كلتا الحسنيين، لا إحداهما؛ حازت عليها الخيل العربية الأصيلة، فعوضاً عن جمالها الأخاذ الذي اشتهرت به؛ فقد اتصفت بالصبر والتحمل في أصعب الظروف، حتى أحبها الفرسان أيما حب، وكتب عنها الشعراء، وضربت بها الأمثال. لكن؛ مازال كثير منا يرجح كفة على أخرى، ويميل إلى جانب دون آخر. فلو أنا عادلنا الميزان، وأكملنا معنى الجمال، وعدنا إلى التاريخ وقلبنا صفحاته بروية؛ لباتت خيلنا في مرابطها متباهية بحسنييها؛ جمال أعضائها، وصفات أخرى كثيرة .. وأيضاً جميلة..
لم يخلق الجواد العربي للجمال والزينة فقط، بل هو للجمال وجودة الأداء والقدرة على التحمل، فربما نشاهد فرساً لا يعجبنا شكلها، تجول في الميدان بأبهى صورة، تنطلق بسرعة كبيرة، ويطول بها الشوط دون أن تتعب. وإذا ما كنا لا نرى الجمال في الخيل إلا من خلال جمال أعضائها وجسمها فمفهوم الجمال يكون ناقصاً، وعلينا أن نبحث عن الجمال في تكامل وحدته عند العرب، فقد شغف العربي بفرسه، فوجد فيه صديقاً حميماً، يجده في الشدة قبل الرخاء. وقد أعز العرب الخيل، وتباهوا بها، وكانوا يركبونها في الأسفار وفي كل شؤون حياتهم، حتى قيل إن الخيل أنفع في المعارك من الإبل.
ولعل سباقات القدرة والتحمل التي تجرى اليوم؛ وافقت مفهوم أن الحصان العربي ما كان للجمال وحده، وقد جاءت لتحقيق الأهداف التي من أجلها روض الحصان العربي؛ كالسير الطويل المتواصل، والمطاردة في الصيد وفي الحروب والخدمة والوفاء، وأداء المهام الجسام حتى في أصعب الأوقات. ومن الغبن بحق الجواد العربي أن يوقف للزينة والجمال، وتترك الساحات في المسابقات، وقفز الحواجز للخيول الأخرى، على الرغم من أنه بطل الساحة في كل الميادين، فقد خاض غمارها في الماضي وسوف يخوض غمارها في الحاضر والمستقبل عندما تتاح له الظروف.
لقد أعادت مسابقات القدرة والتحمل إلى الجواد العربي شيئاً من إعتباره، فهو طويل النفس، صبور في المشي والركض وقطع المسافات الطويلة، وصبور في كل شئ، ولا غرابة في ذلك، فهو ابن الصحراء العربية بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى، حيث القسوة، وشظف العيش، وندرة الماء والغذاء، وهو والنخلة العربية والإبل العربية أعجوبة الدنيا في الصبر والتحمل، وكأن الله خلقهم للعطاء وجودة الأداء. ومن قبل قال الخديوي عباس باشا: ” الحصان العربي هو ابن الصحراء العربية، ولن يجود إلا عندما يعود ليعيش في الصحراء”. ولعل حصان عنترة بن شداد “الأبجر” قد ضرب مثلاً في الصبر وتحمل الجراح، حتى قال فارسه:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ولبانه حتى تسـربل بالـدم
وقال أحدهم: ” جرح تحتي حصان في إحدى الحروب ثلاثة جراح وأنا أقاتل عليه، ولا أعلم والله أنه قد جرح لأني ما أنكرت منه شيئاً”.
نظمت الولايات المتحدة الأمريكية أول سباق للخيل بالنسبة للمسافات الطويلة في “فيرمت” خلال شهر سبتمبر عام 1913م وذلك بمشاركة الخيول العربية الأصيلة، وقد كانت المسافة طويلة جداً، حيث أعطت الأولوية في هذا السباق لعامل الوقت، فامتد السباق إلى 246م، وقد بلغ وزن حمل الحصان 72,5 كجم بما فيه وزن الفارس، ففاز بهذا السباق الجواد العربي “بلقيس” من سلالة المعنقي.
آيات قرآننا الكريم، جاء فيها اسم الخيل مقروناً بالسرعة والقوة، بالإضافة إلى الركوب، فكان ذلك جلياً في الآيات الكريمات ” وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَات قَدْحًا…” فالعاديات جمع عادية، وهي الجارية بسرعة، والمراد بها الخيل العادية في الغزو نحو العدو، والضبح هو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو. أما الموريات قدحاً فهى الخيل حين تقدح بحوافرها، فجعل ضرب الخيل بحوافرها الأرض بقوة كالقدح بالزناد. وفي الأية الكريمة ” وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”. جعل الله هذه الثلاثة للركوب والزينة، وذلك أكبر المقاصد منها.