بقلم: كيري رايت .. مترجم
معلومات أساسية
في الواقع، حتى تاريخ أعظم الأمم والحضارات في العالم المتعلق بكل ما تصوره البشر، وأسسوه، وأطروا له، وبنوه؛ غالبا ما يقاس بالأيام والشهور والسنوات والعقود، وربما حتى بالقرون. ولكن عندما يتعلق الأمر بالخيول العربية، يجب علينا أن نعدل وحدة القياس ونفكر في آلاف السنين. لقد أخفت هذه المخلوقات القديمة بداياتها الحقيقية عن نظرات الفضوليين الذين يقطنون عالما يتصف بحب الاستطلاع السلبي (التدخل فيما لا يعني). يمكن فقط التعرف على حقيقة الحصان العربي من خلال المزج السحري وحتى الطبيعي للحقائق التاريخية، والأسطورة، والموهبة الإلهية لأنه يمس شغاف قلوبنا ويوقظها فيدعونا إلى التعرف عليه، وأن نحبه، ونحميه إذا تواجد في بيئة معادية بشكل متزايد. إن عالمه، مثل عالمنا، آخذ في التغير، وكثيرا مما كان وما ينبغي أن يكون من عالمه هو للأسف عرضة لخطر الضياع .
وإذا رجعنا بالزمن إلى الوراء نجد أن البدوي كان وفيا في إخلاصه ورفقته للحصان العربي. ولكن الحداثة والتطور، فضلا عن قوى أخرى ليست من اختيارهم أو صنعهم، أحدثت تغييرا بشكل كبير في الترابط طويل الأمد بين الإنسان
والحصان، وفي بعض الحالات، كان هذا التغيير تغييرا أبديا. من، ممن يسكن على ظهر هذه البسيطة، يمكن أن يدعي في أي وقت معرفة الآخر معرفة كاملة ؟ وبالتالي فإنه في حين أننا لا نستطيع أن نفهم تماما جميع دوافع الأشخاص الأساسيين الذين، في ظل ظروف لا توصف بأقل معجزة، تطوعوا وقاموا بتجميع أفضل وأرقى الخيول العربية الأصيلة في زمانهم وحافظوا عليها، ولكننا يمكن أن نكون، بل ويجب أن نكون، ممتنين إلى هؤلاء الناس إلى الأبد. في حين أن هذا التجميع والمحافظة كان في البداية من خلال جهود بذلها أفراد مثل عباس باشا الأول، وعلي باشا شريف، والليدي آن بلنت، إلا أن من بين بلاد الأرض كانت هنالك دولة، على وجه الخصوص، أصبحت الوصي على هذه المخلوقات التي ترعرعت في رياح الصحراء والتي منّ الله عليها بالقدرة الظاهرية ” على الطيران بدون أجنحة”. تلك الدولة كانت مصر، التي ندين لها جميعنا بالكثير والكثير من الامتنان. ونسبة لما يقال عن الجمال الأسطوري للخيول العربية المصرية، توافد العديد على أبوابها، يحدوهم الأمل، ومتلهفين، لاقتناء الخيول التي من شأنها أن تكون الأساس لبرامج تزاوج الخيول أو تشكل إضافات هامة له. فاستفادت العديد من المرابط العامة والخاصة من جميع أنحاء العالم – بولندا، وروسيا، وألمانيا، والمجر، وأسبانيا، وإنجلترا، والولايات المتحدة – من سخاء مصر في هذا المجال .
ونسبة للتحديات والمشاكل التي تواجه الشرق الأوسط ، التقى أناس يحملون آراءً متشابه، مستوحاة من حياة السابقين من المربين وجامعي الفن الحي وشكلوا ما يعرف اليوم باسم جمعية الهرم التي تهتم بالحفاظ على الخيول العربية المصرية متصلة السلالة وترقيتها باعتبارها مصدر رئيسي للخيول العربية الأصيلة في العالم. تسعى جمعية الهرم جاهدة، بوصفها رائدة لمجتمع مربي ومالكي الخيول الدولي، إلى توحيد أعضائها في تربية الخيول المصرية متصلة السلالة عالية الجودة، وتشجيع استخدام دماء هذه الخيول المصرية كونها مصدر للتحسين الأصيل اللازم للخيول العربية. بوجه عام.
