إذا أعجب المرء بشئ امتدحه، حتى لو كان هذا الشئ جماداً لايتحرك! فكيف تبدو اللوحة إن كان الممدوح كائناً يتصف بالحيوية والجمال؟!. هذا الجمال بدا واضحاً في ما خطته أيدي الرحالة الذين زاروا بلاد العرب حينما وصفوا خيل العرب. في كتابه (مشاهدات في بوادي العرب) تغزل الرحالة (روجر. د. ابيتون) في الخيل العربية بصورة عامة، وعلى وجه الخصوص خيول قبيلة عنزة. ولعل أبلغ وصف لهذا الكتاب جاء على لسان الرحالة البريطاني (ولفرد سكاون بلنت)، حيث قال: “لا أعلم شيئاً كتب عن موضوع الخيل العربية أفضل من “كراسة” أبيتون، لما حوته من حقائق هامة وأفكار صحيحة”.. في المساحة التالية نتناول بعضاً من أسطر هذه “الكراسة”..
إن المعلومات المدونة في هذا الفصل كانت نتيجة ملاحظات شخصية مباشرة لخيول عنزة التي اعتبرها الناس بالإجماع أفضل الخيول في الجزيرة العربية، ولعل وصفها يخدم بشكل عام الحصان العربي كسلالة مميزة ممثلة بخيول عنزة، فالكحيلان أو الجواد العربي الأصيل الذي نعنيه هو مجموعة من الخيول أمكن لنا مشاهدتها مرة واحدة. وقد دهشنا لمظهرها العام وجمالها الساحر فيما إذا كان الأمر فقط يتعلق بالنواحي الجمالية، إلا أن الأمر يتعدى إلى أشياء أخرى كطولها غير العادي، وأصالة منبتها، وخطواتها الواسعة.
إن الخيول العربية خلقت بفطرتها سريعة، فكلنا استغربنا فيها هذه الصفة. كما يعجب المرء للمظهر الطبيعي الذي يبدو فيه كحيلان، فتركيبه المنتظم المتناسق دليل على أنه من سلالة أصيلة صافية، مثلما يعبر عن أصالته وانتمائه كل من النمر والأسد والحيوانات الأخرى التي لا تزال طبيعة حرة صافية السلالة، ولم تخضع لسطوة الإنسان المدمر.
ولقد وجدت أن سمات الحصان العربي لا يدركها الكثيرون للوهلة الأولى، وقد لا يقدرون هذا الحصان بمقدار ما يقدرون الحيوانات التي اعتادوا معرفتها لصفات واضحة بها، وقد يعجزون عن وصفها، فما هي نقاط الضعف التي يبحثون عنها في الجواد العربي الأصيل؟! فالشكل المجمل لجواد الكحيلان لا يمكننا أن نجد فيه أيضاً صفة مصطنعة غير مألوفة، فهناك توازن جميل بين قوته وشكله، كما يمتلك تنظيماً دقيقاً للوظائف الحسية والتركيبة التي تجعل منه جواداً كامل المواصفات. أما المظهر العام للكحيلان فيدل على أنها من السلالات العالية الأصالة، فخيولها حادة المزاج، شجاعة، سريعة الإثارة، تتمتاز بالفطنة والذكاء.
إن العرب تشهد على ثلاث ميزات تتعلق برأس الحصان: الجبهة، والمطبق “شكل الحلق عند التقائه بالرأس”، بالإضافة إلى شكل وقياس واتجاه تموضع الأذنين. كما أن الجبهة عند الحصان العربي نادراً ما تكون كبيرة أو بارزة، ويكفي عظام الرأس والجبهة أن تكون واضحة لتحدد للحصان جبهة مميزة، وعندما تكون محددة واضحة فهذا دليل على وجود سلالة عربية أصلية من الخيول، فشكل الجبهة الذي يوحي بتجويف دماغي كبير يضفي الروعة على جمال الرأس، فالجبهة عند الفرس أكثر استدارة وبروزاً، وتتحدر برشاقة حتى عظام الأنف، وعندها سوف يقول العرب: إن الفرس فعلاً تملك جبهة.
