كتب كثير من الرحالة الغربيين عن شاربات الريح!، هذا المصطلح التراثي الذي يعبر عن سرعة الخيل العربية وهي تسابق الريح في عدوها، والذي أعجب به كثير منهم وزينوا به مذكراتهم شعراً ونثراً، ومن أمثالهم (روجر. د. أبيتون) و(بيتر أبيتون) والرحالة البريطاني (ولفرد سكاون بلنت)؛ كتبوا؛ فوصفوا وأبدعوا، غير أن الإنجليزية (الليدي آن بلنت) في كتابها قبائل بدو الفرات؛ كانت الأكثر إبداعاً حينما خطت بقلمها بعضاً من روائع الجواد العربي الأصيل..
“حفظت الصحراء العربية سلالتها من الخيل سالمة الأصالة، فحيثما وجد البدوي في نجد أو في الحماد أو في الجزيرة وجد الجواد نفسه بنفس المواصفات والتقاليد الخاصة به، وهو السلالة التي أريد أن أتكلم عنها فقط دون غيرها من الخيل .. يبلغ ارتفاع الخيول البدوية الأصيلة من أربع عشرة إلى خمس عشرة قبضة، ويعتمد ذلك على البلاد التي تولد وتعيش فيها هذه الخيل، وعلى كمية ونوعية الطعام الذي تعلف به. والخيل البدوية تشبه خيلنا الإنجليزية الأصيلة بل هي صنوها المهجن مع بعض الفوارق المحدودة.
الجواد العربي شديد الثقة بنفسه وهو يسير، لكنه يبقى حذراً في الأرض الوعرة، إذ لا يقدم فيها على أيه خطوة خاطئة أبداً، وقد تشاهد ركب بعض الخيل العربية مكسورة، وذلك نتيجة لعدوها في أرض صخرية قبل أن يشتد عودها. والفكرة التي أخذت عن الجواد العربي بأنه عداء بطيء هي عكس الحقيقة، فهو يمشي بمعدل خطوات خيلنا، إلا أنه أقل سرعة من جواد “البارب”. إن ركضه طويل ومنخفض وأسرع عدواً من أية سلالة أخرى من الخيل، إذا ما قارنا ذلك بوزنه. فإذا ما وجدنا جواداً عربياً يبلغ ارتفاعه سبع عشرة قبضة، فإنه لن يخفق بترك أفضل الخيل الإنكليزية خلفه في السباق، إنه صغير الجسم ولكنه يحافظ على السير والجري مع خيل السباق الانكليزية.
كما أن الجواد العربي وثاب وجريء، حيث يعتبر من أجرأ خيول العالم، فبالرغم من أن الخيل العربية لم تعرف الحواجز في بلادها؛ نجد أن الخيل التي أحضرناها من هناك إلى إنجلترا لم تواجه أي صعوبة في قفز الحواجز التي جربنا الخيل عليها، حتى أن فرساً عربية أطلقت حرة في الحديقة على هواها عشية وصولها إلى انجلترا؛ فما كان منها إلا أن وثبت من فوق السياج الذي يبلغ ارتفاعه خمسة أقدام وستة إنشات.
إن قوة الركض في الجواد العربي تكمن في عدو الخبب، إذا ما قورن بالخيل الإنكليزية، ولكن لا أستطيع التحدث من موقع التجربة، بل لا أفترض على أية حال أن السباق الذي طول ميدانه ثلاثة أميال، وهي مسافة أطول ميدان سباق إنكليزي، سيكون للحصان العربي الحظ الأوفر في مجاراة أي حصان آخر، لأن أداءه يقل في المسافات القصيرة، وقد يختلف الوضع فوق مسافة خمسة أميال. أما في المسافات الطويلة والتي يزيد طولها عن عشرين ميلاً فأنا مقتنعة أنه لا يوجد خيول في العالم باستثناء الخيل الإنكليزية المتميزة جداً تكون لها القدرة على مجاراة الخيل العربية.
إن خيل العرب قادرة على قطع المسافات الطويلة بطريقة مدهشة، وهي تحمل الأوزان الثقيلة بدون تعب، وتمتاز بأنها تقبل التدريب بدون كلل أو ملل، فجواد قبيلة عنزة الأصيل يدرب وينجح في التدريب كأي حصان إنكليزي مخصص للسباق، وأنا لا أشك بأن لخيل العرب طاقات تحمل استثنائية عجيبة، فهي يمكن أن تمتطي في رحلة ما يوماً بعد يوم، ولا تتناول من الغذاء سوى الأعشاب التي تجدها في الطريق، دون أن يهن لها عزم مطلقاً، وهي مستعدة دوماً لأن تركض حتى نهاية الأشواط البعيدة، وهذا الشيء لا يمكن أن نجازف ونصف به خيلنا الانكليزية.
الخيل العربية تعد عاطفية النزعة وأليفة إلى حد المبالغة، تألف الإنسان ولا تخاف منه، وتسمح لأي شخص بالدنو منها وهي تأكل، وقد يمسك برأسها الإنسان ولا تخاف، وإذا ما صادفها مستلقية فإنها لا تتحرك حتى وإن اقترب منها كثيراً، ولا يمكن أن يخاف عندما يهش عليها برفع يده أو عصاه، لأنها تدرك بأن الإنسان لا يمكن أن يؤذيها. وأشد ما أدهشنا في الصحراء أن الخيل تأتي إلى أصحابها عندما تدعى، لتنال منهم ما يعدونه لها من مكافأة، وهذه النعومة والشجاعة البالغة هي مكتسبة بالتعليم والتدريب، ولكن إلى حد ما يمكن اعتبارها موروثة من الآباء والأجداد، والدليل على ذلك المهر الذي يولد ويربي في الاسطبل يبدو كالمروض تماماً حيث لا ينفر كما تنفر المهرة الإنكليزية، وقد يأتي هذا المهر إلى أي شخص يدخل المربط.
لم أر في حياتي جواداً عربياً سيئاً وخجولاً أو ظهرت عليه علامات الخوف أبداً. والخيل العربية لا تجفل عند اطلاق الرصاص من الأسلحة النارية بالرغم من أنها غير معتادة على مثل هذا، والمستولدة في إنجلترا لا تأبه لضجة القطار، ولا لأي ضوضاء مفاجئة، إذ لا تحدث عندها أي ريبة أو خوف، وفي هذا وجدتها تختلف عن الخيل البربرية والتركية، وتختلف عن كل الخيل الأجنبية الأخرى التي تعاملت معها”.
شاربات الريح .. بعيون الرحالة – الجزء الثاني
لو كانت لي دولة لجعلت صهيل هذا المخلوق نشيدها الوطني