فيما سبق من أجزاء؛ ركضنا في عالم علم التحكيم .. كنا نسلك مضماراً، وندلف إلى آخر، حططنا رحالنا في مربط مرة، وفي ميدان عرض مرات ومرات .. رسمنا ألواناً زاهية، وخططنا أحرفاً عربية، أحرف اجتمعت لتقول: “إن العرب هم أول من وضع أساسيات علم التحكيم”. نعم؛ هم أول من وضع أساسياته، غير أن هناك أناس آخرين كان لابد من ذكرهم، ساعدوا في ظهور مفهوم علم التحكيم بمعناه الحديث؛ بعد أن حلوا ضيوفاً علينا ثم نقلوا صوراً صادقة لجوادنا العربي إلى بلادهم .. إنهم الرحالة الغربيين.
الرحالة هم أناس يملكون الطموح، والمغامرة وحب السياحة في البلاد، لم تخل مذكراتهم من أخبار رائعة عن الخيول العربية .. حملوا المتاع وركبوا المطايا، وتحملوا مشاق السفر والجوع والعطش، فأفادوا واستفادوا. ومن تراث العرب وتعريف الرحالة بالخيل العربية اشتقت مبادئ التحكيم المعاصر للجواد العربي، وبغض النظر عن المواصفات الرومانسية عن الخيول العربية في مذكرات بعض الرحالة، فهم أول من أطلق مصطلح خيول الصفوة أو النخبة الممتازة، أو ما يعرف اليوم بالخيول العالية الجودة، وهي الخيول الرائعة من حيث الجمال والأصالة. وقد اختزلوا المواصفات الكثيرة في مواصفات محددة وجعلوها الحكم والفيصل في الحكم على أي حصان، وتصنيفه من الخيول العربية الأصيلة الممتازة أو من الخيول الدونية، وتلك هي المواصفات العامة الأساسية التي مرت معنا في تراثنا العربي.
تطورت الخيل في المرابط الأوربية مثل مرابط كرابيت في بريطانيا وساحات السباق في ” نيو ماركت” وغيرها من المرابط التي انتشرت في أوربا وأمريكا واستراليا وشرق آسيا، حتى إن جمعية في أمريكا أطلقت على نفسها اسم جمعية الخمس، أي سلالات الخيل العربية الخمس: كحيلان وهدبان وعبيان والصقلاوي والحمداني، وقد ارتبط هذا التطور بما قدمه الرحالة الفرسان من وصف للجواد العربي، من حيث الجودة والصفات العامة والعيوب؛ إن وجدت، ونعود للقول بأن الرحالة كان لهم الفضل في نقل الصورة الواقعية للجواد العربي إلى العالم الغربي .. وقد كان هذا مقدمة لظهور مفهوم التحكيم.
والخلاصة التي نود الوصول إليها في نهايات هذه الأجزاء بالنسبة لعلم التحكيم بشكل عام، تتمحور في خمس نقاط:
أولاً: العرب هم أول من وضع مبادئ تحكيم الخيل.
ثانياً: مبادئ التحكيم المعاصرة الأوربية والأمريكية هي بالأساس مشتقة من فهم العرب لجمال الخيل، وكشف العيوب باعتماد الصورة المثالية أو النموذج.
ثالثاً: علم التحكيم لا يزال يتطور ويأخذ أبعاداً جديدة، ونحن مع التطوير بشرط أن لا يبتعد التطوير عن مبادئ تراثنا العلمي بشأن الخيل.
رابعاً: يجب أن ينظر إلى علم التحكيم الحديث بعقل مفتوح وأن يعطي المجال لأن يعمل به، ويثبت وجوده.
خامساً: يبقى الهدف العام هو المحافظة على الجواد العربي بكامل مواصفاته، ويشرفنا نحن العرب أن تزداد متابعة العالم لأخبار الجواد العربي، وتقدير أهميته على كل المستويات.
هناك أمر ضروري نود الإشارة إليه قبيل الختام؛ فقد تخرج من أندية الخيول العربية في أوربا وأمريكا مئات الحكام المعاصرين، بينهم القليل من العرب!. شارك هؤلاء الحكام في مسابقات الجمال في مختلف بلاد العالم، ومنها البلاد العربية موطن الجواد العربي!. ومن هذا المنطلق؛ فنحن نعترف بأن العرب قد قصروا في ميادين التحكيم، برغم ريادتهم لهذا المجال! فهل سنرى مستقبلاً ما تسر له الأنفس؟.
ختاماً؛ لعلنا لم نوف الأمر حقه، فالموضوع كبير لم تسعه صفحاتنا القليلة، لكن عزاءنا أننا قد أشرنا اشارات فحسب، كانت خطوطاً عريضة بدون تفاصيل، وكانت جزءاً من كل، وقطرة من بحر. فمن أراد الفائدة فعليه بالرجوع لأمهات المراجع المعروفة، ككتاب “تحكيم الجواد العربي بين الأصالة والجمال” والذي اقتبسنا منه كل أجزاء هذا المقال، حتى أننا لم نكتف بالإقتباس فحسب؛ بل نقلنا منه فقرات كاملة كما هى دون تغيير!، لجمالها، فالشكر لمؤلفه. ولعل أخي الأستاذ عبد العزيز القرشي في مقاله المنشور بالمجلة بعنوان ” مسار التأليف عن الخيل العربية”؛ قد سهل الأمر، واختصر الطريق، فقد أورد أسماءً لأهم الكتب والمصنفات التي تناولت موضوعات متعددة عن الخيل العربية الأصيلة، فهل من مغترف من هذا النهر؟!.