كان هناك حصان عربي اصيل اسمه (مهلهل) يمتلكه الشيخ فوزان السابق، وقصة الحصان (مهلهل) لا يعرفها إلا عدد قليل من الناس، وهي جديرة بأن يعرفها أكبر عدد؛ لأنها دليل على فضل الخيل ومصداقاً لما ذكره المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الجَعْدِ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ : الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ ) . وكذلك ما يتمتع به أبناء البلاد من قدرة على العطاء في خدمة بلادهم. كان رجل الأعمال الأمريكي المستر تشارلز كرين، أحد أعضاء لجنة الرئيس الأمريكي.. التي قدمت توصياتها الخاصة بسورية والعراق لمؤتمر الصلح المنبثق عن الأمم المتحدة الذي عقد في فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى موجوداً في مصر.
وكان ممن يترددون على مضمار السباقات مغرماً بالحصان العربي، ويجد متعة في حضور سباق الخيل وزيارة أماكن تربيتها في المطرية. تعرف على الشيخ فوزان ودعاه لزيارته في إسطبله الواقع بشارع ترعة الجبل بحلمية الزيتون بالقرب من قصر القبة.
يقول أحد المعاصرين والمقربين من الشيخ فوزان: استعرضت الخيول أمام المستر تشارلز واحداً إثر الآخر لكنه ما إن رأى الحصان «مهلهل» حتى قال بصوت عال: (يا إلهي ما هذه العظمة !!) قال فوزان: (هو لك). لم يصدق المستر تشارلز حتى كرر المترجم الكلمة أكثر من مرة.. وكانت فرحته بهذه الهدية كبيرة، وهكذا بدأت صداقة قوية ربطت بين الشيخ فوزان والمستر تشارلز كرين.
قصة صداقة فوزان للمستر تشارلز منشورة في العدد الثالث من الجزء الأول من المجلة التي أصدرها المكتب الإعلامي بالسفارة السعودية في واشنطن سنة 1984م، مقال بعنوان (من معالم الصداقة السعودية – الأمريكية) في منتصف الثلاثينيات، رجل سعودي وآخر أمريكي يجمعهما حب الجياد العربية هي المنطلق إلى اكتشاف البترول في المملكة العربية السعودية.
الأمريكي كان المستر تشارلز كرين رجل السياسة والصناعة المشهور. أما السعودي فقد كان الشيخ فوزان؛ المندوب السعودي في القاهرة الذي كان معروفاً باقتنائه الجياد العربية الأصيلة.
سعى كرين إلى مقابلته لشراء بعض جياده ولكن فوزان السابق فاجأه بإهدائه جواداً وفرساً من أفضل خيله ولم يرض بالثمن الكبير الذي عرضه كرين. وكتعبير عن الاعتراف بالجميل عرض أن يبعث بالجيولوجيين للمساعدة في البحث عن البترول في المملكة. وكان أن وقع الاختيار على الجيولوجي كارل إس تويتشل، الذي وفق فعلاً إلى اكتشاف البترول في المملكة العربية السعودية، هذه هي القصة المنشورة في المقال.
يقول محمد الفوزان نجل الشيخ فوزان: القصة وقعت في عام 1927م حضر المستر كرين لزيارة الوالد بتوصية من المفوضية الأمريكية بالقاهرة، وطلب أن يرى الجياد العربية التي يمتلكها الوالد. وقد استعرضت أمامه الجياد الموجودة في الإسطبل. وعندما وقف أمام أحد الجياد صاح بأعلى صوتة: (يا إلهي ما هذه العظمة !!) ما هذا الجواد !! اسمه مهلهل، ناصع البياض، وآية من آيات الله في الجمال والقوة . فاز بجميع السباقات التي اشترك فيها، لم يتمالك نفسه وهو يخرج دفتر شيكاته من جيبه يوقع إحداها على بياض تاركاً للشيخ فوزان تقدير القيمة. قال الشيخ فوزان للمترجم: قل للمستر كرين (هو لك)، وليدخل دفتر شيكاته في جيبه. فالحصان هدية مني له. لقد دهش المستر كرين لهذا التصرف من الشيخ فوزان. ولم تمض أيام حتى كان الحصان (مهلهل) على ظهر أحد المراكب المتجهة إلى أمريكا من ميناء الإسكندرية.
