إن مخلوقا ضُرب به المثل في وصف المؤمن؛ لذو حظ عظيم!.. فقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث؛ حال المؤمن في إيمانه، بحال الفرس المربوط في الوتد. فيا بخت المشبه، والمشبه به. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “مثَلُ المؤمنِ ومَثَلُ الإيمانِ كمَثَلِ الفرَسِ في آخِيَّتِه يجولُ ثمَّ يرجِعُ إلى آخِيَّتِه وإنَّ المُؤمِنَ يسهو ثمَّ يرجِعُ إلى الإيمانِ فأطعِموا طعامَكم الأتقياءَ ووَلُّوا معروفَكم المُؤمنينَ “.
(مثل المؤمن): بفتح الميم والثاء، أي صفته العجيبة (ومثل الإيمان): أي في حالته الغريبة (كمثل الفرس في آخيته): همزة ممدودة فخاء مكسورة فياء مشدودة: عروة حبل في وتد، يدفن طرفا الحبل في أرض فيصير وسطه كالعروة، ويشد بها الدابة في العلف. (يجول): أي يدور (ثم يرجع إلى آخيته): والمعنى أن المؤمن مربوط بالإيمان لا انفصام له عنه، وأنه إن اتفق أن يحوم حول المعاصي يتباعد عن قضية الإيمان من ملازمة الطاعة، فإنه يعود بالآخرة إليه بالندم والتوبة، ويتدارك ما فاته من العبادة وهو المراد بقوله: (وإن المؤمن يسهو): أي عن الإيمان بالغفلة عن مراتب الإحسان (ثم يرجع إلى الإيمان): أي بعون الرحمن. فإذا كان حكم الإيمان حكم الآخية فقووا الوسائل بينكم وبينه و(فأطعموا طعامكم الأتقياء): وإنما خص صلى الله عليه وسلم الأتقياء بالإطعام; لأن الطعام يصير لبدن فيتقوى به على الطاعة، فيدعو لك، ويستجاب دعاؤه في حقك. وروي: ” لا تأكل إلا طعام تقي ، ولا يأكل طعامك إلا تقي” ، وليس كذلك سائر المعروف، ولهذا عممه لعموم المؤمنين بقوله : (وولوا): من الإيلاء وهو الإعطاء، أي خصوا، (معروفكم): أي إحسانكم (المؤمنين): أي أجمعين دون المنافقين والكافرين.