سلسلة دروس شرح كتاب: (قانون صفات الخيل العربية) للأستاذ: عبد العزيز القرشي
رقم الدرس: ١٠
1/ رِقَّةُ الجَحَافلِ.
قال أبو عبيدة: “ويُسْتدل على عِتْق الفَرَس برِقَّةِ جَحَافِلِهِ”, وفسر الجحافل بقوله: “وجُحْفُلتَاهُ: ما يتناول به العَلَف”. وبهذا فسرها الأصمعي كذلك فقال: “الجُحْفُلَةُ: ما تناول به العَلَفَ”. والجحافل من الفرس بمنزلة الشفتين من الإنسان, وقد تُسمى جُحفلة الفرس شَفَةً على سبيل المجاز.
2/ دِقَّةُ المُسْتَطْعَم.
قال الأصمعي: “يُسْتحب في الفَرَس […] أن يَدِقَّ مُسْتَطْعَمُهُ”, ومستَطعم الفرس كما ذكر أبو عبيدة: “ما بين مَرْسِنه, وأطراف جَحَافله”. والمَرْسِن كما ذكر أيضا هو: “موضع الحَكَمة على أَنْفه”. فالمُستَطعم إذن هو ما يُسمى اليوم في أوساط كثير من أهل الخيل: (البوز), أو (الخَطْم). ولفظة البوز لم ترد بهذا المعنى في المعاجم القديمة, فهي من الألفاظ الدخيلة, التي أقرها مجمع اللغة العربية في القاهرة, وصدرت في معجمه الوسيط, وهي تعني الفم و ما حواليه, والجمع: أبواز. أما الخَطْم فهي عربية فصيحة, وهي كما ورد في جمهرة اللغة: “الخَطْم: خَطْم الدابّة، وهو ما وقع عليه الخِطام من أنف البعير. ثم كثر ذلك حتى قيل: خَطْمُ السَّبع, وخَطْمُ الفَرَس, وسُمِّيت الأنوف المَخاطم، الواحد مَخْطِم”.
وبناء على ما تقدم, فالمستحب في جحافل الفرس العربي (الشفتان), ومُستَطعمه (البُوز) الرقة والدقة, وهي من الصفات المشتركة بين وظائف الركوب والزينة, وفرس الزينة أحوج إلى كمالها من فرس الركوب، لقول ابن هذيل: “ومنها لُطْف مُسْتطعَمِه […] وذلك للحُسن”. وهي مما يُستَدل به على عِتْق الفرس وأصالته؛لقول ابن مُقبل:
مِنْ كلِّ أهْوجَ سِرياحٍ ومُقْرَبةٍ تُقاتُ يومَ لِكاكِ الوِرْد في الغُمَرِ
وقد علّق الأزهري على هذا الشاهد بقوله: “وإنما خص الغُمَر وسَقْيها فيه؛ لأنه وصفها بالعِتْق, وسُبوطة الخدود, ولَطَافة الأفواه”. والغُمَر: الإناء الصغير الذي يوضع فيه طعام الصبي. يقول ابن شُميل: “والغُمَر يأخذ كلجتين أو ثلاثة”، وهذا يدل على صغره، فالشاعر يريد أن يقول إن فرسه تشرب يوم الزحام على ورود الماء في الإناء الصغير جدا، وذلك لدقة مُستَطْعَمها ورقته. وبهذا تكون رقة الجحافل والُمستَطعَم ودقتهما من الصفات المؤثرة في تحديد نوع السلالة الخيلية, لأن غلظهما وضخامتهما من علامات الهُجنة في الخيل العربية.
غير أنني أميل إلى التفريق بين الفرس الذكر, والفرس الأنثى, في هذه الصفات, فالأقرب أن الفرس الأنثى يكون أكثر رقة ودقة في الجحافل والمُستَطعم من الفرس الذكر؛ وذلك لورود أصل التفريق بينهما عن العرب؛ ولتحقيق ذُكورية الذَّكَر, التي يتميز بها في كل أجناس الحيوان عن الأنثى.
ويحسُن أن نختم الدرس بالتنبيه على أن الجَحافل قد يُطلق عليها المُستَطعم, وقد ورد ذلك في بعض نسخ كتاب الأصمعي, حيث قال: “ويَدِقُّ مُسْتَطْعَمُهُ, أي: جَحَافِلُهُ”. وورد ذلك أيضا في بعض كتب المعاجم واللغة؛ كما قال صاحب الصحاح: “ومُسْتَطْعَمُ الفرس: جَحافله”, وهذا سائغ في العربية, وهو داخل في قول ابن قتيبة: والعرب تسمي الشيء باسم غيره إذا جاوره أو كان منه بسبب.
ملحوظة:
المقصود هنا عرض الدرس بلغة سهلة ومختصرة دون إثقاله بطريقة المعالجة والاستدلال، ولذلك فالدرس لا يُغني عن الكتاب لمن أراد التوسع، علمًا أن الكتاب موجود في جميع فروع المكتبات التالية: جرير، العبيكان، الرُّشد.