بقي الحصان بشموخه يمتلك القيمة التاريخية التي عرف بها، ولم تهتز تلك القيمة مع التطور الحضاري، بل زاد الاهتمام به، وخصوصا الخيول الأصيلة التي أقيمت لها الإسطبلات الراقية، وخصص لها الأطباء البيطريون الذين يعتنون ويشرفون عليها ويضمننون راحتها، مسخرين لذلك أحدث التقنيات.
أما في الأزمنة القديمة، فقد اعتبر اقتناء الخيل والاهتمام بها مظهرا من مظاهر القوة والجاه والسلطان، وكان للخيل الدور الهام في حياة العرب. ومن قبل ذلك لم يكن ترويضها لدى الإنسان القديم ممكنا، إلى أن حل ذلك الوقت الذي استطاع فيه ابتكار بعض الأدوات، ومنها أدوات الصيد. ولم يستخدم الحصان في أعمال المزارع والجر إلا في القرن الـ 19.
وكان في البداية يركب عاري الظهر ولم يستخدم السرج ولا اللجام إلا مع الحصان العربي الأصيل. أما دور الحصان لم يختلف كثيرا عبر التاريخ، وإن انحصر الآن في السابقات المحلية والدولية، التي تبرز قوة الحصان، ومهارة مدربه، وبقي امتلاكه كما كان من قبل دلالة على الجاه والقوة.
الحصان تاريخياً
عرف الإنسان الحصان منذ العصر الحجري، واعتمد المؤرخون على ظهوره وفترة تحديدها من الرسوم الصخرية، التي سجلت صورا للأحصنة. وتــم توافــــد الخيول من آسيا من قبل البدو، حيث يعتقد بأنهم أول مـــن أستأنسها ثم نقلوها إلى الصين فآسيا الصغرى وأوروبا وسوريا والبلاد العربية ومصر. وفي الفترات الأولى استخدم الحصان للحرب والمباهاة والتفاخر. ومن قبلها ظهر الحصان في افريقيا مع غزو الهكسوس لمصر في حوالي القرن الـ 15 قبل الميــــلاد وذلك لجـــر العجـــلات الخفيفــــة.
أنواع وفصائل
وينتمي الحصان إلى الفصيلة الخيلية، ويعتبر حيوانا ثدييا وحيد الحافر، أما أنواعه فهـــي متعددة، وتتفاوت فيما بينها تفاوتا كبيرا، في الشكـــل والحجـــم والسرعــــة والقدرة على التحمل، فمنها الحصان العربي والحصان الإنجليزي والحصان المهجن الأصيل بين العربي والإنجليزي، والمخصص لسباقات الأرض المنبسطة، والحصان البربري.
وللخيول ألوان كثيرة، ومن أشهر ألوانها الكميت والأشقر والأحمــر والعسلي والأسود والأشهب. ومن صفات الجمــال والمحاسن للخيول هو وجود الحجل لديهـــا (البيــصاض فوق الحافر)، وكذلك الغرة (البياض في الجبهة)، وسعة العينين والمنخارين واتساع الجبهة واستقامة الظهر وانتظام القوائم وتقوس الرقبة وقوة العضلات وضيق الخصر. ويمتلك الحصان 32 زوجا من الصبغيات (الكروموزومات). في حين يمتـلك الإنسان 23 زوجا.
الحصان العربي
يعد الحصان العربي من أعرق سلالات الخيول في العالم وأغلاها ثمنا، ويرجع ذلك إلى عناية العرب بسلالات خيولهم الممتازة والمحافظة على أنسابها.
فهي تجمع بين جمال الهيئة، وتناسب الأعضاء ورشاقة الحركة، وسرعة العدو من جهة، وحدة الذكاء، والمقدرة العالية على التكيف فالحصان العربي الأصيل، يعتبر من أقدم الجياد على الإطلاق بدمه الأصيل، بل إن الحقائق التاريخية تشير إلى أن بلاد العرب لم تعرف إلا سلالة واحدة من الخيل الأصيل استخدمت لغرضين وهما الحرب والسباقات.
يمتاز الحصان العربي بصفات الجمال والشجاعة، وينتمي لخمس عائلات عرفها العرب، وكل عائلة تمتاز بصفة تميزها عن غيرها، بينما تجتمع العائلات الخمس بصفة موحدة، وهي أن قدرة حمل الأكسجين في كريات الدم لديها أكثر من غيرها من الخيول الأخرى.
أصالة
تعتبر أصالة الخيل إحدى أهم الخصائص التي يتم البحث عنها، وتصنف الأصالة في الخيل إلى أن ميلادها تم من سلالة أصلية دون الاختلاط بدماء هجينة، إضافة إلى ضرورة وجود السلالة بصفة مستمرة. ويؤكد المؤرخون أن الخيل العربية الأصيلة هي الخيل ذات السلالة الأصيلة الوحيدة للخيول العربية.
