كتب سليمان بن هشام بن عبد الملك إلى والده: إن فرسي قد ضعف فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بغيره. فكتب إليه والده: إن أمير المؤمنين قد فهم ما ذكرت من ضعف فرسك، وظن أن ذلك من قلة تعهدك له فقم عليه بنفسك!..
تبين المكاتبات أعلاه، التي تمت بين أمير المؤمنين وابنه، والتي كتبت بمداد من حكمة؛ مدى حب العرب لخيلهم، ومدى عزة هذه الخيل الكرام، وأن موقعها في سويداء القلوب. فهذا الحوار الذي دار بين اثنين من علية القوم، يدل على أن العرب بأميرهم وخفيرهم، يقومون على خدمة الخيل، ويعلمون أن قلة الاهتمام بها يضعفها، أو بمعنى آخر؛ اهتمام وعناية صاحب الخيل يختلف عن اهتمام من لا يملكها، وهذا يقود الى ان هنالك ارتباط قوي بين الفرس وصاحبه، تجعل الأخير يعتني بالأول اعتناء الأب بابنه، حتى وإن كان أميرا شغله أمر الحكم والرعية، أو وزيرا انخرط في دروب السياسة، أو مديرا يفرغ من اجتماع ليدخل في آخر. فبالرغم من كون سليمان بن هشام بن عبدالملك كان اميرا لم يشفع له ذلك عند أبيه، ما دام الأمر قد تعلق بخدمة هذه المخلوقات الاصيلة.
وكثيرة هي القصص والقصائد التي حملت بين اسطرها هذه المعاني السامية؛ فقد قيل إن دريد بن الصمة (شاعر جاهلي وفارس من قبيلة هوازن) قال لأبي النضر: “قد رأيت منكم خصالا لم أرها من غيركم، رأيت أبنيتكم متفرقة، ونتاج خيلكم قليلا، وسرحكم يجيء معتما، وصبيانكم يتضاوغون من غير جوع. قال أجل: أما تفرق أبنيتنا فمن غيرتنا على النساء، وأما قلة نتاج خيلنا فنتاج هوازن يكفينا، وأما بكاء صبياننا، فإنا نبدأ بالخيل قبل العيال، وأما تمسينا بالنعم فإن فينا الأرامل والغرائب، فتخرج المرأة إلى ما لها حيث لا تراها الرجال”.
وقال شاعر الرسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه:
تظل جيادنا متمطرات … يلطمهن بالخمر النساء
ينازعن الأعنة مصعدات … على أكتادها أسد ضراء
وهذا مالك بن نويرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد من سادات قبيلة تميم يقول :
إذا ضيع الأنذال في المحل خيلهم … فلم يركبوا حتى تهيج المضايف
كفاني دوائي ذو الخمار وصيفق … على حين لا يقوى على الخيل عاتف
أعلل أهلي عن قليل متاعهم … وأسقيه غص الشول والحي هاتف
وفي ذات المعنى قال حكيم العرب أكثم بن صيفي: “عليكم بالخيل، فأكرموها فإنها حصون العرب، ولا تضعوا رقاب الإبل في غير حقها، فإن فيها ثمن الكريمة ورقوء الدم وبألبانها يتحف الكبير، ويغذى الصغير”.
وكان أشراف العرب يخدمون الخيل بأنفسهم ولا يتكلون على أحد سواهم. فقد قال خالد بن جعفر بن كلاب (رئيس قبيلة هوازن في زمانه) في فرسه حذفة:
أديروني أداتكم فإني … وحذفة كالشجى تحت الوريد
مقربة أسومها بخز … وألحفها ردائي في الجليد
وأوصي الراغبين ليؤثروها … لها لبن الخلية والصعود
تراها في الغزاة وهن شعث … كقلب العاج في رسغ الجليد
يبيت رباطها بالليل كفي … على عود الحشيش وعير غود
لعل الله يفردني عليها … جهاد من زهير أو أسيد
وكان لعبيدة بن الربيع التميمي فرس تسمى سكاب، فطلبها منه بعض الملوك فقال:
أبيت اللعب إن سكاب علق … نفيس لا تعار ولا تباع
مفداة مكرمة علينا … يجاع لها العيال ولا تجاع
فيها غرة من غير نفر … يحيدها إذا حر القراع