بقلم. راشد بن ناصر
الاسم : بي شاه
الأب : بي البي
الأم : ستار أوف أوفير
اللون : أحمر
تاريخ الميلاد : ١٩٧٦
هناك في ولاية أوريغن الأمريكية ، في مزرعة صغيرة يتوسطها إسطبل قديم تحيط به أفراس مبعثرة في السفح تقع مزرعة ( جيني والتون ) ، ها هو الليل قد خلع عباءته السوداء سامحاً للشمس أن ترسل أشعتها الدافئة للأرض ، صقيع الليل بدء بالتبخر شيئ فشيئ ، الصقيع بدء يتبخر من أجساد الأفراس المبتلة في منظر أشبه بالدخان ….
إنه عام ١٩٦٣ عندما قررت جيني أن تلقح أفراسها الثلاث من فحل واحد يسمى ( غازي ) .. الطريف في الأمر هو أن الثلاث أفراس أنتجن ثلاث مهرات، الثلاث مهرات حققن بطولات لاحقًا !!! و الاطرف من ذلك أنهم جربوا ذات الفحل على ذات الأفراس و لكن لم يحصلوا على ذات النتيجة .
ليستر ( زوج جيني ) معروف بروحه الفكاهية ، عندما يسأله أحدهم عن الطريقة التي يمكن من خلالها أن تكون مربياً ناجحا … كان يجيب .. ” إن عليك كمربي أن تمارس تمارين الصبر و الحظ” .
ولادته ونسبه:
للحديث عن نسب ( بي شاه ) يتحتم علينا العودة للمهرات الثلاث ( بنات غازي ) كان أحدهن فرس شقراء سميت ( لانا ) اشتد عودها و أصبحت جاهزة للإنتاج .. في تلك الحقبة لم يكن التلقيح الصناعي معروف أو على الأقل لم يكن رائجًا … قررت جيني و زوجها أن يتم تلقيح ( لانا ) من فحل الإنتاج الأول في تلك الحقبة ( باسك )…. للتعرف على قصة باسك ( طالع مقالنا السابق ” حكاية خيل / باسك الرهيب “)
تقاطع دماء ( لانا / باسك ) نتج عنه فرس سميت ( ستار أوف أوفير ) …
ستار أوف أوفير من الأفراس المحببة لجيني ( تظهر في الصورة وبجانبها جيني ) أخذت هذه الصورة في عام ١٩٧٥ عندما ودعتها جيني قبل بدء رحلتها لمربط ( ڤارين التابع لشيلا ڤارين ) ليتم تلقيحها من الفحل ( بي البي ) ..
في الأسبوع الأول من شهر مارس ١٩٧٦ ولد مهر ضخم لونه أحمر سمي ( بي شاه ) .
بي شاه يحمل اسماً مركباً فكلمة “بي” تعني اللون الأحمر بالإنجليزية ( اللون البني الداكن يسمى أحمر في الخيل ) و كلمة “شاه” أي الملك او السيد بالفارسية ( بي شاه ) ، كان مهر ضخم ، إستطاع النهوض حتى قبل أن تنهض أمه بعد ولادتها !!! يقول ( داغ ديمن ) في إحدى لقاءاتي به في معرض حديثنا عن ” بي شاه “
يقول ” ذهبت لمزرعة جيني عندما كان بي شاه يبلغ من العمر ثلاث أسابيع ، أخرجوا أمه وهو برفقتها ، ولم اكن اصدق أن هذا المهر يبلغ من العمر ثلاث أسابيع ، كان ضخم جدا !!! كانت إحدى السائسات تمسك بأمه ( ستار أوف أوفير ) في حين ذهب بي شاه يتبختر بعيدا عنها .
يكمل ( داغ ) لن أبالغ إن قلت أنني رأيت فحلاً مكتملاً في شكل مهر ، منذ خروجه من غرفته لم تطئ أقدامه الأربع الأرض حيث أخذت يده الأمامية مصحوبة برجله الخلفية تتناوب في ملامسة الأرض .. أخذ يبتعد ثم يعود لي و ينظر مباشرة في عيني .. أقسم لك أنني لا أنسى تلك النظرة إلى الان ( يقول داغ ). رحلت و لم أستطع النوم ليلتها ، يقول داغ !!!!