أما المطبق فهو مصطلح يستخدم للتعبير عن الطريقة التي يتموضع بها الرأس على الرقبة، ونشير خصوصاً إلى شكل القصبة الهوائية والطريقة التي تدخل بها إلى الحنجرة، أو تجري بها بين الفكين، إذا يجب أن تكون رشيقة مقوسة بلطف، وهذا يسمح بحمل مريح سهل للرأس، كما أن القصبة الهوائية تتطاول وتمتد بامتداد وتطاول الرقبة، وهذا بالطبع يساعد على مرور الهواء بحرية إلى جوف الرئة. وسلالة كحيلان هى من الخيول العربية ذات النفس العميق الطويل والجيد.
إن خيول عنزة التي شاهدتها كانت تقف منتصبة بمقدار كبير فوق سطح الأرض تماماً ككل الخيول التي ولدت في الصحراء، كما لم نشاهد خيولاً تقف وقوائمها الأمامية مائلة نحو الوراء تحت الجسم، وهذه ميزة تجعل كل الخيول العربية تمشي مشية حرة مديدة ومتسعة، والقوائم الخلفية تطأ مكان القوائم الأمامية في الجانب نفسه، وقد ارتفعت عدة انشات، أي من اثني عشر إلى ثمانية عشر انشاً وهي مسافة اعتيادية، وفي بعض الحالات ترتفع إلى حد قدمين أو ثلاثة أقدام. وقد كان الحصان الأطول خطواً مهراً بعمر سنتين من سلالة الصقلاوي الجدراني من مربط ابن نديري فقد شاهدناه يمشي مرة بعد أخرى، وقد بلغت المسافة التي قطعها في خطوته أكثر من ثلاثة أقدام.
أما لون الحصان فلا يمكنني حصره بلون معين، إلا أن اللون الكميت هو اللون الشائع في خيول عنزة، وأظنه اللون المفضل عند العرب، فالخيول ذات اللون الكميت الداكن البني هي الشائعة والمألوفة، أما الخيول الكستنائية والرمادية فهي قليلة جداً، ولا يتناسب عددها مع عدد الخيول ذات اللون الكميت، إن هذه القاعدة تتغير عندما نذهب إلى الجزيرة التي يدعوها العرب العراق، فهناك تظهر الخيول الرمادية كثيرة جداً. وشعر الحافر يوجد تاماً في الخيول، والأقدام تبدو سليمة، ولكن الندبات وآثار الضرب كانت كثيرة ما ترى بين خيول عنزة، وعلامات الطلقات النارية أو الرماح تكون شائعة في أجسام خيول البدو، والكي هو الدواء لها ولكافة أمراض الخيل. وقد نجد بعض الخيول بأرجل مقوسة، وبعضهم من يفضل ذلك حتى وإن كانوا من الأطباء البيطريين.