بينما تسمى خيول السلالات الأخرى بـ (مؤصلة) وليست أصيلة ذات دماء نقية، فالحصان العربي الأصيل تم تهجينه لإعطاء أنواع أخرى صفاته، وجميع هذه الأنواع تسمى هجينة، ويعتقد البعض أن كلمة “أصيل” تطلق على الخيل العربية فقط، وهي تطلق على جميع الخيول، التي تحتفظ بصفات سلالتها دون مخالطة، سواء كانت عربية أو أوروبية أو غيرها. ومن السلالات توجد الخيل المصرية والكردية وخيول هضبة الأناضول والمنغولية وغيرها الكثير.
خصائص الخيول الأصيلة
يعتبر الحصان العربي من أجود وأسرع أنواع الخيول، وتم تهجينه في أوروبا وبكثرة. ويتصف بالجمال الفائق الذي يميزه عن بقية الخيول في العالم.
ومن أهم صفاته أنه يمتاز بوجه صغير جميل وعينين واسعتين، وأذنين صغيرتين وتقعر خفيف في الوجه مما يضفي عليه نوعا من الجمال الوحشي في بعض الأحيان، ويتميز الحصان العربي بكبر حجم الصدر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على كبر حجم رئة الحصان العربي، والتي تؤهله للقيام بالأعمال الشاقة وتفرده في سباقات الخيل للمسافات الطويلة (الماراثون). ويتميز أيضا بوجود تقعر خفيف في منطقة الظهر، والذي يعتبر من محاسن الحصان العربي. وتتميز أرجل الحصان العربي بالقوة والمتانة، وهي التي تؤهله للقيام بأعمال شاقة سواء في الحرب أو السباق.
خيول الذاكرة
حفظت الذاكرة أسماء أشهر الخيول في التراث العربي، ولعل أشهرها داحس والغبراء، لأن حربا اشتعلت بسببهما بين قبيلتين من أكبر القبائل العربية، وهما عبس وذيبان، واستمرت الحرب أربعين عاما إلى أن أصلح بينهما الحارث بين عوف، وهرم بن سنان. أما “الصفا” فهي من نجل الغبراء، وهي فرس مجاشع بن مسعود السلمي، واشتراها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بعشرة آلاف درهم، فلما غزا مجاشع قال عمر: تحبس منه في المدينة، وهو في نحر عدوه، وهو إليها أحوج، فردها إليه.
ومن أشهر الخيول أيضا أطلال، وهي فرس بكير بن شداد الشداخ، وكان يمتطيها يوم القادسية، وقد حجم الناس عن عبور نهرها وخندقها، فصاح بكير وثبا أطلال، وكان عرض النهر أربعين ذراعا فجمعت أطلال نفسها ثم وثبت، فإذا هي وراء النهر، فقال الأعاجم هذا أمر من السماء وانهزموا. وهناك خيول أخرى ارتبطت أسماء معظمها بقادة عرب مثل الحرون، أعوج الأكبر، الخطار، الشيماء، الحموم، وغيرها.
خيول الشعر
منذ الجاهلية والشعراء العرب يتغنون بالخيول لدلالات كثيرة لها علاقة بالحرب والقوة، أو لإبراز جمال هذه الخيول وصفاتها التي لاقت التقدير على مر العصور، إذ لا يوجد كائن لاقى ما لاقاه الحصان من تقدير واهتمام، قال امرؤ القيس واصفا الحصان في معلقته الشهيرة:
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيف من عل
وقال زهير بن أبي سلمى واصفا الخيل:
قد عوليت فهي مرفوع جواشنها
على قوائم عوج لحمها زيم
وقال المتنبي:
أعز مكان في الدنى سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
في الأدب العربي
وبقي الحصان رمزا يحضر وبكثرة في الأدب العربي الحديث، بل ويحتل عناوين الإصدارات، مثل لماذا تركت الحصان وحيدا، للشاعر الراحل محمود درويش، الذي قال في قصيدة بديوانه:
“لماذا تركت الحصان وحيدا”
لماذا تركـــت الحصــــان وحيدا
لكي يؤنس البيت يا ولــــدي
فالبيوت تموت إذا غاب سكانها
بينما اختار فيه الشاعر أمل دنقل عنوان “الخيول” لإحدى قصائده التي قال في مطلعها:
الفتوحات في الأرض
مكتوبة بدماء الخيول
وحدود الممــــالك
رسمتــــها السنابك
والركابان ميزان عدل يميل
مع السيف حيث يميل
الخيول في الفن
رسم الفنانون الخيول في الكثير من اللوحات، عبر تاريخ الفن، ولكن هناك من تخصص برسم الخيل دون سواها ومنهم جورج ستابس الذي يعد أعظم رسامي الخيول في الفن البريطاني، ورسم عشر صور بعنوان ماريس والمهرات والتي وضعت ضد وجهات النظر التقليدية من الريف الانجليزي.