صفاته و مورثاته :
بي شاه من الأفحل الجدلية التي ثار عليها جدل كبير .. كثيرون ممن عاصروه انتقدوه و في نفس الوقت ( حجوا بأفراسهم لتلقيحها منه !!! ) وليس ذلك فحسب بل كانوا يشترون الأفراس و يلقحونها منه .
يتميز بي شاه بالضخامة في البنية والتي كانت إحدى السمات المميزة لمورثاته حيث غالباً ما تحمل بناته في الغالب هذه الصفة …
الميزة الأخرى التي يتميز بها بي شاه ( والتي غيرت شكل صناعة عروض الجمال قاطبة إلى الشكل الذي نراه اليوم ) هو الشخصية و الحضور اللافت في السلوك ( الكاريزما ) النسبة الساحقة من ابناءه يتميزون بها …
أمر لم يختلف عليه إثنان !!!
وكما هي الصفات الإيجابية ، فهناك صفات غير محموده في بي شاه ، منها عيوب في القوائم ( غالباً يورثها ) و الظهر و خشونة الرأس و غلظ في المذبح ……
في حوار فكاهي بين بعض المربين يطرح تساءل ( ماهي الفرس التي تتناسب مع مورثات بي شاه ؟ ) الجواب : فرس جميلة الرأس ، نظيفة المذبح ، قصيرة الظهر ، سليمة القوائم في إشارة إلى كثرة عيوبه !!!
الراحلة ( لانيتا بيروي ) مالكة علي جمال ، كانت من أشد المعارضين للإنتاج من بي شاه !! خصوصًا عندما رأته في مزرعة جيني والتون في غرفته … قالت … لا يمكن أبدًا ألقح أفراسي من هذا الفحل !!!! ولكن الطريف أنها بعد مشاهدته في الخارج تحولت وجهة نظرها بشكل جذري ، حيث بلغ عدد بنات بي شاه في برنامج إنتاجها ١٩ فرس .
كأنني أطلت عليكم !! اختصاراً للموضوع ( بي شاه ) كان يمتلك القدرة على ان يحول فرس انتاج عادية لم تنتج شيئ مميز في حياتها لمنتجة ابطال !!!
الجدل الذي أحاط كذلك ببي شاه هو أنه مصاب بلوثة عقلية جعلته صعب المراس ويصعب التعامل معه .. ومن باب أمانة النقل انقسم من قابلتهم إلى فريقين ، فريق أيد هذا الطرح و فريق نفاه تماماً و أنحى باللائمة على التعامل معه بشراسة الأمر الذي جعله كذلك …
أما عن وجهة نظري الشخصية ( رغم حبي لبي شاه و الخطوط المؤدية اليه ) فإنني أميل للفريق الأول الذي يقول أن بي شاه فحل صعب المراس و يؤيد طرحي الربط التالي :
أولاً: وقع بين يدي فيديو نادر لبي شاه وهو يدخل للعرض على الجمهور وقد أمسك به رجلين من اليمين ومن الشمال.
ثانياً : من الصعب جداً وقوف بي شاه في حلبات العرض ساكناً فقد عجز كبار المدربين عن القيام بذلك بل على النقيض يندر جداً وجود صور لبي شاه واقفاً في ساحات العرض .
ثالثاً : أنه جينياً كذلك ، فأنا ( شخصياً ) أعتقد أن الفحل ( سيتاديل ) حفيد بي شاه من الأم هو أفضل ممثل لجده ووريثه من حيث الشكل و الإنتاج ، لديه ذات الصفات و يورثها بشكل كبير لبناته ( رغم أنني اعتقد أن بنات سيتادل من أفضل الأفراس انتاجاً ) …
لعبة بي شاه المفضلة :
كانت الأفراس تأتي من مختلف أنحاء الولايات المتحدة لكي يتم تلقيحها من بي شاه … رغم وعورة الطريق ( حيث يصل طول الطريق غير المعبّد للمزرعة إلى أربعون ميل ) .. مكتب الموظفة المعنية بإنها الإجراءات المتعلقة بتسجيل الأفراس و أخذ المواعيد و خلافه يطل على مفلت الخيل ( البادوك ) الذي يوجد فيه بي شاه فعندما يطلب منها أحدهم رؤية بي شاه ، كانت تخرج من مكتبها و تمسك بكره كبيرة تصدر صوت و ترميها في البادوك … فما أن ينتبه بي شاه لتلك الكره حتى يتغير شكله تماماً !! فيشد ظهره و يرفع رأسه و يرفع ذيله و يبدأ بالتراقص و النفخ و النخير …. وأصبح معلوماً لكن من زار المزرعة ما هي لعبة بي شاه المفضلة ..
