، والإهداب، نوع من الركض، والغلاب: إدامة الجري بلا تعب.
وقالت الثانية: فرس أبي اللعاب، وما اللعاب، غيبة سحاب، واضطرام غاب، مرقص الأوصال، أشم القذال، ملاحك المحال، فارسه مجيد، وصيده عتيد، إن أقبل فظبي معاج، وإن أدبر فظليم هداج، وإن أحضر فعلج هراج.
فالسحاب هوالمطر، أي هو كالمطر في شدة الجري، ومرقص الأوصال: أي محكم الأعضاء، والقذال: محل عقد العذار، أي: مرتفعه، وملاحك المحال: أي متقارب فقرات الظهر، والظبي المعاج: الغزال المسرع، أي أنه كالظبي إذا أقبل، وكالظليم إذا أدبر، وكحمار الوحش إذا أحضر.
وقالت الثالثة: فرس أبي خدمة، وما خدمة؟ إن أقبلت فقناة مقومة، وإن أدبرت فأثفية ململمة، وإن أعرضت فذيبة معجرمة، أرساغها مترقصة، وفصوصها ممحصة، جريها انشرار، وتقريبها انكدار.
فالأثفية الململمة أي الحجرة المدورة، والمعجرمة المسرعة.
وقالت الرابعة: فرس أبي خيفق، وما خيفق؟ ذات ناهق معرق، وشدق أشدق، وأديم مملق، لها خلق أشرف، ودسيع منفنف وتليل مسيف، وثابة ولوج، خيفانة رهوج، تقريبها إهماج، وحضرها ارتعاج.
فالناهق: العظم الشاخص في الخد، والمعرق: قليل اللحم وأديم مملق: أي ناعمة الجلد، والدسيع: مركب العنق في الحارك، وثابة ثلوج: أي سريعة الوثب، وخيفانة رهوج: أي كالجرادة في سرعة جريها، والإهماج: أسرع العدو.
وقالت الخامسة: فرس أبي هذلول؟ طريده محبول، وطالبه مشكول، دقيق الملاغم، أمين المعاقم، عبل المحزم، مخد مرجم، منيف الحارك، أشر السنابك، مجدول الخصائل، سبط الغلائل، معوج التليل، صلصال الصهيل، أديمه صاف، وسبيبه ضاف، وعلوه كاف.
فالملاغم: الجحافل، والمعاقم المفاصم، ومخد مرجم: أي قوي على السير كأنه يشق الأرض بحوافره.