في العصر الحديث دارت معارك عنيفة، أرغمت المراجع على توثيقها، واضطرت المنتديات والمؤتمرات لمناقشتها، سعيا وراء عدم اندلاع أخوات لها، ومحاولة لإخماد ما كانت قائمة منها. تناولت الأقلام هذه الحروب، لا لتذكر الماضي الأليم؛ وإنما للبحث عن مستقبل مشرق خال من القتل والتشريد، فأفضل ما في الحرب انتهاؤها. وقد عدت الحرب العالمية الأولى أعنف صراعات التاريخ. وفي خضم هذا العنف زجت الخيول، فكانت مشاركا فعالا، وعنصرا مهما. ونحن بقلمنا نوضح مشاركة هذه المخلوقات القوية الصابرة التي اعتادت على هذه الساحات منذ القدم، للقراء الكرام..
كانت وحدات سلاح الفرسان أحد العناصر الهجومية الأساسية في القوات العسكرية، بشكل عام. إلا أن هذه القوة ضعفت أثناء هذه الحرب، وقلت فاعليتها. لكن؛ بالرغم من ضعف تاثير سلاح الفرسان في هذه الفترة أمام المدافع الرشاشة الحديثة ونيران المدفعية؛ إلا أنه لعب دورا مهما طوال فرة الحرب.
عمل كل أطراف النزاع الرئيسيين في الحرب العالمية الأولى، على استخدام قوات سلاح الفرسان في بداية الحرب. توقفت ألمانيا والنمسا والمجر عن استخدامها في الجبهة الغربية، بعد فترة وجيزة من بدء الحرب، لكنها واصلت استخدامها بقوات محدودة على الجبهة الشرقية. وعلى الجانب الآخر، استخدمت المملكة المتحدة المشاة المحمولة وسلاح الفرسان طوال فترة الحرب، بينما استخدمت الولايات المتحدة سلاح الفرسان لفترة قصيرة فقط. وبالرغم من عدم نجاح قوات فرسان الحلفاء على الجبهة الغربية، إلا أنها حققت بعض النجاح في المعارك التي دارت في الشرق الأوسط، ربما يرجع ذلك جزئيا إلى مواجهة عدو أضعف وأقل تقدما من الناحية التكنولوجية. أما العثمانيون، فقد استخدموا سلاح الفرسان على نطاق واسع خلال تلك الحرب، كما استخدمت روسيا قوات سلاح الفرسان على الجبهة الشرقية، ولكن بنجاح محدود.
كان استخدام الجيوش للخيول أساسا لتقديم الدعم اللوجستي أثناء الحرب، حيث كانت أفضل من المركبات الآلية في التنقل في الأراضي الموحلة والوعرة. كما استخدمت لأغراض الاستطلاع وحمل الرسائل، فضلا عن جر المدافع وسيارات الإسعاف وعربات الإمدادات. كان لوجود الفرسان أثره في زيادة الروح المعنوية بين الجنود في الجبهة في كثير من الأحيان، ولكنها ساهمت أيضا في انتشار الأمراض في المعسكرات بسبب الروث والجثث. كانت الخيول ذات قيمة كبيرة أثناء الحرب ويصعب تعويضها، حتى أنه بحلول عام 1917، أصبح من المعروف بين بعض الجنود، أن فقدان حصان أسوأ من الناحية التكتيكية من فقدان جندي. وحين منعت قوات الحلفاء إمدادات الخيول إلى قوات المحور المركزي المحاصرة، ساهم ذلك في هزيمة ألمانيا. ومع نهاية الحرب، حتى الجيش الأمريكي ذو الإمدادات الجيدة، افتقر للخيول.
قست الظروف على الخيول في الجبهة، فقد قتلت بنيران المدفعية وعانت من الأمراض الجلدية وتسممت بالغاز. مات مئات الآلاف من الخيول، كما عولج العديد منها في المستشفيات البيطرية، وأعيد إرسالها إلى الجبهة. كان توفير العلف للخيول من المشاكل الرئيسية، فقد خسرت ألمانيا العديد من الخيول جوعا بسبب عدم وجود العلف. شُيدت عدة نصب تذكارية للاحتفال بالخيول التي ماتت في الحرب، كما ظهرت العديد من الروايات والمسرحيات والأفلام الوثائقية التي استعرضت استخدام الخيول في الحرب العالمية الأولى.