من خلال معرض «الخيل: من شبه الجزيرة العربية إلى رويال آسكوت» بالمتحف البريطاني
يفتتح اليوم في المتحف البريطاني معرض «الخيل: من شبه الجزيرة العربية إلى رويال آسكوت» الذي يستكشف دور الخيول في منطقة الشرق الأوسط منذ بدء ترويضها قبل نحو 3500 عام قبل الميلاد وحتى يومنا هذا.
ويسلط المعرض الضوء على تقاليد الفروسية العريقة في المملكة المتحدة بدءا من إدخال الخيول العربية الأصيلة إليها في القرن الثامن عشر ووصولا إلى المنافسات الرياضية في عصرنا الحالي مثل مهرجان «رويال آسكوت» والألعاب الأولمبية.
وقام الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزير التعليم السعودي ورئيس صندوق الفروسية السعودي، بجولة في أرجاء المعرض واطلع على الأعمال المعروضة فيه. وقال الأمير فيصل بعد الجولة للصحافيين عن فكرة المعرض، إنها «بدأت من التسعينات، عندما انضممنا إلى الاتحاد الدولي للفروسية قالت لنا الأميرة آن: (أنتم إضافة مميزة، خاصة أن الملك عبد العزيز كان آخر شخص في التاريخ يوحد بلدا على ظهور الخيل). ومن هنا بدأت الفكرة بأن نبرز الخيل العربية، ونتج عن ذلك كتاب (فروسية) الذي استغرق العمل عليه سبع سنوات، وجمعنا فيه عن كل القطع الفنية التي تروي علاقة الإنسان بالحصان، ومن هذا ظهرت عدة معارض كان أولها في مكتبة الملك عبد العزيز في عام 2000 ثم كنتاكي في 2010، وأنا سعيد أن نكون اليوم في المتحف البريطاني، لأن البداية كانت معهم وقد ساعدونا كثيرا في التحضير لهذا المعرض عبر لجنة خاصة».
جون كيرتيس، القائم على المعرض، اصطحب «الشرق الأوسط» في جولة داخل أرجاء المعرض، وأشار إلى أنه ينقسم إلى خمسة أقسام رئيسية، تبدأ من فترة ما قبل الإسلام، ثم القسم الإسلامي، يليه الجزيرة العربية، ثم قسم خاص عن الرحالة البريطانية ليدي آن بلنت، وأخيرا يختتم المعرض بقسم عن بريطانيا مع التركيز على الخيل في الألعاب الأولمبية.
وحسب تعبير كيرتيس، فالمعرض يبدو كدائرة تبدأ باستكشاف أصل الخيل العربي ووجوده في الآثار في منطقة الجزيرة العربية، ويتتبع بدايات وصوله إلى بريطانيا عبر ثلاثة أحصنة بالتحديد، ثم يختتم بالخيول العربية التي شاركت في الدورات الأولمبية السابقة والميداليات التي حصلت عليها، وهي خاتمة تتواءم مع إقامة الألعاب الأولمبية في لندن بعد شهرين.
بدايات المعرض، كما يشرح كيرتيس، مع «ما قبل الخيل»، حيث لم تعرف الخيل بشكل خاص، ومما نرى من الآثار الموجودة من تلك الفترة رسومات ونقوشات تشير أكثر إلى استخدام الحمير مثل القطعة المعروضة التي تعود إلى 2500 عام قبل الميلاد. يقول كيرتيس «الخيل قدمت إلى الشرق الأوسط وبلاد ما بين النهرين نحو 2300 قبل الميلاد». وقبل ذلك، كان يتم استخدام الحمير للنقل، ولا سيما في جر عربات خشبية بطيئة ولكنها تعتبر متقدمة بالنسبة لزمنها، وهو ما يمكن رؤية دليل عليه في المدفن الملكي لمدينة أور جنوب العراق. ويقدم المعرض واحدة من أقدم القطع الأثرية المعروفة التي تصوّر شخصا يمتطي صهوة جواد، وهي عبارة عن رقيم طيني تم العثور عليه في العراق ويعود تاريخه إلى نحو 2000 – 1800 قبل الميلاد.
يشير كيرتيس أيضا إلى لوح صخري يعود إلى الأسرة الـ18 في مصر القديمة وجداريات، ويعلق «قد يقول البعض إن الخيل المصورة هنا تشبه الخيول العربية خاصة لما تتمتع به من صفات مميزة كالأنف أو الذيل المرتفع، ولكن في كل الحالات أعتقد أن هناك جدالا قائما حول ما إذا كان من الممكن القول بأنها خيول عربية. أعتقد أنه قبل 400 عام لم يكن باستطاعتنا التأكد من نسل الخيل، فكان البعض يقول هذا يشبه الحصان العربي، ولكن لم يمكننا التأكد من ذلك بسبب التزاوج والاختلاط بين السلالات».
في خزانة زجاجية في منتصف القاعة التالية، يوجد مجسم من الجلد لرأس حصان جمل بلجام يعود إلى الأشوريين وهو من مجموعة المتحف البريطاني، يشير كيرتيس إلى المجسم قائلا: «اللجام والسرج مصنوعان من العاج والبرونز. ونعرف من اللوحات الصخرية والنقوشات من تلك الفترة أنهم اهتموا بشكل كبير بزينة الحصان وهو ما حاولنا القيام به هنا».