وحفر هذا الكرم العربي مكاناً عميقاً في نفس (كرين) فعرض على ممثل الملك عبد العزيز (فوزان السابق) أن يقوم بجهود لاستكشاف ما في المملكة العربية السعودية من ثروات طبيعية، ولما عرض (فوزان السابق) الأمر على الملك عبد العزيز وافق على الفكرة، وحدد موعداً للقاء (كرين) ما بين رمضان وذي الحجة في جدة، فوصل (كرين) إلى جدة في فبراير عام 1931م فكان أول أمريكي يجتمع مع الملك عبد العزيز وتأثر (كرين) كثيراً بالملك عبد العزيز، وبعد أن عاد (كرين) أرسل لممثل الملك عبد العزيز بالقاهرة (فوزان السابق) أسماء مهندسين لاختيار أحدهم للقيام بعمليات المسح في المملكة وتم اختيار (توتشل) من بينهم، وبدأ عمليا المسح.
ويقال: إن المستر تشارلز – كرين كتعبير عن شعوره أرسل سيارتين هدية للشيخ فوزان، وقام الشيخ فوزان بإهداء الأولى للملك عبدالعزيز، والثانية للملك فاروق.
وبينما كان الشيخ فوزان وكرين يتناولان القهوة العربية، قال كرين لمضيفه: إن بلدكم فقير، ولكن لا بد من وجود ثروات معدنية في باطنها، وعلى الأقل الماء. أرجوكم أن تدعوني أقدم لكم خبرة مهندس ليقوم بعمليات مسح الجزيرة العربية لاكتشاف باطنها. وإنني أود أن أزور بلادكم، ويسرني مقابلة الملك عبدالعزيز. وهنا وعده الشيخ فوزان بالإبراق إلى بلاده، وجاء الرد سريعاً، فقد كان الملك عبدالعزيز قد سمع عن كرين، وأعرب عن ترحيبه وموافقته لمقابلته.
وصل كرين يوم الأحد 25 فبراير عام 1931م إلى ميناء جدة بمركب بخاري من القاهرة بعد توديعه من قبل الشيخ فوزان، وأرسل معه مرافقاً ليكون بصحبته طول الرحلة. وكان الملك عبدالعزيز متواجداً في جدة حينها، فرحب به عند وصوله ليكون كرين أول أمريكي يجتمع به الملك عبدالعزيز، ودعاه لتناول طعام الغداء على مائدة جلالته. حمل كرين عدة أفكار وعرضها على الملك عبدالعزيز لرقي البلاد، والسماح له بمسح جيولوجي كامل بدون مقابل في مناطق البلاد، والتنقيب عن الثروات في باطن الأرض من مياه أو معادن أو بترول. وقد سبق أن منح الملك عبدالعزيز البريطانيين فرصتين للتنقيب، وفي كل فرصة يؤكد مساحوهم أنه لا وجود للبترول في جزيرة العرب، وأنه لا أمل بالعثور عليه. بدأت النتائج الأولية لرحلة كارل تويتشل في المنطقة الشرقية بعد مشاهدة ساحل الخليج ووقوفه على الشاطئ أن بحراً من البترول كان يجري عبر الماء وعلى بعد بضعة أميال من البحرين… وصل إلى جدة ممثلو شركة «سوكال» السيد وليد آن هاملتون نيابة عن كرين برفقة كارل تويتشل الجيولجي الذي قام فعلاً بمسح المنطقة… وظهور البترول، ومَنَّ الله على بلادنا بالرزق ولله الحمد).
مصادر : مجلة رجال الأعمال ، كتاب العقيلات