دعا إمام الرحمة وأرأف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الرفق بالخيل، والتلطف في معاملتها، وتنظيفها دائما. وقد كان كل ذلك وغيره؛ في حديث شريف قال فيه “ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأعجازها أو قال أكفالها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار”
فمعنى (ارتبطوا الخيل) فهو من قوله الله تعالى: (ومن رباط الخيل); أي بالغوا في ربطها وإمساكها عندكم (وامسحوا بنواصيها) أي تلطفا بها وتنظيفا لها (وأعجازها – أو قال أكفالها -) بفتح الهمزة جمع عجز وهو الكفل. قال ابن الملك: يريد بهذا المسح تنظيفها من الغبار وتعرف حالها من السمن (وقلدوها) أي اجعلوا ذلك لازما لها في أعناقها لزوم القلائد للأعناق، وقيل معناه اجعلوا في أعناق الخيل ما شئتم.
ومعنى (ولا تقلدوها الأوتار) فالأوتار جمع الوتر بفتحتين; أي لا تجعلوا أوتار القوس في أعناقها فتختنق; لأن الخيل ربما رعت الأشجار، أو حكت بها عنقها، فيتشبث الأوتار ببعض شعبها فيخنقه. وقيل: إنما نهاهم عنها لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يدفع عنها العين والأذى، فتكون كالمعوذة لها فنهاهم عنها، وأعلمهم أنها لا تدفع ضرا ولا تصرف حذرا.
والمعنى العام؛ قلدوها طلب إعلاء الدين والدفاع عن المسلمين، ولا تقلدوها أوتار الجاهلية التي كانت بينكم، على أن الأوتار جمع وتر بكسر فسكون وهو الدم وطلب الثأر; أي لا تركبوها لتطلبوا عليها أوتار الجاهلية ومداخلها التي كانت بينكم.
قال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما:
أحبوا الخيل واصطبروا عليها فإن العز فيها والجمالا
إذا ما الخيل ضيعها أناس ربطناها فأشركت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم ونكسوها البراقع والجلالا
وقال شاعر بني عامر:
بني عامر مالي أرى الخيل أصبحت بطاناً وبعض الضر للخيل أمثل
بني عامر إن الخيول وقاية لأنفسكم والموت وقت مؤجل
أهينوا لها ما تكرمون وباشروا صيانتها والصون للخيل أجمل
متى تكرموها يكرم المرء نفسه وكل امرئ من قومه حيث ينزل