الرسومات والمخطوطات المعروضة من تلك الفترة توضح أن الخيول كانت تستخدم للحرب أو النقل، وهو ما يعلق عليه كيرتيس بقوله: «تماما، الخيول كما نرى استخدمت للحرب أولا والنقل وأيضا الصيد، ولكننا لا نرى بعد استخداما لها في الترفيه مثل السباقات».
في القسم الخاص بالمرحلة الإسلامية، نجد مجسما لفارس على صهوة جواد بلباس الحرب الذي كان يستخدم خلال حكم الدولة العثمانية، ونتأمل عن قرب لباس الحرب على المقاتل مكتملا بالقميص الحديدي والخوذة، كما يكتمل المشهد بقميص خاص بالحصان لحمايته خلال الحرب وأيضا لبعث الخوف لدى الأعداء. المجسم استعاره المتحف من مستودع الأسلحة الملكية في ليدز. ومن الدرع الثقيلة النحاسية، ننظر إلى جانبها لباسا خاصا من السودان مصنوعا من القماش السميك الملون والمصنوع كدرع للفرسان في القرن التاسع عشر، وكما يشير كيرتيس فإن اللباس لا يمكن اعتباره درعا كافية، خاصة في الحروب.
ونرى من خلال المعرض أيضا قطعا من الفن الإسلامي تعود إلى سوريا وإيران وتركيا التي تصور الخيول على سطحها، فمن الصحون النحاسية إلى الجرار والآنية الفخارية. وتثبت القطع، كما يشير كيرتيس، إلى أن الفن الإسلامي استعان برسومات للحيوانات ولم يبتعد كليا عن رسم الكائنات الحية.
وينعكس دور الخيول في العالم الإسلامي عبر مجموعة من المنمنمات والخزفيات والمخطوطات العربية والفارسية والتركية والمغولية من القرن السابع للميلاد؛ حيث تظهر منمنمات مغولية صورا لأمراء يمتطون خيولهم العربية الأصيلة التي كانت تشتهر بسرعتها وقدراتها الجبارة. كما يتضمن المعرض مخطوطة من مقتنيات المتحف البريطاني بعنوان «فروسية» تم نسخها في القرن الـ14 في القاهرة وهي بمثابة دليل متكامل يتضمن معلومات تفصيلية حول الفروسية بما فيها سبل العناية بالحصان، وأساليب الامتطاء الاحترافية، وكيفية التعامل مع الأسلحة، والمناورات، وتشكيلات المواكب.
المعرض استعان بمعروضات من جهات مختلفة مثل المجموعة الملكية ومتحف فيتزويليام بكمبردج والمتحف الحربي البريطاني والمكتبة البريطانية، وأيضا مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض التي يقدم منها مجموعة من المصاحف الأثرية. وأيضا يقدم المعرض مخطوطة عباس باشا التي يعود تاريخها إلى القرن 19 بعد الميلاد، والتي تسلط الضوء على أهمية الخيول الأصيلة في الشرق الأوسط. وتعد هذه الوثيقة مصدرا مهما للمعلومات حول سلالة الخيول العربية الأصيلة التي جمعها خديوي مصر عباس باشا من مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
وفي القسم الخاص بالجزيرة العربية، نجد صورة بانورامية كبيرة لرسومات خيول قديمة على صخور تم العثور عليها في مواقع مختلفة من السعودية وتعود إلى فترات زمنية متباينة، بالإضافة إلى قطع مميزة من قرية الفاو تتضمن رسومات جدارية وتماثيل صغيرة.
أما القسم الخاص بالليدي آن بلانت (1837 – 1917) جدة اللورد بايرون وزوجها الشاعر ويلفريد سكاومان بلونت (1840 – 1922)، فيمثل العلاقة بين الجزيرة العربية وبريطانيا، حيث أسس الزوجان إسطبلا مرموقا للخيول العربية الأصيلة ساهم في الحفاظ على هذه السلالة في حديقة «كرابيت بارك» بمدينة ساسيكس الإنجليزية. وكان البريطانيون في السابق يستوردون الخيول من منطقة الشرق الأوسط، غير أنهم زاوجوا في القرن الـ17 للميلاد ثلاثة فحول عربية مع الأفراس المحلية، مما أنتج سلالة «ثوروبريد» الهجينة التي تعد الأقوى حضورا في السباقات الحديثة، والتي يعود أصل 95 في المائة منها إلى هذه الجياد العربية الثلاثة. وتعكس الرسومات والأعمال الفنية والميداليات النجاح الذي حققته هذه السلالة الهجينة، وتأثيرها الكبير في شتى الميادين الاجتماعية والرياضية، بدءا من أقدم السباقات ووصولا إلى فعاليات الفروسية الحديثة. ومن تلك المعروضات عدد من اللوحات، منها لوحتان للفنان جورج ستابس وأخرى تصور موسم سباق الخيل في آبسوم وترسم صورة اجتماعية لمناسبة مهمة في المجتمع البريطاني.
وينتهي المعرض بإيماءة للألعاب الأولمبية وعدد من الميداليات التي فازت بها خيول سعودية في سيدني وسنغافورة، وأيضا الكأس التي حصل عليها حصان الملكة إليزابيث بعد فوزه بسباق «آسكوت» عام 1954.
– المعرض يقام تحت رعاية الملكة إليزابيث الثانية وبتمويل من صندوق الفروسية السعودي، للاحتفال باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث في الفترة ما بين 24 مايو – 30 سبتمبر 2012