أعلنت جمعية الهرم في بيان صحفي بتاريخ 1 نوفمبر 2012 إطلاق كتيبها “معيار التميز: دليل جمعية الهرم إلى الخيول المصرية متصلة السلالة”، وهو إصدارة أساسية تضع الإطار المثالي لتصور الخيول المصرية متصلة السلالة وتقييمها، والحكم عليها، وتقديمها في ميدان العرض. وبعد أن قُدم الكتيب “معيار التميز” لأول مرة في المؤتمر الخامس القومي لمربي الخيول المصرية ذائع الصيت، الذي عقد في أكتوبر 2012، باعتباره محور المؤتمر، فإن هذا الكتيب سوف يكون الأساس للتحكيم في منافسات الجمعية السنوية للخيول المصرية، ابتداء من عام 2013.
يغطي كتيب التميز الذي صممته اللجنة التثقيفية بجمعية الهرم للاستخدام في الميدان كلَ ما يختص بخصائص السلالة المصرية، بما في ذلك النوع، والرأس، والعنق والكتف، والجسم والصهوة، والقوائم والحوافر، والحركة، والتحمل والجَلَد، والذيل المرتفع، واللون، والعلامات والشعر، والهيكل العظمي والطول، والشخصية، بالإضافة إلى فئات جديدة يتم تطبيقها في منافسات الخيول المصرية لعام 2013 وهي: التوازن والجودة والمضمون في المشي!. إن كتيب التميز الذي يضم 36 صفحة كاملة هو عبارة عن كنز من الأقوال التاريخية وتعاليم واضحة وموجزة مع رسوم توضيحية محددة، مما يجعله موردا معرفيا يجب اقتناؤه للمبتدئين والخبراء على حد سواء .
منذ تأسيسها، عملت جمعية الهرم بلا كلل لوضع تعريف واضح للخيول العربية المصرية متصلة السلالة، مشجعةً تميز السلالات من خلال مجموعة متنوعة من البرامج والأنشطة التعليمية، والمطبوعات المتميزة التي يقوم بها عضو الجمعية،. إن إطلاق كتيب معيار التميز، وهو عبارة عن استخلاص لمجموعة واسعة من الدراسات الحديثة والتاريخية عن سلالة الحصان العربي، يمثل لحظة حاسمة في حياة جمعية الهرم، ومؤكدا لدور هذه المنظمة بوصفها حامل الشعلة لمربي ومالكي ومدربي وسائسي الخيول المصرية العربية في جميع أنحاء العالم .
يتبادر إلى الذهن سؤالان مهمان عن طرح الكتيب للجمهور،: لماذا ؟ وربما بنفس القدر من الأهمية، لماذا الآن؟
لماذا ؟
” سوف تنحط جميع عمليات التربية وتحكيم حيوانات العرض إلى مجرد آراء شخصية إذا لم تتوفر معايير واضحة. ”
” إن معيار التربية في جوهره هو برنامج عمل لإعداد الحيوان لأداء وظيفته التي أعد لها – أي الرعي، والركوب …الخ ”
” توفر المعايير القواعد الأساسية لجميع أشكال منافسات الحيوانات حيث يحدد فيها مظهر الحيوان، في مقابل قدرته على أداء الاختبارات والقفز على الحواجز أو القفز بسرعة أكبر من نظرائه، نجاحَه أو فشله. إن المعايير توضح ما ينبغي أن يبحث فيه المربون والعارضون في العينة المثالية. ”
” تضع جمعيات أو أندية تربية الخيول معايير للتربية، وليس الأفراد، و تتم كتابتها لتعكس استخدام أو الغرض من أنواع وسلالات الحيوانات. تساعد معايير التربية على تحديد الحيوان المثالي من سلالة وتوفر أهداف للمربي في تحسين المخزون “
إن الغرض من معيار التربية هو أن يكون دليلا، أي إطارا عاما، يتخذ المربون من خلاله قراراتهم بأنفسهم فيما يتعلق بالأسلوب، والتفاصيل، في هذا المثال، استخدام الخيول التي سوف يربونها. إن المعيار عبارة عن مستودع للإجابات عن الأسئلة المحتملة حول العناصر الأساسية لنوع وبنية الحيوان .
