دخل مع مدربه ميدان العرض برشاقة متناهية، أينما يُوجَّه يأتي بحركة من حركات الجمال، يطيع الأوامر ويتقبل التوجيه. نال أعلى الدرجات بفضل التأديب والتدريب الجيدين. بهذا، وبغيره؛ اشتهرت الخيل العربية، حتى أنشأت لها المرابط في أنحاء العالم. وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تأديب الخيل وجعله من اللهو المباح، حينما قال: “اللهْوُ في ثلاثٍ: تأديبُ فرَسِكَ، ورمْيُكَ بِقوسِكِ، ومُلاعَبَتُكَ أهلَكَ”.
حُكى أن عربي كان عنده فرس أنثى، أراد الذهاب بها إلى مكة المكرمة، فلما خرج من بيته ركبها والناس يشيعونه فعثرت، فضربها بسوط فتحركت وقفزت. ولما رجع تلقاه الناس لاستقباله، وساروا إلى أن وصل إلى المكان الذي ضربها فيه فقفزت، فعجبوا من ذلك!.
يجب أن لا يؤدب الخيل ويدربها إلاّ عارف بما يحتاج إليه، ذو رفق، حاضر الذهن، ثابت في السرج، يركب بفخذيه مائلاً إلى يساره، متوسطاً في قبض العنان، يحثها بالتدريج بدون ضرب ولا همز عنيف، ويعودها رؤية الشيء الهائل، ووثوب السواقي، والحفر و الجدر القصيرة، والنزول حضرا من الجبال الخالية عن الصخر الأملس، وأن تحنى يديها على الأرض إذا غمزها في إبطها.
وأحسن ما يكون التعليم في الصباح والمساء، وأن لا يقف مع الناس وهو راكبها، كيلا تعتاد الوقوف إذا رأت أحداً، ولا يركضها أول ركوبها ولا يجذبها باللجام.
قال يزيد بن مسلمة بن عبد الملك:
عودته فيما أزور حبائبي إهماله وكذاك كل مخاطر
وإذا احتبى قربوسه بعنانه علك الشكيم إلى انصراف الزائر
أي أدبته حتى إذا نزلت عنه وألقيت عنانه في قربوس سرجه وقف مكانه إلى أن أعود إليه. والقربوس: – بفتح الراء – أحد حنوي السرج، والعنان: – بكسر العين – سير اللجام، والشكيمة: الحديدة في فم الفرس وفيها الفاس.
قال أحد الشعراء:
وأفراسٍ مذللة وبيض كأن متونها فيها الوهاج
روى عن بعض الفرسان أنه كان إذا ركب الفرس بالسرج العربي يضع في ركابه تحت رجليه درهمين ثم يعدو وعند نزوله عنها يأخذهما من حيث وضعهما!. ومنهم من يأخذ الحجر من الأرض والفرس في شدة العدو ويضرب به غريمه، وإذا وقع منه شيء تناوله بنفسه وهو راكب. ويعلمون بالكرة والصولجان على ظهورها، والصولجان: فارسي معرب، وهو عصا طويلة تنتهي بكف المستدير يضرب بها الكرم، وأول خليفة لعب بها هارون الرشيد. وينبغي أن لا يبدل اللجام الذي وافقها، ولا يركبها جاهل بالركوب لئلا يسيء أخلاقها.