وتعد لوحة “ماريس والمهرات في مشهد نهر” واحدة من أفضل من هذه السلسلة. ويقوم الفنان بعناية فائقة بدمج الخيول في المناظر الطبيعية، من خلال دمج ألوان مختلفة من الخيول مع الخلفية.
لوحات
ومن اللوحات الشهيرة في العالم العربي لوحة الفنان تمام الأكحل، بعنوان “لا تتركوا الحصان وحيدا”، محاكاة لقصيدة محمود درويش الشهيرة “لماذا تركت الحصان وحيدا”.
وفي عالم النحت برز الحصان كواحد من أهم المواضيع في النحت، منها تمثال ماركوس أويليوس في هضبة كابيتولين، وهو أحد النماذج الأولى لعصر النهضة، وهو تمثال يتم فيه تجسيد على صهوة الجواد، وفي العادة يتم تصوير الحكام والقادة العسكريين، في وضعيات معينة، فإن تم تصوير الفارس على حصان ذي قدمين مرفوعتين يعني أن الفارس قد قتل في المعركة، وإذا كانت قدم واحدة للحصان مرفوعة فهذا يعني أن الفارس قد مات متأثرا بجراح المعركة، أما إذا كانت جميع أرجل الحصان غير مرفوعة عن الأرض فإن ذلك يعني أن الفارس قد مات طبيعيا وليس في معركة، على الرغم من عدم وجود الدلائل التي تدعم هذا الاعتقاد.
فرسان السينما
وفي عالم الفن السابع استعان المخرجون بالكثير من الخيول خاصة بتلك الأفلام التاريخية التي تتحدث عن أشهر المعارك التي جرت في التاريخ مثل فيلم “طروادة” أو “الإسكندر الأكبر”.
وفي أفلام أخرى استخدم المخرجون الخيول في عناوين أفلامهم مثل فيلم “خيل الله” للمخرج المغربي نبيل عيوش، وهو فيلم مقتبس عن رواية “نجوم سيدي مومن” لملحي بينبين. ويتحدث الفيلم عن مسار منفذي اعتداءات الدار البيضاء المنحدرين من سيدي مومن، حيث كانوا يعيشون حياة فوضوية إلى أن تم تجنيدهم من قبل إسلاميين.
أسماء الخيل في القرآن الكريم
وردت الخيول في القرآن الكريم، في أكثر من آية، مثل العاديات في قوله تعالى “وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً”، والموريات في قوله “فالْمُورِياتِ قَدحاً” والصافنات، حيث قال تعالى : “إذ عُرض عليه بالعشي الصافنات الجياد”، وأخيرا الخير في قوله “فَقال إِنِي أَحْبَبْتُ حُب الخير عن ذكْر ربِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ”.
الحصان الأسطوري
يعتبر حصان طروادة جزءا من أساطير حرب طروادة، ويعتبر أكبر الأحصنة الخشبية في التاريخ، ويبلغ من الطول 108 متر ومن الوزن 3 أطنان، ليكون أمتن حصان خشبي في العالم، ومن بعده هناك حصان زقاونة لدى شعب الرومان والجرمان.
وتروي الأسطورة أن حصار الإغريق لطروادة دام عشر سنوات، فابتدع الإغريق حيلة جديدة، حصانا خشبيا ضخما أجوف بناه إبيوس وملئ بالمحاربين الإغريق بقيادة أوديسيوس، أما بقية الجيش فظهر كأنه رحل بينما في الواقع كان يختبئ وراء تيندوس، وقبل الطرواديون الحصان على أنه عرض سلام.
وقام جاسوس إغريقي، اسمه سينون، بإقناع الطرواديين بأن الحصان هدية، بالرغم من تحذيرات لاكون وكاساندرا، حتى أن هيلين وديفوبوس فحصا الحصان فأمر الملك بإدخاله إلى المدينة في احتفال كبير.
احتفل الطرواديون برفع الحصار وابتهجوا، وعندما خرج الإغريق من الحصان داخل المدينة في الليل، كان السكان في حالة سكر، ففتح المحاربون الإغريق بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش بدخولها، فنهبت المدينة بلا رحمة، وقتل كل الرجال، وأخذ كل النساء والأطفال كعبيد.