النتائج و الإنتاج :
بي شاه ليس من الافحل التي تربعت على عرش عروض جمال الخيل، فقد كان أفضل لقب حصل عليه هو وصيف البطل القومي في الولايات و من أفضل عشرة فحول في كندا … مع التشديد هنا على شراسة المنافسة في تلك الحقبة .
ولكن خزانة الألقاب في الإنتاج مليئة جداً … كيف لا !! فقد كان أفضل فحل في الإنتاج في تلك الحقبة برصيد وصل إلى : ٣٢٠ بطل قومي من أبنائه و ١٠١ ممن فازوا ببطولات ٣٤ من أبنائه أنتجوا أبطال ٤١ من بناته أنتجن أبطال حتى عام ١٩٩٩ .
عرف عن بي شاه أنه منتج من العيار الثقيل خصوصاً في انتاج الافراس .
ولكن اللافت أن بي شاه لم يكن معروفاً كمنتج حتى بلغ من العمر ٦ سنوات عندما جاءت بنته شاتينا لتحصد جميع الألقاب كما أطلق عليها لاحقاً الفرس الأرستقراطية ( لقب تناله الأفراس في أمريكا بناء على عدد الأبطال الذين أنتجتهم ) بسبب شاتينا تهافت المربين للإنتاج من بي شاه الذي أخذت تتزايد شعبيته بشكل كاسح كل سنة ( شاتينا أمضت ما تبقى من عمرها في مزرعة مايكل بايت برفقة صديقتها (ليتل ليزا فيم أم مروان الشقب حفيدة بي شاه ) في البادوك حتى نفقت هي و صديقتها في ٢٠١٦ …
كذلك من أهم بناته ( بنت بي شاه ) أم الفحل المعروف سيتادل .
وعندما نتحدث عن إنتاج بي شاه لا يمكن أن نغفل ( فيم ڤي إف ) كأفضل أبناء بي شاه المنتجين .
( أر إس دي دارك ڤيكتوري ) أيضًا أحد أهم أبناء بي شاه المنتجين في البرازيل ، ولا ننسى شالنجر كذلك .
وداعاً بي شاه :
انتقلت ملكية بي شاه لعدة أشخاص .. نجحت محاولات البعض في شراءه و فشلت بعضها .. كانت أول قيمة بيع بها ٤٥ الف دولار .. المحزن أنه عندما يغادر خيل مالكه و مربيه و يدخل في دوامة الاستثمار والتعامل معه كسلعة يدخل معها الخيل في حالة من الإحباط و الاكتئاب لايبالي بها مالك مركز التدريب أو المستثمر … ذلك بالضبط ما حصل لبي شاه فقد أصيب بمرض اللمنايتوس ( حمرة الحافر ) و من شدة الإهمال تفاقم عليه المرض وضل مستلقياً لفترة طويلة لا يقوى على الحراك …
ميشيل سايبر كانت من محبي بي شاه وكانت من أشد المشفقين على حالته .. قررت شراءه بعد أن وجدته بتلك الحالة … وقالت يكفيني فخرًا أن أكون أحد ملاك بي شاه .. انتقل بي شاه لمزرعتها محمولاً على جنبه .. بدأت في تطبيبه محاولة إنقاذه ولكن لم تستطع .. بعد أن أكد لها أكثر من طبيب ان إحتمالية شفاءه معدومة … قررت إنهاء معاناته بحقنه بإبرة عجلت نفوقه ? وقالت ” بي شاه الذي أحبه الناس كان يستحق أفضل من أن يموت بهذه الطريقة ” أغمض بي شاه إغماضته الأخيرة في الثامن والعشرون من شهر شهر فبراير في عام ٢٠١١ .
العجوز جيني والتون ذات الشعر الأبيض هي و زوجها ليستر لم يكونوا يعلمون أنهم سيغيرون قواعد اللعبة في عالم جمال الخيل العربية بأسره ..
بي شاه هو الفحل الذي لم تعد الخيل العربية من بعده مثل ما كانت .. بي شاه سيظل باقي رغم رحيله ، دماءه تجري في عروق أبطال العالم …. وداعًا بي شاه