” معيار التربية هو أداة لا تقدر بثمن في تحسين القطيع فنبغي دراسته من قبل جميع المربين عندما يتم تحديد أهداف تربية القطيع. إذ يتم استخدامه في اختيار و/أو الاحتفاظ بآباء/أمهات الخيل في برنامج التربية. إن استخدام معيار الصنف هو قيمة من حيث أنه يحداث التحسين الوراثي ضمن قطيع واحد وعبر الصناعة بأكملها . “
أخيرا، إن معيار التربية يعمل على توحيد المربين وتوحيد رؤاهم لكي يتعرفوا على نوع الحصان العربي المثالي. وضعت سيدة وينتورث الأمر بهذه الطريقة:
يقلق ” كثير من الناس على المقاييس أكثر من قلقهم على نوع الحصان، ويختلط عليهم الأمر في غياب شريط القياس ومعيار القياس … إن ‘العين’ لل
حصان موهبة منحها الله له مثلها مثل الأذن للموسيقى. وإن القدرة على الموازنة بين درجات نوع وبنية الحصان في لمحة يكون من خلال الإحساس بالتناسب والانسجام والرابط بين تلك الدرجات.”
لماذا الآن؟
بالرغم من أننا لا نحاول أن نبدأ من الصفر، إلا أن معيار التميز يسعى للاستفادة من تجارب الأجيال السابقة من المربين وتوحيد المربين في الوقت الحالي. ويكون ذلك من خلال تحليل الكتابات التاريخية والصور والأعمال الفنية التاريخية المتعلقة بأصول الخيول العربية المصرية متصلة السلالة وأصول استخدامها. وبعبارة أخرى، فإن الخيول العربية العتيقة التي تعتبر الخيول العربية المصرية متصلة السلالة خير مثال لها تجسد العلاقة المثالية بين الشكل الأصلي والوظيفة الأصلية للحصان . لاحظ ذلك مربي الخيول العربية المصرية العالمي ذائع الصيت، جوديث فوربيز، الذي قال: ” لم يراجع الإعرابي الذي سكن الصحراء أي كتاب في إنتاج الخيول العربية العتيقة – كانت مكتبته هي الكون ومبادئ الطبيعة، وكان التناغم هو مرشده. وتطور الوئام الذي نشأ بين الإعرابي وحصانه من خلال المصالح المشتركة، والولاء المشترك، والاحترام المشترك بينهما – والنتائج المشتركة. فجميع الصفات الحقيقية ( غير الملموسة ) التي يملكها الحصان العربي ونعجب بها اليوم هي نتيجة لإرث تليد نشأ عبر تبادل الرفقة والاحترام بينه وبين مالكه. “
الفروق في الأسلوب
تجيز معايير نوع الحصان بعضا من الفروق، وهي ما يعرف بالأسلوب. فعلى سبيل المثال، قد تتحلى أفراد من مجموعة من الخيول بجميع السمات الخمسة المميزة لنوع الحصان ( الرأس والعنق المقوسة، والظهر القصير، والكفل المستوي نسبيا والمرتفع نسبيا، والذيل المرتفع طبيعيا) وتَظهر في نفس الوقت أساليب مختلفة في إطار الخيول العربية المصرية متصلة السلالة، مثل الفرق الذي ننسبه في بعض الأحيان إلى أفراد من الخيل من أسر أو سلالات متباينة ( الخطوط الأكثر دورانا عند كحيلان في مقابل الخطوط ذات الطول الزائد عند صقلاوي ). فلا بأس من الفروق في الأسلوب لكن الفروق في النوع لا تحبذ بدرجة كبيرة وغالبا ما تنتقص من ما يعنيه أن يكون الحصان عربيا. وبغض النظر عن اختيار تمارين الانضباط، وأي شيء آخر يكون عليه حال الخيول، يجب أن تكون أولا ودائما خيولا جيدة، وخيولا عربية جيدة، وممثلا جيدا للخيول المصرية العربية متصلة السلالة المملوكة لجمعية الهرم. فكثيرا ما تملي الأسرة أو السلالة أسلوبها، ولكن الحال ليس دائما هكذا. وبعض مربي الخيول الذين يطبقون برنامج ماستر بريدرز ينغلقون في أسلوب واحد يكون مظهرهم الذي يعبر عنهم، ولكن ينبغي على الجميع