شاربات الريح .. بعيون الرحالة – الجزء الأول
أشكرك أخي عبد الباقي علي هذه المشاركة القيمة، التي تعكس ثقافتك واطلاعك، وإذا سمحت لي بالتعليق؛ فإن بيتر إبتون من أفضل من كتب عن الخيل العربية من الرحالة الغربيين، ويكفي أن كتيبه الصغير أصبح معتمدا في منظمة الإيكاهو، حيث يتدرب من خلاله الحكام على تقييم الخيل العربية، لكننا نحتاج أن نعرض ما كتبه إبتون وغيره من الرحالة على المرجعية العلمية العربية القديمة، لكي نستطيع أن نتبين صواب إبتون وغيره من خطئهم، فنعزز صوابهم ونصوب خطأهم، لا سيما أن الرحالة الغربيين لم يطلعوا على تراث الخيل العربية بشكل مفصل، ولا سيما -كذلك- أن ما كتبوه وصل إلينا مترجما؛ فلا ندري عن مصدر الاضطراب الذي يعترضنا في ما كتبوه، أهو من الأصل أم من الترجمة؟ ومن أمثلة ذلك عند إبتون فيما نقلته عنه: نفيه أن تكون جبهة الحصان العربي بارزة، ثم يعود بعد سطر من هذه المعلومة ويثبت أن جبهة الفرس العربي بارزة. فهل إبتون يريد بذلك أن يفرق بين الذكر والأنثى في الجبهة؟
في الحقيقة لا يوحي قوله: -“وعندها سوف تقول العرب: إن الفرس فعلا تملك جبهة”- بذلك؛ وذلك أن العرب تطلق الفرس على الذكر والأنثى، وحتى لو سلمنا بصحة هذا التفريق فليس له دليل عند إبتون إلا المشاهدة في حقبة زمنية معينة، وهذه الحقبة الزمنية القريبة يجب أن تُعرض على الحقبة الزمنية البعيدة، حيث لم أقف فيما وقفت عليه من كلام العرب على هذا التفريق، وهناك بعض الملحوظات على ما كتبه إبتون وغيره من الرحالة عن الخيل العربية؛ لعلي أفردها بمقالة هنا في وقت لاحق بإذن الله.
أشكرك أخي عبد الباقي مجددا وأتمنى أن أقرأك دوما هنا.
جزاك الله خيراً اخي عبدالعزيز
نعم فإن الرحالة الغربيين لم يطلعوا على تراث الخيل العربية بشكل مفصل، ربما لعدة أسباب من بينها اللغة والإقامة لفترات قليلة في ديار العرب. ولعل الإضطراب في نقل المعلومة سببه الرئيس هو الترجمة كما ذكرت. وعلينا قبل أن نعرض ما كتبه الغربيون على الجمهور، أن نعرضه على التاريخ والمرجعية العلمية القديمة أولاً، برغم أن كتاباتهم كان جلها إعجاباً بخيلنا.
اعجبني تعليقك وأفادني طرحك لهذه المواضيع وتجدني أزداد حباً واهتماما بعالم الخيل العربية، وإني ما زلت بالمرحلة الابتدائية في هذا العالم الضخم الجميل.
في انتظار مقالاتك لتعم الفائدة
ولك شكري
من الأسف أن نبحث عن حضارتنا و أمجادنا من أفواه المستشرقين. هم كغيرهم من البشر ينحازون لما تحبه أنفسهم و تميل له. نجد أن المستشرق إمتدح خيل قبيلة عنزة و شهد بأنها الأفضل وبهذا ظلم الخيل و أهل الخيل. فقد إشتهرت قبائل أخرى بكثرة و أصالة خيلها وكثرة فرسانها و حبهم لخيلهم ولكن تلك القبائل كانت تأنف إستضافة هؤلاء المستشرقين وتعتبرهم أنجاس كفرة ليس منهم إلا الضرر بعكس بعض القبائل الأخرى.
ومن هذا الباب أود أن أرسل رسالة لأهل الأدب و علوم اللغة بأن يرجعوا إلى زمن الأصالة و ينهلوا من أنهار الشعر العربي القديم فهو كافي لأن يروي المتعطش للخيل الأصيلة.
يقول عنترة بن شداد:
هَلاَّ سأَلْتِ الخَيـلَ يا ابنةَ مالِـكٍ إنْ كُنْتِ جاهِلَةً بِـمَا لَم تَعْلَمِـي
إلى أن يقول
يَدْعُـونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنَّهـا أشْطَـانُ بِئْـرٍ في لَبانِ الأَدْهَـمِ
في شطر البيت الأخير نجد أن الأدهم إتصف بوسع و كبر صدره وأيضا ولائه لفارسه فهو يرفع صدره ليذود عن فارسه و يتلقى الرماح عنه التي من كثرتها كأنها حبال البئر و كبر صدر الأدهم الذي تلقاها.
أن الشعر العربي فحل كفحولة فرسانه و خيله.
صور نعجز في وصفها للغرب.