العرب هم أهل الخيل، وهم أدرى بصفاتها وطباعها، ومن الطبيعي أن نجد بين طيات الكتب التراثية العلمية الخطوات العملية الأولى نحو علم التحكيم المعاصر. وهم من حدد مبادئ السباقات، والمواصفات الجمالية وشروط التوصيف والأصالة، والنتائج المرجوة، مما يدل على أن علم التحكيم المعاصر للخيل هو تلخيص وامتداد لتصنيف وتحكيم العرب للخيل. في هذا الجزء نتناول مقياساً مهماً في علم التحكيم؛ وهو الحركة..
تعد الحركة عند الخيل من أهم المقاييس في علم التحكيم، وتختبر حركة الجواد عندما يقاد باليد أو عندما تتركه يسير على هواه، وقد يكون الامتحان أفضل عندما يكون الفرس مسرجاً وبكامل أدوات قيادته، وركوبه، وتعرف الحركة المنتظمة وغير المنتظمة من خلال معاينته عن قرب، ومن خلال سماع وقع حوافره على الأرض.
من المفترض أن تتحرك القوائم في خط مستقيم، والقوائم التي لا تعاني عيوباً في شكلها ووقفتها تكون حركتها منتظمة وترصد كيفية ومدى رفعها عن سطح الأرض، فالخيول التي ترفع قوائمها عالياً تتعب بسرعة، وهي أقل سرعة من الخيول مديدة الخطوة التي لا ترفع قوائمها عالياً. ويمكن أن تشاهد الخيل وهي تمشي أو تخب أو تعدو في ثلاث حركات رئيسية هامة.
تعتبر الحركة هي الفئة الأخيرة التي تعطي درجات في بطاقة التحكيم، كما جاء على لسان خبيرة التحكيم الدولية “سيندي ريتش”، موضحة أن المقصود بالحركة المشي والهرولة (الخبب) اللتين يعرض بهما الفرس أمام لجنة التحكيم. فمشية الجواد العربي عادة ما تكون حرة وذكية وأنيقة، وآثار الأقدام الخلفية يجب أن تتجاوز آثار الأقدام الأمامية بأكثر من 30 سم. أما الهرولة فهي تأرجح حر تلقي فيه الأقدام الأمامية نحو الأمام بشكل جيد بدءاً من الكتف، فتمتد بثبات قبل أن تحط على الأرض، كما تندفع الأقدام الخلفية نحو الأمام تحت الجسم بطريقة مماثلة؛ مما يعطي للفرس حركة إنسياب مميزة، ويصاحب ذلك تأرجح حر للأطراف نحو الأمام من عند الكتفين والعرقوبين، فتنثني انثناءً رائعاً عند الركبتين والعرقوبين.
الحركة بشكل عام تكون مباشرة ومتقنة وحقيقية، وواضحة المعالم، مما يتيح للحكم تتبع خطواتها بوضوح، وتدوين ما تستحقه من درجات في بطاقة التحكيم، فالحركة إيقاعية ومندفعة، خفيفة وذكية، متقنة وأنيقة، وحركية على الزوايا الأربعة التي يرتكز عليها جسم الفرس، ومديدة هادفة تذرع الأرض بقوة. وقد يبدي الفرس حركات رياضية متنوعة ومميزة تعكس المظهر الرياضي مع السرج وبدون السرج. وتتحكم سلالة الفرس ” كأن تكون عربية أو إنكليزية” بطبيعة الحركة فيما إذا كانت هذه الحركة طويلة جانبية، أو عالية دائرية، أو سابحة هوائية. ففي حالة الفرس الإنكليزية يتوقع الحكم أن يشاهد حركة قوية وكبيرة مقارنة بفرس آخر له خطوة جانبية منخفضة، وقد يجد الحكم في خيول أخرى فرساً يندفع من الخلف نحو الأمام بقوة وبخطوات مديدة. ولن تستهجن أية حركة لها ارتباط بسلالة الفرس.
الهدف من رصد الحركة هو التأكد من أن الخيل تتحرك بشكل صحيح، وقادرة على أداء العمل الذي أعدت من أجله، فقد يكون هذا العمل السير لمسافات طويلة بجد وفعالية. وتلعب نباهة الحكم ومدى خبرته دوراً كبيراً في تقييم حركة الفرس المعروض، وقد تتباين التقييمات ما بين حكم وآخر، غير أنها تبقى ملتزمة بالخطوط العريضة المدونة في بطاقة التحكيم.
ترى “سيندي” أن ما يعني ويهم الحكم في موضوع الحركة هو التعبير عن قناعاته الشخصية، دون أن يقرر على الحكام الآخرين ما يود أن يفعله أو يراه مناسباً. وتتلخص وجهة نظره في موضوع الحركة في النقطتين التاليتين:
أولاً عندما يدخل الفرس ماشياً إلى ميدان العرض برأس هابط ورقبة ممتدة، وهو يتحرك نحو الأمام، عندها يجب أن نتساءل أو نرصد فيما إذا كانت الخطوات متساوية ومتوازنة؟! وهل الحركة منحدرة أو نابضية، رشيقة أو بطيئة متثاقلة. وعن وضع محمل الذيل عند المشي، وكيف يستخدم الفرس لعنقه؟ وكيف يرفع قوائمه من الكتف أو من الركبة؟ ومن ثم هل الفرس معتداً بنفسه، وهل هو عصبي مثار، وعدواني أم جبان؟، وعندما يبتعد الفرس ينظر إليه من الخلف ليرصد التوازن في حركة العرقوبين، وهل العرقوبان متقاربان أم متباعدان؟ وهل الذيل يهبط عمودياً نحو الأسفل أم أنه يلتوي جانباً؟.
أما النقطة الثانية فهى عندما يدخل الفرس الحلبة مهرولاً، ففي هذه الحالة تقيم الحركة والفرس يجري على طول السياج، على أن يكون التقييم سريعاً، والمطلوب رصد التوازن، والاندفاع وصحة الخطوة، ووضع الذيل، ومحمل الرأس والعنق، واستخدام الكتف والذراع، والظهر والأرباع. وقد يلام السائس الذي لم يوازن بين السرعة وأداء الحركة المطلوبة، فعندما يندفع الفرس نحو الأمام يلجم نحو الخلف، ويطلق ليركض نحو الأمام ومن ثم يلجم وهكذا. وعندما يلجم الفرس فقد يشب على الأقدام الأمامية، والأنف يتجه نحو الأعلى، ثم يركض من جديد، فيتمكن المحكم من تقييم حركته وقد تتدخل خبرة السائس في تحديد الدرجة المعطاه للفرس أثناء الحركة، عندما يتمكن من عرضه بطريقة صحيحة من دون عنف أو إثارة، وقد يكون غير ذلك؛ فيضطرب الفرس أثناء أداء الحركة، فيقع في أخطاء استعراضية تقلل من إمكانية نيله الدرجة التي يستحقها.
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الأول)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الثاني)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الثالث)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الرابع)
علم التحكيم .. الريادة للعرب (الجزء الخامس)
المصدر: كتاب “تحكيم الجواد العربي بين الأصالة والجمال” لنضال خضر معيوف