الإيفاء بمقاييس محددة تتعلق بالنوع ضمن هذا المعيار. كما يجب الإشارة إلى أن جميع الأساليب التي تقع ضمن مقاييس نوع الخيول المصرية العربية مقبولة! تمثل الخيل المصرية متصلة السلالة، بشكل عام، جزءا أكثر محدودية لتجمعية جينات سلالة الخيول العربية المغلقة قبلا. ونحن، بالتالي، نرفض بصورة قاطعة فكرة أن أساليب أو سلالات معينة إلى حد ما أقل شأنا من أخرى. تعتبر جميع السلالات التي حددتها جمعية الهرم وأقرت بأنها مصرية متصلة السلالة مقبولة. ولدينا جميعا مظهر مفضل للخيل يعبر عنا، وكثيرا ما نذهب إلى أبعد من ذلك فنطوره ونحافظ عليه أو ” ننغلق فيه”. مثل هذه التفضيلات الفردية في الأسلوب والسلالة تصبح جزءا طبيعيا من عملية الاختيار فيما يتعلق بالخيول التي نشتريها وقرارات التربية التي نتخذها. ضمن كل سلالة من الخيول هناك الأرفع مكانا، و المتوسط مكانا، و الأقل شأنا، ولا نعرف على الإطلاق متى قد تكون ذات السمة التي نحتاج إليها من أجل تحسين قطعان منطقتنا موجودة في أسلوب حصان قريب منا مكانا أو في سلالات تختلف عن سلالات خيولنا.
كلمة تحذير
يجب على المرء أيضا أن يكون حذرا من تجريب تربية خيوله مهتديا فقط بالبدع أو التقليعات التي تظهر في ميدان العرض. مثل هذه البدع قد تسهم دون قصد في تقويض الأسس التي يقوم عليها مجتمع الخيل العربية الأصيلة وتفكيك نسيجها الاجتماعي. فليس من المستغرب أن المربين المخضرمين في جميع أنحاء العالم يعودون باستمرار وعلى الدوام إلى دماء الخيول المصرية متصلة السلالة لضخ نوع مهم من الصفات للقطيع بأسره.
والأسوأ من ذلك أن هناك ممن يتعامل مع الخيل من مالكيه أو مدربيه ولجان العرض من يمارس أو يشجع على أو يسمح بأساليب تدريب غير إنسانية وفاسدة تحيل حصانا مهادنا وحنونا بشكل طبيعي إلى حيوان مذعور، وفي بعض الحالات إلى حيوان عدواني لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال قريبا مما ألفه أسلاف العرب الذين قطنوا الصحراء والذين كانوا جزءا لا يتجزأ من العائلات البدوية ولا من الخيول التي كثيرا ما كانت تتواجد عند خيام أسيادها … وهى الخيول التي تحب إرضاء مالكيها وتمقت سوء المعاملة. لهذا السبب يركز معيار التميز أيضا على مزاج الحصان وطبيعته.
” يجب أن توضع سلوك الحصان وصفاته البدنية في الحسبان عند الحكم عليه بأنه حصان عربي مثالي، وفي الواقع، يجب أن تأتي الصفات التالية أولا، وهي: الحب والشجاعة والكرامة والرقة والصدق والروح والولاء والرشاقة والذكاء والرغبة في إرضاء سيده. إذ لا يمكن للشكل المادي أن يقوم بوظائفه ويلهم الإنسان من دون هذه القيم السامية.”
عالم متغير
كما اشرنا سابقا، إن عالم الخيول العربية آخذ في التغير. وبوصفنا حراسا وأمناء على تلك الخيول تقع على عاتقنا مسؤولية أن نتأكد من أن الحصان العربي الأصيل يحافظ على شكله المثالي، وأننا مستمرون من خلال الالتزام بالمبادئ والممارسات التي تتماشى بشكل وثيق مع أصوله – الحقائق التاريخية، والأسطورة، والموهبة الإلهية. وبوصفنا أعضاء في جمعية الهرم، نحن على ثقة من أنك عندما تتحصل على كتاب معيار التميز، وتقرأه وتدرسه، فإنك، مثل آخرين كثيرين في مختلف أنحاء العالم، سوف تلتفت إلى الخيول الأصلية التي تقف الخيول العربية المصرية متصلة السلالة خير شاهد عليها.
المقال رائع بارك الله فيكم