تتردد على مسامعنا أمثال كثيرة من بينها المثل الشهير: مع الخيل يا شقرا، والمثل المحلي: حشر مع الناس عيد، وهذان المثلان يختلفان في الكلمات إلا انهما يتفقان في المعنى ولا يختلفان عن بعضهما البعض في القصد منهما.
وتتنوع الروايات حول قصة مثل مع الخيل يا شقرا، إلا أن اشهر الروايات تروي حكاية قروي كان يمتلك مجموعة من الخيول الأصيلة والجميلة التي يدربها يومياً في القرية، كما كان يملك في نفس المزرعة بقرة اطلق عليها اسم شقرا، وعندما كان يفتح الإسطبل للخيول تطلق ساقيها للريح في المزرعة حتى تتبعها البقرة رافعة ذيلها كأنها واحدة من الخيول، وكان يتكرر هذا المشهد يومياً حتى اطلق القروي المثل: مع الخيل يا شقرا.
ومهما تعددت الروايات واختلفت حول قصة هذا المثل إلا أن الواقع يؤكد بأنه أصبح واقعاً ينطبق على شريحة كبيرة من البشر على كافة الأصعدة في عالمنا الذي نعيش فيه، فمن ينطبق عليه هذا المثل ينطبق عليه المثل المحلي: حشر مع الناس عيد.
وفي الحقيقة هذه النوعية من الناس تسمى الإمعة، لا يثبت مع أحد ولا رأي له في أي شيء، لا يعرف في هذه الحياة سوى تقليد الآخرين سواء كان ذلك في الأمور الإيجابية أم السلبية، هو في الواقع إنسان لا يملك القوة لتغليب عقله ليفكر ويتمعن قبل اتخاذ أي قرار أو سلوك أو تصرف معين، بل يقول للناس إني معكم فيما شئتم، كأنه ممن ذكرهم الله في قوله «صم بكم عمي فهم لا يفقهون».
وفي هذا الموضوع نبه الصحابي عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه عندما قال: لا يكونن أحدكم إمعة، قالوا: وما الإمعة، يا أبا عبد الرحمن؟ قال: يقول أنا مع الناس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت، ألا ليوطنن أحدكم نفسه على إن كفر الناس أن لا يكفر.
وإذا ما تطرقنا للامعات في حياتنا سنجد انهم يختلفون باختلاف ميولهم وما يعشقون، فعلى الصعيد الاجتماعي نجد ان الكثيرين باتوا يقلدون بعضهم البعض دون ادني تفكير، فانتشرت سلوكيات غريبة ومظاهر عجيبة مستهجنة نجمت عن التقليد فبات الواحد منهم إمعة يتبع صاحبه في كل شيء، ليقوم إمعة آخر بإتباع ما يفعله من سبقه من الإمعات .
وقد يأتي أحدهم أمراً نُكراً، ثم بقدرة قادر سيصبح هذه الأمر النُكر عادة عند الآخرين خاصة ان بدر هذا الأمر من أحد المشاهير كالفنانين والمطربين الغريبي الأطوار ليكون بعد فترة شيئاً عادياً جداً سينكره الناس عليك إن قمت بإنكاره.
وما يؤكد حديثي الحال الذي وصل إليه البعض في ارتداء قلادات وملابس عليها شعارات تشير إلى عبدة الشيطان أو ترمز إلى محافل الماسونية دون أن يسألوا أو يعرفوا أو يبحثوا ماذا تعني هذه الشعارات والرموز، وإذا ما نبههم أحدهم إلى ذلك سيرد بأن الجميع يلبس هذه الشعارات فدع الخلق للخالق.
كذلك في الجانب الاقتصادي الأمر لا يختلف كثيراً عندما يبدأ مجموعة من صغار المستثمرين الذين لا يفقهون شيئاً في أرباح الشركات ولا مكرر الربح ولا القيمة الاسمية بدخول أسواق الأسهم، ورغم ذلك ستجدهم يبيعون ويشترون مقلدين الآخرين، هذه النوعية من المستثمرين يسمونهم في عالم المال بالقطيع، والقطيع بطبيعة الحال لا يختلف عن الامعة الذي يتبع غيره، فتكون النهاية بالنسبة لهم مأساوية في أكثر الأوقات.
لا يختلف الموضوع كثيراً في المنتديات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي فإن أشيع عن احدهم بأنه ملحد والعياذ بالله سيتبعه الآخرون بإلقاء نفس التهمة دون ان يقرأوا كتاباته أو يعرفوا توجهاته، وإن اعجب احدهم بتوجهات شخص معين قلدوه في الكلمات والعبارات دون ان يعوها ويفهموها حتى وإن كان فيها شرك عظيم.
الأمثلة كثيرة في الحياة تستطيع أن تكتب من خلالها المجلدات والقصص والروايات، والتطرق لها لن يوفيها حقها، إلا أن على الإنسان أن يسعى للتغلب على هذه الصفة بأن يكون ذو عزيمة وصاحب رأي، يتعين عليه أن يفكر جيداً قبل القيام بأي عمل، لا يستعجل ولا يندفع مقلداً الآخرين لمجرد انهم اندفعوا للقيام بأمر معين، فيقول لنفسه: حشر مع الناس عيد، بل عليه أن يأخذ بقول الشاعر: ولا تقنع بأول ما تراه .. فأول طالع فجر كذوب.
شكراً لكم جميعاً لهذه المجهودات ونتمنى تطوير هذه الرياضة بشكل افضل ودعم اقوى